النائب منى منصور: التنسيق الأمني مع الاحتلال تمزيق للنسيج الوطني الفلسطيني

أن تكون نائباً في أي برلمان كان؛ يعني أنك تتمتع بامتيازات ربما تكون حالمة. ولكن أن يكون برلمانك هو المجلس التشريعي الفلسطيني، وكتلتك البرلمانية هي “الإصلاح والتغيير” (ممثلة حركة “حماس” بالمجلس)، وتكون مساحة تحرّكك هي الضفة الغربية التي يمزقها الاحتلال ويعصف بها “التنسيق الأمني” بين الأجهزة الأمنية التي تخضع لإمرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأجهزة الاحتلال الصهيوني؛ فإنّ عملك البرلماني سيكون ابتلاء إضافياً لك، ولن تحظى بأي حصانة تذكر، وستعاقب كل يوم لأنّ الشعب الفلسطيني انتخبك وساندك.
ربما كان ذلك هو الاستنتاج الذي يخرج به من يتأمل في تجربة النائب الفلسطينية منى منصور، فـ”أم بكر”، وهي زوج قيادي فلسطيني شهيد، هو جمال منصور الذي اغتالته حكومة الاحتلال قبل ست سنوات، تسير في الاتجاه الآخر لما يريده الاحتلال ومن ورائه الإدارة الأمريكية وتتحدث برواية لا تفضلها رئاسة السلطة الفلسطينية وأجهزتها ومليشياتها.
ومع ذلك فإنّ هذه البرلمانية الفلسطينية لا تركن ولم تنكفئ، فقد ضاعفت من جهدها وحضورها بين أبناء شعبها وبناته، وسعت إلى سد مواقع عشرات النواب الذين غيّبهم الاحتلال في سجونهم. وهي في أدائها الحثيث، لا تكترث بالحملات التحريضية ضدها، ولا تعبأ بالتهديدات المتزايدة التي تتلقّاها، وتبقى مصرّة على رفع صوتها لقول الحقيقة التي يُراد كتمها، مهما كلّفها ذلك.
في هذا اللقاء، تتحدّث النائب عن نابلس، منى منصور، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني من “كتلة التغيير والإصلاح”، عن تجربتها والواقع الذي تتحرّك فيه، وفي نبرة حديثها بدا عمق التصميم والتشبّث بالمواقف الصلبة واستشعارها للمسؤولية التي تبوّأتها بإرادة شعبية تدخل كثيرون للالتفاف عليها.
مفاجآت منذ اليوم البرلماني الأول
– بداية سيدة “أم بكر”، كيف تصفين لنا تجربتك في المجلس التشريعي كونك نائبة فلسطينية انتخبها الشعب؟
النائب منى منصور: في الحقيقة إنّ تجربتي في المجلس التشريعي هي تجربة جديدة تُضاف إلى مسلسل التجارب التي مررت بها في حياتي. هي تجربة امتزجت فصولها بالمتاعب والمتعة، والعمل والكد، تجربة غير طبيعية، واجهت خلالها صعوبات لم أتخيّلها أبداً، فمنذ اليوم الأول لدخولنا إلى المجلس التشريعي ولغاية الآن ونحن نمرّ بمفاجآت ومعظمها غير سارّة.
البداية كانت حافلة بالجد والاجتهاد والنشاط والعمل الجدي، حيث كنا نعمل على إيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم بكل الطرق من خلال المجلس التشريعي، ولكن بعد البدء بالعمل بدأت المناكفات، حيث قامت حركة “فتح” بمقاطعة أولى جلسات المجلس التشريعي، حيث كانت هذه الخطوة مفاجئة وغير متوقعة، كما تعرضنا للكثير من الضغوطات كاقتحام مقر المجلس من قبل “فتح” أثناء انعقاد إحدى الجلسات، ومحاولة حرقه (المجلس)، واختطاف النواب من قبل مسلحين فلسطينيين، ومحاصرتنا في إحدى البنايات من قبل مسلحين أيضاً في رام الله.
لكن الأمر الأصعب الذي واجهناه خلال هذه المرحلة هي اعتقال اثنين وأربعين نائباً، حيث أثّر هذا الأمر بشكل كبير على عمل المجلس التشريعي، إضافة إلى مقاطعة حركة “فتح” لجلسات المجلس، حيث أننا لا نتمكن من عقد جلسة دون اكتمال النصاب، فوجود نواب حركة “حماس” بعد اختطاف اثنين وأربعين منهم لا يكفي لعقد جلسة، وهذا من أهم الأمور التي أعاقت عمل المجلس.
بعد ذلك حاولنا بكل قوة العمل من مكاتبنا في المحافظات، وبالنسبة لي شخصياً فقد كنت أقوم بأعمال نواب الشمال (شمال الضفة)، فجميعهم مُختَطفون لدى الاحتلال، وبالرغم من التعب والمشقة والمسؤولية التي أُلقيت على عاتقي؛ إلاّ أنني كنت أشعر بمتعة بهذا العمل. لكن الآن وبعد أن قام “أبطال” الفلتان بالضفة بحرق مكاتب نواب “التغيير والإصلاح” (الكتلة البرلمانية التابعة لحركة “حماس”)؛ فإننا نواجه صعوبة كبيرة في العمل، حيث تم إحراق جميع مكاتبنا بالضفة وتخريبها على أيدي مسلحي حركة “فتح”.
المشكلة الآن هي قضية تشكيل حكومة فياض، فعند تكليف هذه الحكومة طلب الرئيس عقد جلسة للمجلس التشريعي للمصادقة على هذه الحكومة، فحضر كل نواب “حماس” الجلسة، إلاّ أنّ من طالب بانعقادها لم يأتِ، فنحن الآن نتعامل مع حكومة لم تأخذ الثقة من المجلس التشريعي، هذا الذي أعاق قضية مساعدة المواطنين، فقد أصبح المجلس التشريعي صورة يحاول الجميع تشويهها.
لا أعتقد أنّ هناك أحداً في العالم عاش تجربة كتجربتنا في المجلس التشريعي، وأنا كامرأة عشت تجارب كثيرة وصعبة للغاية في حياتي، من اعتقال زوجي في سجون الاحتلال وفي سجون السلطة، وملاحقته، وأخيراً استشهاده، لكنّ التجربة التي عشتها خلال عام في التشريعي تعادل ما عانيته خلال العشرين عاماً من الجهاد والمعاناة مع زوجي. حقاً لقد كانت تجربة صعبة للغاية.
أكبر التحديات اليوم هو قول الحقيقة
– وما طبيعة عملك الآن باعتبارك نائبة بالمجلس التشريعي في ظل هذه الظروف الشائكة؟
منى منصور: أحاول حالياً أن أعمل بشكل شخصي وأتلمّس حاجات الناس، حيث أقوم بالتواصل مع مؤسسات حقوق الإنسان، والإعلاميين في الخارج، لنحاول أن نوصل الحقيقة وصورتنا إلى الخارج من خلال علاقاتنا الخارجية. وأتواصل مع المؤسسات والجمعيات الخيرية والمعاقين والكفيفات، نتواصل معهم ونحاول أن نساعدهم، كما نقوم بمشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، ونشارك في جنازات الشهداء.
كما كنا نقوم بزيارة المعتقلين السياسيين، لكن الآن تم منعي من ذلك، ولأول مرة تم توجيه دعوة شخصية لي للمشاركة بمؤتمر للاتحاد الأوروبي، وهي المرة الأولى التي يتم توجيه دعوة لفصيل غير “فتح”، إلاّ أنّ جواز سفري ما زال محتجزاً مما يعيق تحرّكي وسفري إلى الخارج، كما أنّ هناك مؤتمراً في تركيا (دُعيتُ إليه) لن أتمكن من المشاركة فيه.
أكبر تحدٍّ نقوم به الآن هو أن نقول الحقيقة، حيث إنّ هناك شخصيات ذات مواقع رفيعة وجهت لي تهماً غير لائقة أبداً، فتارة أُتهم بالتطرف وتارة تُوجّه لي الشتائم، فأين حرية الرأي والتعبير؟!.
– هناك من يسوق تخمينات من قبيل القول إنّ “حماس” وقعت ضحية قلة خبرتها السياسية، حسب تعبير بعضهم، فماذا تقولين إزاء ذلك؟
منى منصور: “حماس” لا تشكو من قلة الخبرة في العمل السياسي، لكن هناك من يظن أنّ الخبرة تعني التنازل عن الثوابت والحقوق، فالذي حصل نتج عن الهجمة الشرسة التي واجَهَتنا منذ اليوم الأول من تسلّمنا لزمام الأمور، من حصار وقطع للرواتب والأموال، والإضرابات، وشلّ الحياة في المجتمع والمدارس والصحة. لقد كان هناك مخطط جهنمي لإفشال الحركة (حماس)، مخطط أوروبي أمريكي وصهيوني وداخلي أيضاً، إلى أن أصبحت الحركة وكأنها تُخنَق من رقبتها.
التنسيق الأمني وتنسيق النسيج الوطني
– ما هو تقييمك لما يجري على الساحة الفلسطينية حالياً، سواء في الضفة المحتلة وما يحدث فيها من عودة التنسيق الأمني، وفي غزة وما تعانيه من حصار خانق؟
منى منصور: الوضع في الضفة ينبئ بالخطر، خاصة وأنّ التنسيق الأمني مرفوض بالإجماع، حيث تم تحريمه وتحريم الاعتقال السياسي بوجود كل الفصائل، لكن الآن التنسيق الأمني يتم بشكل مكشوف، حيث يتم نقل المعتقلين السياسيين عبر الحواجز الإسرائيلية بسيارات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما أنّ الاحتلال استغلّ حالة الانقسام التي نعيشها الآن، وأصبح يضرب الشعب الفلسطيني بشكل أقوى وأكبر، فالاحتلال يعتقل والسلطة تعتقل، وهذا الأمر يقوم بتمزيق النسيج الوطني الفلسطيني، وتكريس سياسة أنّ الفلسطينيين أصبحوا أدوات بأيدي الاحتلال ويساعدونه بما يقوم به، وهذه مصيبة. ففي سنة 1996 كان هناك تنسيق أمني مع الاحتلال، لكنّ حركة حماس كانت وما زالت تعض على جراحها لتحافظ على وحدة الصف الفلسطيني. مؤتمر الخريف يذهب إليه (رئيس السلطة محمود عباس) أبو مازن في حالة الانقسام، ويوحي للعالم بضرورة التطبيع ويزيد من حالة الانقسام. نحن نقع تحت احتلال، وإذا أردنا أن نفاوض ـ في أسوأ الظروف ـ؛ يجب أن يكون أمامنا ما يبشِّر وأن نملك عوامل القوة، أما إذا ذهب الفلسطينيون إلى مؤتمر الخريف في حالة الانقسام هذه، فسيكونون في أضعف أوقاتهم.
مسلسل التهديدات
– وصلتك في الفترة الأخيرة عدة تهديدات، هل قمت بأي إجراءات قانونية؟ وهل تلقيت أي مساندة من جهات رسمية كونك تتمتعين بحصانة؟
منى منصور: بعد التهديدات التي وصلتني في الفترة الأخيرة بسبب مواقفي وآرائي، ووقوفي إلى جانب طالبات الكتلة الإسلامية بجامعة النجاح، وقول الحق والحقيقة، حاولت أن أرفع قضايا قانونية ضد من يوجِّه لي هذه التهديدات، وضد من يقوم بشتمي وإصدار بيانات الشتم والتشهير بي، لكن من الصعب الآن أن أجد المحامي الذي سيقبل التوكيل بسبب الأوضاع الراهنة بالضفة، وما نتعرّض له من تهديدات، فالمحامي الذي سيتولّى القضية سيتعرّض بلا شك إلى ما تعرّضت له من تهديدات ومضايقات.
لكني في الحقيقة وجدت مساندة حقيقية من أبناء الشعب الفلسطينيين الذين ساءتهم التهديدات التي وصلتني، حيث اتصل بي الكثيرون، كما اتصلت النائب خالدة جرار (عن الجبهة الشعبية) وأعربت عن رفضها واستنكارها لمثل هذا التصرّف (بحقي)، كما استنكرت حركة الجهاد الإسلامي الاعتداء الذي تعرّضت له من ضرب ورشّ الغاز على مسيرة شاركتُ فيها لأهالي المختطفين السياسيين في سجون السلطة.
– وهل يمكن حسب تقديرك إعادة الحوار إلى الواجهة من جديد بين “فتح” و”حماس” في ظل الأزمة الداخلية المتفاقمة في الساحة الفلسطينية؟
منى منصور: بالتأكيد نعم، فطالما أنّ الاحتلال موجود على الأرض وينتهك الحرمات، ولا يعترف بحق العودة واللاجئين
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...