الثلاثاء 06/مايو/2025

دليل أولى القبلتين وثاني المسجدين

دليل أولى القبلتين وثاني المسجدين

 

مقدّمات حول بيت المقدس

 المدينة
بيت المقدس ، هي أعظم مدن فلسطين خاصة ، والشام عامة ، وهي من أقدم مدن العالم قاطبة ، وإن لم يعثر علماء الآثار على ما يدلّ على ذلك ، أوَتعيدُ تاريخها الى ستة آلاف سنة خلت فقط !!
وإلا ، فما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه عنه أبو ذر الغفاريّ رضي الله عنه وأرضاه يسأله بقوله : ( قلت يا رسول الله أيّ مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : المسجد الحرام ، قال : قلت : ثمّ أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة ، ثمّ أينما أدركتك الصلاة فصلّ فإن الفضل فيه ) رواه البخاري رضي الله عنه .

ما معنى أن يكون مسجد بلا ناس .. ؟! أو على الأقلّ أن يكون مسجد بلا استعمال عشرات آلاف السنين حتى بداية سكنى المدينة المضبوط في عهد الرومان ؟!.. لقد تعاقبت الأمم على هذه المدينة، كلّما عمّرتها أمة استولت عليها أخرى من بعدها فدمّرتها الى سبع مرات ظاهرات .

وهكذا عندما بدأ علماء الآثار بجسّ نبض باطن الأرض ومساءلة كنوزها ، أشارت الى حضارات احتضنتها مُدداً زمنية مختلفة ، لكن الكثير منها لم تحفظه ولم تبق له آثاراً فيها ، لم يكن هذا بسبب الأرض نفسها ، بل بما كسبته أيديهم ، يقول الله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .. ) الشورى آية 30 .

أما التاريخ المقروء فإن قراءته تتوجب انتباهاً خاصاً وملاحظة ما فيه ، إذ أن اليبوسيين الذين ينحدرون من بطون العرب الأوائل هم بناة مدينتنا هذه ، وكان ذلك نحو سنة 5000 قبل الميلاد ، إذ دعوها باسم يبوس ثمّ غدت ” مدينة داود ” ، وسادت بها اليهودية منذ سنة 1049 قبل الميلاد ، إلى أن أتاها الفرس فأخرجوا اليهود منها وذلك في سنة 586 قبل الميلاد ، ثم رزحت تحت الحكم اليوناني في سنة 332 قبل الميلاد ، فالرومانيّ في سنة 63 قبل الميلاد ، وقد دعاها “هدريان ” بإيلياء كابتولينا في القرن الثالث الميلادي ، ثمّ البيزنطي مدّة ثلاثة قرون منذ 330 قبل الميلاد .

ثمّ كان الفتح الاسلامي وذلك في سنة 636م الموافق 15هـ ، وكان ذلك على يد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، وصكّ فيها عهدة تقسّم الحقوق وتوزّع الواجبات وتحفظ للنصارى عليهم دينهم ، وألا يسكنها أحد من اليهود .

نصّ العهدة العمرية

( بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا يُنقص منها ولا من حيّزهاولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يضارّ أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود . وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية عن يد كما يعطى أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت ، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية . ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلّي بِيَعهم وصُلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان ، فمن شاء منهم قعدوا ، عليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع الى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحصد حصادهم .

وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء والمؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .
شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان . وكتب وحضر سنة خمس عشرة . )

وبقي بيت المقدس بأيدي المسلمين حتى مطلع القرن الميلاديّ العشرين ، وهم ينظمون شؤون حياتها ويجمّلون طرقاتها ومبانيها ويحصّنون سورها ويقيمون أبراجها وتغدو مساجدها منارة وأقصاها علامة ، وفي حقبة سلبها الصليبيون من المسلمين فعاثوا فيها الفساد ولما إستردها المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي بقيت بأيديهم وما من أمة إسلامية حاكمة إلا وكان لها اليد الطولى في رفع شأن المدينة وعلى رأسها مسجدها الأقصى ترميماً وتجديداً حتى وقعت تحت الانتداب البريطاني الغادر سنة 1336هـ الموافق 1917م ، ومن ثم عهدوا بالبلاد الى اليهود ، حيث عمل الإنكليز طيلة انتدابهم على تقوية مراكز اليهود في البلاد ، سوى مدينة القدس داخل الأسوار ومجموعة من القرى ، بقيت نحو تسع عشرة سنة تحت الحكم الأردني ثم غدت تحت سيطرة اليهود منذ سنة 1387هـ الموافق 1967م .

