مدينة القدس والإجراءات الإسرائيلية لفرض الأمر الواقع

صحيفة الوطن السعودية
مع تزايد الحديث عن مؤتمر الخريف في الولايات المتحدة، تحركت “إسرائيل” من أجل تكريس المزيد من الوقائع على الأرض الفلسطينية تفرض نفسها على المفاوضات وعلى الحل. وفي هذا السياق سارعت لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية في مدينة القدس، بمصادرة 1200 دونم من الأراضي في المدينة بحجة شق طرق جديدة. ومنذ احتلالها في عام 1967 كانت القدس الشرقية الأكثر استهدافاً من باقي أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث حظيت القدس بنصف عدد المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية، وتم ضم المدينة إلى “إسرائيل” بقرارات إسرائيلية، تم رفضها من الأمم المتحدة، التي اعتبرت هذا الضم مخالفاً للقوانين والشرائع الدولية.
عملت “إسرائيل” على مدى سنوات طويلة للوصول إلى واقع المدينة اليوم، فالتوظيفات الإسرائيلية الهائلة في مشاريع البنى التحتية، وعمليات البناء الاستيطانية لأحياء يهودية على كامل الأراضي التي ضُمت إلى القدس بعد احتلالها في عام 1967. ففور احتلال المدينة أخذت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات مصادرة واسعة وهدم أحياء سكنية داخل البلدة القديمة، وأقامت أول حي سكني يهودي فيها على أنقاض الأحياء العربية. وبدأ المشروع من خلال ترميم الوحدات السكنية المصادرة، وإقامة وحدات أخرى، وبناء سوق تجاري وكنيس للصلاة أقيمت كلها على أنقاض الأحياء العربية. وقد جاءت عمليات الاستيطان العاجلة داخل البلدة القديمة مصاحبة لإجراءات التهويد الأخرى وعلى رأسها توسيع ساحة حائط المبكى على حساب العقارات الوقفية الإسلامية، ما كان يعرف بحي المغاربة. أما المرحلة الثانية من مراحل الاستيطان في المدينة المقدسة فقد بدأت عام 1968 بالشروع بإقامة حزام من الأحياء السكنية اليهودية من الناحيتين الشمالية والجنوبية. استطاعت سلطات الاحتلال منذ عام 1967، أن توجد ضمن القدس عدداً من النقاط الاستيطانية داخل المدينة القديمة، تحيطها مستوطنات خارج المدينة، من بينها معاليه أدوميم أكبر مستوطنة في الضفة الغربية.
تنتظم المستوطنات في القدس في طوقين متحدي المركز، ويتكون الطوق الداخلي من الأحياء التي أقيمت في القدس الشرقية، بهدف إيجاد أكثرية يهودية فيها نفسها، من خلال توفيرها السكن للمستوطنين اليهود، وتقييد البناء ومنع زيادة السكان العرب في آن. وهي تشكل، أيضاً حاجزاً مادياً متواصلاً، يفصل القدس عن الضفة الغربية. أما الطوق الثاني، الخارجي، فيحيط القدس من جهات الجنوب والشرق والشمال، ويتكون من سلسلة مستوطنات: بيتار، معاليه أدوميم، مخماس، أدام، أبير يعقوب، غفعات زئيف، هارآدار، إضافة إلى كتلة مستوطنات عتصيون (المكونة من 16 مستوطنة).
منذ احتلال القدس والحملة الاستيطانية المكثفة متواصلة فيها، لخلق أغلبية سكانية يهودية في القدس، تكون المانع أمام أي تسوية، وهذه الحملة التي بدأت في ظل حكومات حزب العمل، وازدادت كثافة في فترة حكم الليكود، تنطلق من إجماع الحزبين الرئيسين في “إسرائيل” على أن “القدس عاصمة موحدة لإسرائيل”. لقد ترافق الاستيطان المكثف مع التقييد ضد العرب في تراخيص البناء. ومع أن بناء المساكن للمشترين الإسرائيليين يحظى بدعم سياسي واسع النطاق داخل “إسرائيل”، فقد كشف موظفو الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات طويلة أن “إسرائيل” فرضت نظاماً لحصص البناء محدداً لمشاريع البناء الفلسطينية، وذلك بهدف الحفاظ على نسبة مئوية من سكان المدينة الفلسطينيين لا تتعدى 26%. وقد اعتمدت اللجنة الوزارية المكلفة شؤون القدس هذا القيد صراحة وعلناً سنة 1973. ومنذ عام 1967، لم تتعد نسبة جميع مشاريع البناء الجديدة في المدينة الخاصة بالفلسطينيين في القطاع العربي الـ 12%. وعلى سبيل المثال، خلال الفترة 1977 ـ 1983، بلغت نسبة المشاريع البنائية المخصصة للإسرائيليين 90% وهذا الرقم يمكن ترجمته في الواقع بأن يمثّل بناء 2170 شقة سنوياً للإسرائيليين و230 شقة فقط للفلسطينيين. هدفت هذه السياسة إلى اقتلاع السكان العرب من خلال التعقيدات، وزرع أكبر عدد ممكن من المستوطنين في القدس الشرقية، ففي 1978 حذرت وثيقة بلدية تتعلق بالتخطيط صادرة عن بلدية القدس الإسرائيلية من أن”كل منطقة من المدينة لا يسكنها اليهود مهددة بالانسلاخ عن “إسرائيل”والانتقال إلى سيطرة العرب. لذا يجب وضع المبدأ الإداري للمنطقة الخاضعة للبلدية موضع الممارسة عن طريق البناء في كل أنحاء المنطقة، بدءاً من الأنحاء الأبعد”.
