هل هو السلام الإسرائيلي

صحيفة الخليج الإماراتية
“إسرائيل” نبت الحرب، وربيبة الحرب، التي أقيمت بالحرب، وتغذت عليها وعاشت بها، حيث اغتصبت فلسطين بالحرب، وشردت شعبها من دياره، واستقوت على شعب ضعيف وأعزل، وفقير ومتخلف بدعاوى غير مبررة، وحمّلته مسؤولية تدمير الهيكل الذي دمره الرومان قبل ألفي عام، والمحرقة (الهولوكوست) التي قامت بها ألمانيا النازية، فكراً وعملاً خلال الحرب العالمية الثانية، فلم تقم الحركة الصهيونية دولتها على ضفاف نهر التيبر في إيطاليا، أو على ضفاف نهر الراين في ألمانيا، الذي امتزجت مياهه بدمائهم كذلك، مع انطلاق الحملات الصليبية، وحيث أقيم أول غيتو (معزل يهودي) في ايطاليا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح “الحركة الصهيونية” هو تعبير تحريضي نردده وكأنه شتيمة، مع أنه يعني “العودة إلى القدس”، لأن اليهود أصحاب الهيكل، جاءوا غزاة من مصر والعراق. وها هم عادوا غزاة في القرن العشرين من روسيا وبولندا. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإننا نعرض عينة من رؤساء وزراء “إسرائيل” على سبيل المثال لا الحصر: ديفيد بن غوريون (بولندا -1886)، موشي شاريت (روسيا القيصرية – 1894)، غولدا مائير (روسيا القيصرية – 1898)، مناحيم بيغن (بولندا – 1913)، شيمون بيريز (بولندا -1923)، اسحق شامير (روسيا القيصرية 1915).
وحتى نستدل على مفهوم السلام “الإسرائيلي”، سنتحدث عن موقف موشي شاريت، أكثر حمائم “إسرائيل” حمائمية، فقد كان موسى شرتوك، وهو الاسم الذي عرف به في أوساط عرب فلسطين، مستعرباً يتقن اللغة العربية، وعلى معرفة بتاريخ العرب وثقافتهم، وخالط الأطفال العرب أثناء طفولته التي قضى فترة منها في إحدى القرى العربية. ومن أبرز آرائه، التي تبدو طريفة هذه الأيام، هو اقتراحه على بن غوريون عام 1949، عندما كان هو وزيراً للخارجية وبن غوريون رئيساً للوزراء، إقامة دولة فلسطينية تقدمية في الضفة الغربية، بدلاً من ضمها إلى شرق الأردن، فتقع تحت نفوذ بريطانيا الاستعمارية.
وكان شاريت براغماتياً، وصاحب رؤية في ما يتعلق بسياسته نحو الدول العربية المجاورة، ولكن دبلوماسيته لم تعط الفرصة من قبل المتشددين “الإسرائيليين”، الذين كانوا يؤمنون بأن العرب “لا يحترمون غير لغة القوة”. وكانت عقلانية شاريت السياسية والدبلوماسية، ينظر إليها من قبل التيار العام “الإسرائيلي” على أنها “ضعف وجبن”، حيث لا تزال عقلية “الجدار الحديدي” لجابوتنسكي تسيطر على المشهد السياسي “الإسرائيلي” حتى يومنا هذا. ولكن الذي نريد أن نؤكد عليه هنا، هو أن شاريت الذي طالب باستخدام الدبلوماسية بدلاً من القوة، صهيوني متحمس، وملتزم بترحيل الفلسطينيين وطردهم من ديارهم. فإن شاريت (موسى شرتوك) كان وزير خارجية “إسرائيل”، الذي شدد في نصوص اتفاقيات الهدنة في رودس (1949) على منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والتي التزمت بها دول الجوار العربي (مصر وسوريا ولبنان والأردن).
وشاريت هو الذي صاغ قانون “أملاك الغائبين” عام 1950، الذي وفر إطاراً قانونياً لاستيلاء “إسرائيل” على أملاك الغائبين الفلسطينيين، فها هو شاريت، أنصع الحمائم “الإسرائيلية” بياضاً، منع عودة اللاجئين، أي غيّبهم عن أرضهم بالقوة، ثم صادر أرضهم لأنهم غابوا عنها.
كانت أفعال شاريت هذه، وهو أقوى المدافعين عن السلام، هي أحد أوجه السلام الذي أقامته “إسرائيل” بنفسها ولنفسها، ولا بأس من النظر كذلك في رؤية طرحها بن غوريون عندما كان يجري التخطيط للعدوان الثلاثي على مصر، في مؤتمر عقد (في 22 – 24/10/1956) في فيلا خاصة في إحدى ضواحي باريس. وتتمثل رؤية بن غوريون في خطة شاملة يتم فيها تقسيم الأردن بين العراق و”إسرائيل” وأن تستولي “إسرائيل” على جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، وتوضع قناة السويس تحت سلطة دولية، وتستولي “إسرائيل” على شرم الشيخ.
حذر اسحق شامير من أن “إسرائيل”، إذا ما استجابت للمبادرات السياسية، فإنها ستضعف نفسها، وتعرض للخطر مصالحها القومية التي تأتي في مقدمتها المحافظة على الأمر الواقع (السيطرة على الأراضي المحتلة). وقال شامير في احتفال بذكرى زئيف جابوتنسكي “السلام شيء تجريدي”، ثم تابع: “إنك توقع على ورقة وتقول هذا هو السلام، فماذا إذا مزقت الورقة في الغد، وألغيت الاتفاقية بضربة واحدة من القلم؟”، ثم يؤكد شامير على عقيدته السياسية بالقول “لن نعطي الأرض مقابل السلام مرة أخرى، ولكن السلام مقابل السلام”، وبهذا فهو يطرح على العرب خياراً وحيداً هو الاستسلام.
مع كل ما يدور على الساحتين الإقليمية والدولية من تحركات دبلوماسية وضجيج إعلامي فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، فلا خريطة الطريق ولا المبادرة العربية، ولا المبارزة غير المتكافئة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء “إسرائيل” إيهود أولمرت، قادرة على أن تحدد أمام أنظارنا صورة واضحة المعالم لسلام مشترك بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.
الذي يبدو بوضوح أن “إسرائيل” غير مؤهلة عقلياً وعملياً، للخروج من نطاق “السلام الإسرائيلي” الذي قام على إنجازاتها العسكرية، حيث كانت القوة هي الفيصل في تشكيل نمط علاقاتها بالفلسطينيين وغيرهم من العرب. صحيح أننا نتحدث عن تصريح بلفور (1917)، وصك الانتداب البريطاني على فلسطين (1922)، ولكن الحركة الصهيونية لم تمهد لقيام الدولة العبرية في فلسطين بقصاصات من الورق، بل بفيلق عسكري يهودي، قوامه خمسة آلاف جندي رافق الجيش البريطاني عام (1917) في غزو فلسطين.
وفي ظل عدم توازن القوى، اعتمد الفلسطينيون على التصريحات الجوفاء للزعماء السياسيين والقادة العسكريين العرب، فلم يكن بين أيديهم بديل لهذا الدور. واليوم يواجه الفلسطينيون “إسرائيل” وظهرهم إلى المبادرة العربية، التي نرجو أن تكون أكثر من قصاصة ورق.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...