ولم تكن هذه الأمم إلا صاحبة آثار مادية ، ومعنوية ، على المدينة :
فالماديّة ما وجد العلماء بقاياها واستطاعوا استخلاص وفهم أمور غائبة عن أعين البشر ، ومعـنويّة من تغيير أسماء الكثير من مسميات في المدينة لأهواء في نفوسهم . وإن كانت ثمة ملاحظات تذكر حول التسميات فلا بدّ من الإشارة إلى أن اسماء القدس وصلت نحو ثمانية وأربعين اسماً ، مع أن جلّها كان متذبذباً بين اثنين مختلفين في اللفظ :
أ‌- أورو – سالم : وما حام حولها أو اشتقّ منها وتعني السلام أو مدينة السلام .
ب‌- وإسلامية ، بيت المقدس أو القدس وما حام حولها أو اشتق منها .

وإذا كان الاسم الأول يضعها في خانة ضيقة فإن الآخر يعطيها المكان اللائق بها ، تماماً كما أراد الله سبحانه وتعالى لها أن تكون ، وللمسلمين في البلاد ارتباطات قوية لا يفصمهم عنها الا من فصم نفسه عن الاسلام والمسلمين . فالارتباط الديني ، وهو أقدم من جذور الارتباط التاريخي ، ولم يكن بينه وبين الارتباط الديني بمكة سوى أربعين عاماً وهذا ما ذكرناه من حديث أبي ذر الغفاري عن بناء المسجد الأقصى المبارك .

إن حادثتي الإسراء والمعراج قد رفعتا شأن المدينة والمسجد معاً ، فقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة بقوله ( سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) الإسراء ، الآية 1

وأما حادثة المعراج فقد أشار الله تعالى إليها في مطلع سورة النجم بقوله تعالى : ( وهو بالأفق الأعلى * ثمّ دنا فتدلّى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى الى عبده ما أوحى ) النجم الآيات من 7-10

وأما الارتباط التاريخي وهو منذ أن حلّ المسلمون بقيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، ففتحها فتحاً مبيناً من الله تعالى ، وهكذا كان تاريخه وتاريخ عهدته العمريّة تاج المسلمين وفوق كلّ الأمم والحضارات عالياً مرفرفاً خفّاقاً ، بحاجة الى أن يدرّس من جديد ويتوّج به كل عمل .

وهذان الربطان لا يمكن أن يمر بهما الانسان مرّ الكرام من غير تدقيق ولا إمعان ، فإن كان الرّبط الأول بين مسجدين أرضيين ، المسجد الحرام والمسجد الأقصى عامة ، فهما أول مسجدين للناس في العالم قاطبة وهما من أعتقِ بيوت الله تعالى في الأرض كلها ، وأما الربط الثاني فهو الذي جعل بينه وبين سدرة المنتهى عروة وثقى لا انفصام لها وهي ميّزة له على المسجد الحرام وهو مجمّع الأنبياء والمرسلين وهو طريق محمد صلى الله عليه وسلم لما حباه ربّه تعالى ، فأرسل اليه وناداه فغدا في الأفق الأعلى ، وغدت طريقه المسجد الأقصى الكائن بييت المقدس .. وهذا ما أشار اليه حديث محمد صلى الله عليه وسلم : ( لا تشدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد : الى المسجد الحرام والى المسجد الأقصى ومسجدي هذا ) صححه ابن حبّان وقد ورد بروايات مختلفة اللفظ متفقة المعنى .
وما تسلسُل أعمال الخلفاء والولاة المسلمين الا دلالة عظيمة على الامتداد لهذا الارتباط الدينيّ وإن كان يضمّ التاريخي والسياسي كذلك ، لكونه المنهج الشامل ، ولعلّ في هذا الامتداد ما يشير الى قدسية هذه المدينة لدى أبناء الاسلام والتي أرسى قاعدتها الخليفة عمر بن الخطاب لما فتحها ، حيث أبقى النصارى فقط ، بالصورة والشكل الذي حدده في عهدته العمريّة .

 المسجد الأقصى المبارك
المقصود بالمسجد الأقصى المبارك ، هو المساحة المستورة الواقعة داخل أسوار القدس في زاويتها الشرقية الجنوبية ، فسوره الشرقي متحد مع سور القدس والجنوبي أكثر من نصفه من الجهة الشرقية متحد كذلك ، والباقي من الجهة الجنوبية الغربية والغربية بكاملها والشمالية بكاملها فهو سور خاص داخل المدينة المسوّرة نفسها . شكل المسجد مضلّع ، ذو أضلاع أربعة غير منتظمة ، طول ضلعه الغربي 491م ، والشرقي 462م ، وأقصرها الجنوبي 281م والشمالي 330م .