هذه السياسة اتبعها رئيس بلدية القدس تيدي كوليك، الذي بقي في هذا المنصب لربع قرن. وهو يفخر بسياسة التقييد الصارمة التي اتبعتها البلدية في عهده، فهو صرح لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية قبل سنوات “في السنين الـ 25 الأخيرة عملت ما أستطيع للقدس اليهودية. أما القدس الشرقية؟ لاشيء! ماذا عملت؟ لاشيء! أرصفة للشوارع؟ لاشيء! مرافق ثقافية؟ ولا واحد، نعم، أنشأنا لهم نظاماً جديداً للمجاري وحسناً لإسالة الماء.هل تعلم لماذا؟ هل تعتقد أن ذلك كان لمصلحتهم، لتحسين وضعهم؟ أبداً! كان هناك إصابات كوليرا وخاف اليهود أن تصل إليهم”.
تركز الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية منذ انطلاق مفاوضات السلام مطلع التسعينات في منطقتين، هما القدس والأماكن القريبة من الخط الأخضر الذي يفصل الضفة الغربية عن إسرائيل. وهذا التركيز امتداد لاستراتيجية الاستيطان الصهيونية الثابتة، القائمة على استخدام الاستيطان وسيلة لخلق وقائع على الأرض تسعى من خلالها إلى تهويد القدس نهائياً، استباقاً لأي حل قد تفرضه المفاوضات القائمة بشأن القدس من جهة. والسعي من أجل تعديل حدود عام 1967 بضم الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات القريبة من الخط الأخضر إلى “حدود آمنة” من جهة أخرى.
الأهداف الإسرائيلية في القدس تحديداً، قديمة قدم المشروع الصهيوني ذاته. لذلك، لم تتوقف الإجراءات الإسرائيلية ضد المدينة المقدسة للحظة واحدة، اعتقاداً من الصهاينة ومن بعدهم السلطات الإسرائيلية، أن كل إنجاز يتم تحقيقه يتحول إلى أمر واقع لا يمكن التراجع عنه، ومن الممكن فرضه على الطرف العربي في حال حصول أي تسوية، وهو ما تحاول “إسرائيل” تكريسه اليوم بموافقة فلسطينية.
* كاتبة فلسطينية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال هدم 600 منزلاً في جنين ويوسع عمليات تجريف المخيم
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 106 أيام عدوانه على مدينة جنين ومخيمها، مع توسيع عمليات التجريف والتدمير داخل...

حماس: الخطة الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع المساعدات تمثل خرقاً للقانون الدولي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، رفضها الشديد تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي أو إخضاعها لشروط الاحتلال،...

أوتشا: الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات تتناقض مع المبادي الإنسانية
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمم المتحدة زعماء العالم إلى توفير الغذاء للمدنيين في قطاع غزة، في ظل دخول "الحصار الشامل" الذي تفرضه...

سلطات الاحتلال تهدم قرية خلة الضبع في مسافر يطا
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، قرية خلة الضبع بمسافر يطا جنوب الخليل، في واحدة من أوسع عمليات...

الاحتلال يفرج عن 10 أسرى من قطاع غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، عدد من أسرى قطاع غزة، والذي وصلوا إلى المستشفى في حالة صحية منهكة....

العفو الدولية تطالب بخطوات جادة لوقف جرائم إسرائيل في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار، جميع الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الاتحاد...

كتائب القسام تعلن عن كمين مركب لقوة هندسة صهيونية شرق خانيونس
المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الاثنين، تنفيذ كمين مركب لقوة هندسة صهيونية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح...