الأربعاء 30/أبريل/2025

هل أصبحت أمريكا دولة دينية؟

هل أصبحت أمريكا دولة دينية؟

صحيفة الشرق القطرية

العلمانيون العرب يرددون كلمات فقدت معناها ويريدون أن يرغموا بها العرب على فصل سياستهم ومجتمعهم وتعليمهم عن دينهم اقتداء بعصر التنوير الأوروبي، ولكي يصبحوا ديمقراطيين مثل أمريكا.

حسناً وهل أمريكا دولة علمانية؟!

وسيرد العلمانيون العرب بالإيجاب والتأكيد، وهم بذلك يظهرون جهلهم بإدارة المجتمع الأمريكي، وصناعة السياسة الخارجية الأمريكية.

أمريكا أيها السادة ليست دولة علمانية، بل إن الدين المسيحي يشكل أهم أسس صناعة القرار على المستوى الداخلي والخارجي.

وسأقدم لكم الأدلة لأثبت لكم أن العلمانيين العرب لا يقرأون أو ربما يتعمدون إخفاء الحقائق لتضليل الجماهير.

العلمانيون العرب يستشيطون غضباً وربما حمقاً وجهلاً عندما نشير إلى الإسلام كمرجع لحياتنا، أو كأساس لنهضتنا، ويخرجون لنا ما يخفوه من فحش القول أو سوء الخلق، ويشيرون إلى التقدم في أمريكا وأوروبا باعتباره محصلة التنوير والعلمانية وفصل الدين عن السياسة، والديمقراطية القائمة على التعددية واحترام الآخر.

لكن الدين المسيحي يلعب دوراً مهماً في تشكيل سياسة أمريكا.. تلك هي الحقيقة التي تزداد وضوحا مع الزمن.

من أجل “إسرائيل”

في مؤتمر القمة الذي عقدته منظمة «المسيحيون المتحدون» من أجل “إسرائيل”، والتي تضم في عضويتها الآلاف من الأمريكيين حضر الكثير من أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتقدمهم جو ليبرمان.

وقد تبارى المتحدثون من أعضاء الكونجرس في التعبير عن موقفهم وآرائهم الدينية – السياسية. وسأقدم لكم بعض الأمثلة.

رئيس المنظمة جون هجي قال إن الإنجيل هو كلمة الرب الحي، وأنه الحقيقة الكاملة ولا شيء غير الحقيقة، وأنه أساس وجود أمريكا.. وقد ظهر التأكيد على هذا المعنى في كلمات أعضاء الكونجرس منهم ليبرمان الذي وصف منظمة المسيحيين المتحدين من أجل “إسرائيل” بأنها يد الرب التي تقوم بعمل الرب في مدينة الشيطان.

مدير المنظمة قال إن الرب قد خلق الرئيس الأمريكي ترومان ووضعه في رحم أمه لكي يقوم بدور تاريخي في مساعدة “إسرائيل”.

وهذه إشارة شديدة الأهمية حيث إن ترومان قام بالفعل بتغيير سياسة أمريكا لمصلحة “إسرائيل” واعتبر أن الولايات المتحدة لها مصلحة إستراتيجية في الدفاع عن “إسرائيل”، وأن الدول المعادية ل”إسرائيل” معادية للولايات المتحدة أيضاً.

ولقد استخدمت المشاعر الدينية لحث الأمريكيين على التبرع لصالح “إسرائيل”.

رجال الرب

يعتبر المسيحيون المتحدون من أجل “إسرائيل” وأعضاء الكونجرس الذين يؤيدون “إسرائيل” أنهم رجال الرب الذين ينفذون خطته في مساعدة “إسرائيل”، حتى إن رئيس هذه المنظمة هجي يتم تصويره على أنه نبي، وقد قام بقيادة الآلاف من أعضاء هذه المنظمة إلى مبنى الكونجرس للاعتراض على مطالبة الديمقراطيين بسحب الجيش الأمريكي من العراق، وهم يرون أن رؤيتهم باعتبارهم المسيحيين المؤمنين بالإنجيل يجب أن تعطي أهمية أكبر من رؤية المواطنين العاديين الذين يريد الديمقراطيون أن يعبروا عنها.