يقع هذا المسجد على تلّة من تلال بيت المقدس الأربعة الواقعة عليها المدينة المسوّرة وعلى منحدرها المتجه من الزاوية الشمالية الغربية للجنوبية الشرقية ، والمسجد الأقصى المبارك هو المسجد الوحيد في العالم قاطبة الذي يضم تفاصيل عديدة ومتنوعة بمثل هذا الزخم من مبان ، حواكير ، قباب ، أسبلة مياه ، سبل مرور ، مصاطب ، مساجد ، مغاور ، أروقة ، مدارس ، برك مياه ، محاريب ، منابر ، مآذن ، أبواب ، آبار ، مكتبات ، مكاتب لدائرة الأوقاف وما انبثق عنها ، لجنة الزكاة ، لجنة التراث الإسلامي ، دور القرآن والحديث ، خلوات غرف لأئمة مباني المسجدين الكبيرين ، وحرّاس المسجد الأقصى ، ومخفر للشرطة .

تبلغ مساحة المسجد نحو 142 دونماً ومن سننه أنه من دخل إليه فعليه بأداء تحية المسجد كبقيّة المساجد أينما أداها أجزأه ، سواء كان ذلك تحت شجرة أو تحت قبة ، أو فوق مصطبة ، أو عند رواق ، في مسجد قبة الصخرة أو في مبني المسجد الأقصى المبارك ، ومن أدى ركعة في أي مكان فيه كمن أدّى خمسمائة ركعة فيما سواه سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف .

لذا ، فلا تفاوت في مقدار أداء الصلاة فيه ، في أي مكان شاء ( على أن تحافظ الإناث على المكان المخصّص لهنّ للصلاة ) ولمّا كان هذ هو المسجد الأقصى المبارك فإن المبنى الذي تعارف عليه الناس في الجهة الجنوبية باسم المسجد الأقصى المبارك سنعرّفه باسم مبنى المسجد الأقصى المبارك وذلك للتمييز . وعن تسميته يقول الحقّ جلّ وعلا : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله .. ) الإسراء الآية 1

ولقد اتخذ الله تبارك تعالى اسماً للمسجد ، أخذه من صفته وهي البعد عن المسجد الحرام ، والبعد مكاناً عن إنطلاقة الدعوة الى الله تعالى آنذاك ، وقيل في تفسير الأقصى : عدم وجود أماكن عبادة من بعده ، وقيل بعده عن القذائر والخبائث ، وللمسجد الأقصى صفات مشهورة أُختصّ بها دون غيره فبقي علماً يفتخر به :

فهو أولى القبلتين بعد أن فرضت الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أتباع هذا الدين إلى يوم الدين فمكثوا متجهين صوبه بصلواتهم نحو سبعة عشر شهراً ، وهو ثاني المسجدين بناءً بعد المسجد الحرام الذي ارتبط به قرآناً ، واستدللنا على ذلك بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه الذي ذكرناه سابقاً ، وهو ثالث الحرمين ، فهو ثالث المساجد بعد المسجدين الحرمين : الحرام والنبويّ ، تشدّ إليه الرحال ، إذ : ( لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد : الى المسجد الحرام ، والى المسجد الأقصى والى مسجدي هذا ) الحديث النبوي الشريف .
لكن المسجد الاقصى يختلف عن سابقَيه بأنهما حرم وهو بغير ذلك ، وهي من رحمة الله تعالى على عباده في أكناف بيت المقدس ، أما هما فقد حرّم قتل حيوان فيهما ، أو قطع شجر وغيرها من المحرمات ، أما المسجد الاقصى فيسمح فيه ما حُظر فيهما ويحظر فيه ما حظر في المساجد عامّة من بيع وشراء ونشد الضّالة .

أما تحديد مساحة المسجد فكانت قبل الفتح الإسلامي لا يتعدّاها الناس ، مع العلم أنها لم تكن مسوّرة حدوده من حيث مساكنهم في الجهتين الغربية والشمالية وقسم قليل من الجنوبيّة في غربها ، أما في الشرقية والجنوبية في شرقها فكانت أسوار المسجد هي أسوار المدينة ولا يمكن لشخص الانتفاع بها لانحدار الجبل – ولا زال – بشكل شديد .

نعم ، لقد حفظ الله تعالى حدود بيته فلم يتعدّا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...