الأحد 11/مايو/2025

الشيخ الدكتور شاور .. فارس في الأسر ورجل علم ودعوة وسياسة وإعلام

الشيخ الدكتور شاور .. فارس في الأسر ورجل علم ودعوة وسياسة وإعلام

جمع الله بين جنباته باقة من المواهب والقدرات، منحه عزّ وجل همّة متوقدة ورؤية ثاقبة، ومن يعايشه يرحل إلى مآثر الأولين، فهو يتمسّك بأهداب السنن ويحثّ من حوله على الالتزام بها. جعل في كلِّ حركاته وسكناته عبرة وعظة، يحبه من يعرفه ومن لا يعرفه، يشدّ الأبصار إذا تحدّث، لا يكلّ ولا يملّ ولا يدخل الضجر إلى نفسه، متواضع يخاطب الناس جميعاً كبيرهم وصغيرهم، يجيب الناس على أسئلتهم مهما كان مشغولاً، ولا يفارقهم حتى يذهبوا عنه.

هو عالم بين العلماء، وفقيه مميّز وداعية، سياسي ومجاهد، رجل إعلام ومؤسسات، كتب وألّف، تحدّث وخطب، عطاؤه لا ينضب؛ سواء في الجامعة أو في المسجد والمؤسسة أو داخل السجن وخارجه، في كل مكان يشكِّل حركة متدفقة، إنه الشيخ المجاهد الأسير الدكتور مصطفى شاور.

شيخ العلم والدعوة

تتحدث سيرته الذاتية أنه ولد في مدينة خليل الرحمن في شهر شباط عام 1958، وتربى في بيت دين وتقوى وعلم، فوالده المرحوم بإذن الله كان عالماً وتقيّاً، وكان خطيب الإخوان المسلمين وواعظهم في المسجد الإبراهيمي بالخليل، وفي هذه البيئة الإيمانية نشأ الشيخ المجاهد.

تلقى الشيخ مصطفى شاور تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس الخليل، حيث تخرّج من الثانوية العامة عام 1976 بتفوّق مميّز، إذ حصل على معدل 93 في المائة في الفرع العلمي.

كان يُعرَف عنه أنه لا يُرَى في منزل أو شارع أو بين أناس إلاّ وبين يديه كتاب، ولمحبّته للعلم الشرعي التحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ليتخرج من كلية الشريعة بها عام 1982، وليواصل بعد ذلك تعليمه الشرعي، فقد حصل على شهادة الماجستير من الجامعة ذاتها عام 1986، متخصصاً في أصول الفقه.

عاد الشيخ شاور بعد ذلك إلى فلسطين ليعمل محاضراً جامعياً في كلية الشريعة بجامعة الخليل منذ عام 1986 وحتى اليوم، وكان له دوره الفاعل في تنشئة جيل ربّاني فريد من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في الجامعة أو في المسجد والمؤسسات المجاورة.

مؤلف للكتب

يتحدث النائب الأسير نزار رمضان، وهو أحد طلاب الشيخ مصطفى شاور، عنه بالقول: ألّف الشيخ “أبو ثابت” العديد من الكتب والدراسات العلمية والدعوية، منها كتاب “النفيس في الشركات المساهمة في الشريعة الإسلامية” وكتابه “من عيون الخطب”.

وأضاف رمضان: كما كتب الشيخ شاور المئات من المقالات في الصحف وعلى مواقع الإنترنت العلمية، إضافة لذلك محاضراته وخطبه ودروسه القيِّمة التي كان يلقيها في العديد من المساجد البارزة بالمحافظة، مثل مسجد الحرس والأنصار والأتقياء وغيرها، كما كان قائداً للمسيرات التضامنية وخاصة مع الأسرى، ومتحدثاً في مواكب الشهادة والشهداء.

روعة الأسلوب

يصفه طلابه أنّ له أسلوباً قصصياً مميّزاً، حيث كان يمتاز بالأسلوب السهل القريب من القلوب والعقول، يوظِّف الطرفة الهادفة والمثل الشعبي والقصة المعبِّرة ليوصل للناس فكرته، يمتلك مهارة كبيرة في التعامل مع المستويات المتفاوتة للطلبة، ولا يشعر من يسمع له بملل أثناء المحاضرة. ويؤكد من حوله أنّ عطاءه لا ينضب، فهو بعد أن يؤمّ المصلين في صلاة الفجر يعطيهم درساً طويلاً حتى تطلع الشمس، ليصلي بالناس صلاة الضحى ويكسبهم أجر حجة وعمرة، كما جاء في الحديث الشريف.

رجل السياسة والإعلام

ويضيف رمضان أنّ الشيخ شاور مارس الدعوة إلى الله من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فعُرف بين كافة المحطات الإذاعية والتلفزيونية المحلية في الخليل، فكان الشيخ يجمع بين الدعوة إلى الله والعلم والسياسة والمرح، ولا يترك فرصة يبلِّغ فيها دعوة الله إلاّ فعل حريصاً على إفادة الناس وإرشادهم إلى ما يصلهم في الدنيا والآخرة، ولا يبخل على أحد في تقديم النصيحة.