إن رؤيتهم في قضايا العراق و إيران هي التي يجب أن تعطى وزناً أكبر، وليس رؤية أغلبية الشعب الأمريكي، وهذه هي الحقيقة.

يرى المسيحيون المتحدون من أجل “إسرائيل” أن الرب يتعامل مع الدول والكنائس والشعوب طبقاً لتعاملها مع “إسرائيل” والشعب اليهودي، لذلك فإن أعداء الرب هم الذين يطالبون بالانسحاب من العراق، أو باستخدام الوسائل الدبلوماسية مع إيران والفلسطينيين.

يقول هجي رئيس المنظمة: إن هناك طريقين للحياة هما طريق التوراة والطريق الخاطئ.

ورداً على ذلك أراد أعضاء الكونجرس الـتأكيد على أنهم ينفذون إرادة الرب أو خطته، وأنهم يشكلون السياسة الخارجية لأمريكا على أساس تلك الخطة.

لذلك وقف ليبرمان ليحث على التبرع ل”إسرائيل” قائلاً: إن أمريكا دولة بنيت على العقيدة ونحن لا ندين في بناء أمريكا لمفكري التنوير ولكن ندين لخالقنا، وأن أي شخص يحاول أن يفصل الحكومة الأمريكية عن العقيدة، فإنه يقوم بعمل غير طبيعي أساساً.

وأنا أعتذر عن الترجمة الحرفية التي أدت إلى ركاكة أسلوبي، ولكنني مضطر لهذه الترجمة كي يفهم العلمانيون العرب ولعلهم يقفون عند الحق.

فشل التنوير الأوروبي

انتشار الرموز الدينية في الولايات المتحدة واستخدامها لصالح التوسع الاستعماري الأمريكي وبناء الإمبراطورية الأمريكية وإشعال الحروب مثل الحرب ضد العراق وأفغانستان وإيران ولصالح “إسرائيل” يثبت أن الأفكار التي قام عليها مشروع التنوير الأوروبي ليست متجذرة في المجال العام الغربي، خاصة في الولايات المتحدة، وهذه الأفكار كثيراً ما يتم استخدامها لإخفاء الحقائق فهناك اتجاه لوصف الحضارة الغربية كلها بأنها حضارة مسيحية يهودية.

أما الحروب التي تشنها أمريكا فإن الدين يستخدم في تبريرها وتسويقها والترويج لها بين الناس في الولايات المتحدة، حيث اعتبر بوش أنه يقوم بمهمة كلفه بها الرب، وهذا ما نقله عنه الصحفي الأمريكي الكبير بوب وود وورد.

ولقد تزايد نفوذ اليمين المسيحي الصهيوني داخل الإدارة الأمريكية والكونجرس وساهم في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية وصنع قرارات الحرب خاصة فيما يتعلق بالعراق وأفغانستان، وهو يضغط الآن لصنع قرار الحرب ضد إيران.

اليمين المسيحي الصهيوني يدفع أمريكا للحرب لأنه يعتقد أن المسيح سوف يحكم العالم من على عرش فوق جبل المعبد، وهي التسمية الإسرائيلية للمسجد الأقصى في نهاية معركة أرميجدون النووية التي سيحترق فيها كل الذين لا يؤمنون بالمسيح، وبالطبع فإن المسلمين هم أول من سيتم حرقهم في هذه المعركة المقدسة.

هكذا انتهت أفكار التنوير الأوروبي التي يعيش عليها العلمانيون العرب إلى التبشير بمعركة نووية يذهب ضحيتها ملايين البشر ليعود المسيح ليحكم الأرض من على عرشه فوق جبل المعبد.

وتلك الرموز الدينية، وهذا الهدف الديني أصبح يشكل سياسة أمريكا الخارجية، ويثير خيال ملايين المسيحيين الذين يتجمعون في الكنائس للاستماع إلى من يبشرون بهذه المعركة، ويتابعون محطات الإذاعة والتلفزيون التي تشرح نصوص الإنجيل التي تتحدث عن دعوة المسيح كنتيجة للمعركة النووية أرميجدون التي يدفعون أمريكا لإشعالها، إنها الحرب العالمية الثالثة، وهي تقوم على أفكار دينية.

الرأسمالية الدينية

قوى الرأسمالية الأمريكية أصبحت تتبنى هذه الأفكار وتعمل على نشرها، فهي تريد أن تشكل الإمبراطورية الأمريكية التي تهيمن على العالم، ولقد وجدوا أن هذه الأفكار تساهم في تعبئة الأمريكيين والمسيحيين في كل أنحاء العالم لتحقيق هذا الهدف.

ومن المؤكد أن الرأسمالية الأمريكية استغلت المشاعر الدينية المسيحية في أمريكا، وقامت بالترويج لها، وساهمت في زيادة نفوذ اليمين المسيحي الصهيوني على الإدارة والكونجرس ووسائل الإعلام.

جون هجي رئيس منظمة المسيحيين المتحدين من أجل “إسرائيل” يقول في كتابه الجديد: إنه لا شك في أن الجيل الحالي من المؤمنين المسيحيين سوف يشهد عودة المسيح بعد معركة أرمجيدون، وأن ما يحدث في أمريكا يؤكد أن الرب يستخدم أمريكا لكي يقترب العالم من عودة المسيح من فوق السحاب، وأن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر.

وقد أصدر جون هجي سلسلة من الكتيبات يشرح فيها نصوص الإنجيل التي تتحدث عن هذه المعركة التي سينزل المسيح في نهايتها ليحكم العالم بقبضة حديدية من مدينة القدس.

هذه هي الأفكار التي تنتشر الآن بسرعة في أمريكا، وتشكل اتجاه الأمريكيين لدعم “إسرائيل” باعتبار أن قيامها هو بداية عودة المسيح.

وهذه الأفكار تشكل فشل الديمقراطية الغربية، وفشل مشروع التنوير الأوروبي التي قامت على أساسه.

كما أن تبني الرأسمالية الأمريكية لهذه الأفكار والترويج لها يعني أن أمريكا تتحول إلى دولة ثيوقراطية يلعب الدين المسيحي فيها الدور الأكبر في تشكيل حركة المجتمع، وفي صنع القرارات السياسية كما يشكل ثقافة المجتمع الأمريكي.

اليمين المسيحي المحافظ يريد أن يبني الإمبراطورية الأمريكية التي ترتدي ثوباً دينياً، وتنطلق من نصوص الإنجيل في تشكيل علاقاتها على أساس أن الدولة التي تعادي “إسرائيل” هي عدو للرب ويجب أن تعاديها أمريكا.

وهذا اليمين المسيحي المحافظ يدفع أمريكا لشن الحرب على إيران، ولا يهمه ما يمكن أن ينتج عن هذه الحرب من دمار وتخريب للحضارة الإنسانية، وإبادة لملايين البشر، فالمسيح سوف ينزل من السماء في نهاية المعركة ليحكم العالم من على عرشه فوق جبل المعبد.

هناك الكثير من الأدلة على أن أمريكا لم تفصل السياسة عن الدين، وأن اليمين المسيحي المحافظ يشكل السياسة الخارجية الأمريكية بناء على تفسيره لنصوص الإنجيل، وأنه يدفع أمريكا للسير في طريق التوراة باعتباره الطريق الصحيح، وما عداه فهو الطريق الخاطئ.

تلك هي الحقيقة التي يجب أن ندرسها ونفهما حتى لا نستيقظ يوماً فنجد الصواريخ النووية تسقط فوق رؤوسنا ونحن نتجادل حول: هل أمريكا مازالت علمانية؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

حملة دهم واعتقالات في الضفة

حملة دهم واعتقالات في الضفة

الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأربعاء، حملة اقتحامات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، تخللتها اعتقالات بعد...