وتؤكد نورا الجعبري، إحدى طالباته، أنّ برامجه الإذاعية “جذّابة للجميع، حيث يملك قدرة على جذب السامعين”، مستذكرة كيف دعا في برامجه الإذاعية إلى مقاطعة المنتوجات الصهيونية، بل من معتقله خاطب الجمهور عبر الإذاعات من خلال هاتفه النقال المهرّب.

رجل التجارة والأعمال

مارس الشيخ مصطفى شاور مهنة التجارة بجدارة، امتداداً لصنعة والده، فانتُخب عضواً في مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة الخليل عام 1991، حيث شارك إخوانه هموم الاقتصاد الوطني، ووضع معهم الحلول اللازمة للخروج من الأزمات الاقتصادية من خلال ورش العمل والمؤتمرات الاقتصادية.

شجّع “أبو ثابت” الاقتصاد بتأييده لمشاريع الاستثمار الإسلامي عبر المصارف الإسلامية، فتمّ اختياره عضواً في هيئة الرقابة الشرعية لشركة بيت المال الفلسطيني سابقاً ومن ثم لبنك الأقصى الإسلامي، وكان حريصاً على دفع أواصر الصحوة الإسلامية بالتعامل مع هذه البنوك والاستثمارات الإسلامية وليس الربوية، وذلك من أجل دعم العمل الإسلامي والاقتصاد الوطني في آن واحد.

رجل العمل المؤسسي

كان هم الشيخ مصطفى شاور إرضاء الله تعالى، ومسعاه هو العمل على خدمة شعبه وأمته، حيث كان له دور فاعل ومميّز في العمل الإسلامي المؤسسي الخيري والاجتماعي، وكذلك الدعوي.

ففي عام 1992 شارك هو إخوانه في تأسيس “رابطة علماء فلسطين”، فكان عضواً فيها وأحد رموزها.

وفي عام 1999 انتخب عُضواً في الهيئة الإدارية لجمعية الشبان المسلمين، ورأس لجنة الزكاة والصدقات التابعة للجمعية، وعمل على تفعيل المشاريع الخيرية وخاصة مساعدة الفقراء والمحتاجين ومساندة طلاب العلم، وفي عام 2000 انتُخب عضواً في الهيئة الإدارية للجمعية الخيرية الإسلامية بالخليل.

شهادة أحد طلابه

فراس أبو شرخ، أحد طلاب الشيخ مصطفى شاور، يتحدّث عنه بالقول “يمتاز الشيخ بسعة العلم والثقافة، وكان يتابع إصدارات دور النشر دوماً، من صفاته أنه متواضع حتى لأصغر طلابه، ويُكِنّ التودد لهم ويظهر لهم محبّته”.

ويضيف أبو شرخ قائلاً “كنّا إذا زرناه في بيته؛ قدّم لنا الضيافة بنفسه، بل يقوم بتقطيع الفاكهة ويقدِّمها لنا، وكان الشيخ حليماً وواسع الصدر، فكنّا نلمس ذلك من خلال مخالطتنا له، فما رأيناه يغضب من أحد إلاّ لله، وأحيانا كان يأتيه الرجل لا يعرفه، فيطلب أن يزور الشيخ في بيته فيرحِّب به، ويجلس إليه ساعات طويلة وهو يعرض على الشيخ قضية خاصة به، فلا يتأفّف ولا يضجر حتى ينهي الرجل قصّته ومشكلته، وقد يساعده الشيخ في حلِّها إذا استطاع، وكان يساعد ويحسن إرشاد الطلبة إلى مظآنّ العلم وآلية التعامل مع الكتب، أخصّ من ذلك أنه كان يرشد كل شخص إلى ما يناسبه من الكتب لقراءتها، من خلال معرفة صفات السائل”.

ويضيف فراس أبو شرخ قائلاً؛ “لذلك زرع (الشيخ مصطفى شاور) في نفوسنا حبّ العلم وأهله، ونفث في قلوبنا الحرص على التحصيل، والصبرعلى مشاقّ الطلب”. وذكر أبو شرخ بعض كلماته أثناء المحاضرات العلمية، منها “لا تحزنوا يا طلبة العلم الشرعي  إن افتخر الناس بمالهم ودنياهم، فأنتم عند الله الأعلون”.

حتى في الأسر .. قوة الشكيمة وإغاظة المحتلين 

يتحدث أحد الشبان الذين اعتُقلوا معه في اجتياح 2002 بالقول “رغم اعتقالي لعدة مرّات، لم أجد رجلاً أقوى منه شكيمة وصلابة في التعامل مع المحتلين، فهو لا يفعل إلاّ ما يغيظهم، يزرع في قلوب الشبان العزّة والكرامة، يخافه الأعداء والسجّانون ويتحاشى رجال المخابرات الحديث معه، يفوض أمره إلى الله، يشغل نفسه بالذكر والدعاء، يؤمّ الشباب في الصلاة في كل الأحوال، حتى وهم مكبّلون ومقيّدون.

ويتابع الشاب وصفه لحال الشيخ في الأسر “يدرس طويلاً، يخدم أخوانه، لا ينام بعد صلاة الفجر، يقوم بأعتى الأعمال في خدمة أخوانه، ولا يتأفّف من طعام، وما يأتي له عبر الزيارة (من طعام وهدايا) ليس له فهو للجميع”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات