الإثنين 05/مايو/2025

القدس.. وتزييف التاريخ

القدس.. وتزييف التاريخ
إن فلسفة الصهيونية وفكرها وبرامجها هي شبكة معقدة من المغالطات والتناقضات الدينية والتاريخية والسياسية ، ولو أراد المرء ان يبحث عن عنصر واحد من الحق والمنطق لأعياه البحث ومع ذلك فقد استطاعت بالكذب وتكرار الكذب ، واستطاعت بالحيلة الماكرة والتزييف الذكي.
 
ان تلبس بالباطل لبوس الحق حتى أصبحنا نرى فريقا من الناس في كل اقطار العالم ومنهم من ذوي النوايا الطيبة يقبلون هذا الزيف ويصدقونه ويدافعون عنه. تبني الصهيونية كيانها على أساس ديني زائف فيه وعد الهي وحق تاريخي ونبوءات كاذبة ، ووجود لا وجود له وكل اسطورة من هذه الاساطير لا تثبت لحظة امام البحث العلمي الأمين ، وقد وجدنا دائما من اهل الدين والفكر والعلم حتى من بين اليهود من يفندها ويبين زيفها ويثبت ان الدين دين الله خالق البشر جميعا وانه سبحانه – اجل وأعظم من ان يسعد شعبا واحدا ليشقي شعوبا كثيرة ، وأسمى من ان ينصر الظلم والاستبداد والاستعباد – أما الوجود الاسرائيلي في الارض المقدسة فلم يكن سوى مراحل عابرة لم تخلف حضارة او عمرانا ، ودليل ذلك ان الحملة المجنونة للحفر عن الاطلال والآثار لم تأت لهم بأي نتيجة ، وحتى ما يسمونه بحائط المبكى ويعتبرونه الأثر الباقي من هيكل سليمان ثبت انه اثر مملوكي ، ووقف اسلامي بحكم دولي صريح إبان الانتداب البريطاني ، ومع ذلك يجدون الجرأة للاحتفال بمرور ثلاثة آلاف سنة على وجود يهودي منقطع في مدينة الله (القدس) ، وتقوم العصابات الدينية المتطرفة من فلول الصهاينة من شتى انحاء العالم وبدعم من منظمة شهود يهوه التي تؤمن بما يسمى بمملكة العالم الواحد أي ما يعني ان كل العالم من غير اليهود هم عبيد لهم وتسعى هذه الفئات ازاء صمت القبور الذي يكتنف العالم العربي والاسلامي والمسيحي ويسعون بكل جهدهم الى بناء كنيس يهودي ضخم في باحة قبة الصخرة والمسجد الاقصى ويمتد الى كنيسة القيامة ، الى متى هذا الصمت المريب؟،. المطلوب من كافة الفئات المقدسية والاسلامية والمسيحية في كافة بقاع الارض ان يهبوا لافشال هذا المخطط الاجرامي قبل فوات الأوان.

ومع ذلك فان قادة الصهيونية الذين يعلقون كل هذه الأهمية على الجانب الديني هم من الكفرة الملحدين الذين لا يؤمنون باله او كتاب او نبي وهذا مؤسس الحركة هيرتزل ، يسمي التراث الديني احيانا بالاسطورة المفيدة Great Legend.

usefull Legend اسطورة مفيدة لجمع اليهود على هدف استيطاني استعماري في فلسطين ، ويوجد في اقوال بن جوريون وجولدا مائير وموشي ديان وغيرهم ، ما يؤكد ان الدين ليس اكثر من وسيلة لتبرير هذا الاستعمار. وكما شوه الصهاينة صورة الخالق جل وعلا ، ونسبوا اليه ما يخالف صفاته من الخير والعدل والرحمة ، فقد نسبوا للأنبياء الكرام ايضا ما يناقض رسالاتهم وسلوكهم وأخلاقهم ، وهنا نجد أنفسنا امام النظرة الاسلامية لهذه القضية ، وهي تختلف كليا في انسانيتها وقدسيتها عن النظرة الصهيونية فحين يستند الصهاينة على بعض النصوص المتناقضة والمحرفة في التوراة والتلمود ، ليصوروا انبياء الله ابراهيم وداوود وسليمان تصويرا سلاليا عنصريا ، وينسجون حول داوود وسليمان قصصا وخرافات تجعل منهم طغاة بغاة ، لا هم لهم الا الخمر والنساء ، تجد القرآن الكريم يعرض حياتهم الحقيقية كأنبياء عظام حملوا رسالات الله للارض ، ولذلك تعفف ابراهيم وبعده يعقوب وداوود ان يغتصبوا شيئا من ارض لا يملكونها ، فاشترى ابراهيم بحر ماله قطعة ارض بنى عليها مقبرة لزوجته في الخليل ، وتبعه في ذلك يعقوب حين اشترى ارضاً في شكيم (نابلس) ، وكذلك فعل داوود ، ولو كان هؤلاء الأنبياء كما وصفتهم التوراة لما اشتروا اراضي اعطيت اليهم هبة بحق الوعد الالهي المزعوم او حق الغزو المسلح.
 
وهناك روايات تاريخية معتمدة اوردتها (كارين ارمسترونج) في كتابها القيم عن القدس تقول فيه: ان دخول داوود للقدس لم يكن غزوا ، وانما تطورا طبيعيا في السلطة الحاكمة ، بعد ان امتزج العبرانيون واليبوسيون وغيرهم في المدينة ، واختير الأصلح للحكم في تلك المرحلة ولم يكن يدور بخلد داوود او الذين ناصروه من اليبوسيين العرب ، ان تحاول الصهيونية بعد ثلاثة آلاف سنة ان تجعل من تنصيب داوود غزوا عسكريا تنسج على منواله ، او قيام حكم سلالي قبلي يعطي حقا تاريخيا مزعوما حتى لأولئك الذين يكفرون بداوود ، ورب داوود وكل المعاني التي ترمز اليها رسالته وسيرته.

ان اشهار السلاح الديني في وجه الغزوة الاستعمارية لم يخدع جموع اليهود فحسب او انما خدع قطاعا واسعا في العالم الغربي والاميركي المتصهين وكان هو السر الذي يكمن وراء القرارات السياسية العوراء.
التصريحات التي تفيد بأن اسرائيل ستحتفظ بالكتل الاستيطانية في الضفة في اطار التسوية الدائمة ، ربما كانت الاكثر شعبية في أوساط السياسيين الاسرائيليين. الأمر غير الواضح هو أين توجد هذه الكتل الاستيطانية بالتحديد. وثيقة جنيف تحدد بوضوح المستوطنات التي ستضم لاسرائيل. وهي عبارة عن المستوطنات المجاورة للقدس – معاليه أدوميم وجفعات زئيف وغوش عصيون ومستوطنات اخرى مجاورة للخط الاخضر (غرب السامرة). الى جانبها تبقى مبادرة جنيف في حدود اسرائيل الأحياء اليهودية في شرقي القدس. في هذه الأحياء يقطن 180 الف يهودي. اما في المستوطنات الموجودة في الضفة فيقطن 240 الف يهودي. اي ان عدد المستوطنين خلف الخط الاخضر يبلغ بالاجمال 420 الف يهودي.

حسب وثيقة جنيف سيبقى 75 في المائة منهم ضمن حدود اسرائيل. بكلمات اخرى ، سيضطر اكثر من 100 الف مستوطن الى مغادرة منازلهم والرحيل من المستوطنات التي سيتم اخلاؤها. الحديث يدور حول كل المستوطنات الموجودة في قلب السامرة وعلى رأسها ارئيل والمستوطنات المحيطة برام الله وكذلك كريات اربع وجبل الخليل. الا ان الصورة حسب تصور المستوطنين مغايرة تماما. مجلس «يشع» يقول ان المستوطنين يطالبون بالحفاظ على سيطرة اسرائيل على اكثر من 50 في المائة من مساحة الضفة. وهي كل ما اعتبر ضمن اتفاق اوسلو.

عروبة القدس

ومن كل ذلك يتضح لنا ان خصوصية القدس وطبيعتها الحقة ، ان تكون مدينة العرب والمسلمين ، وهم المؤهلون لحمايتها ، واذا كان الاسلام دينا لغالبية العرب.. فهو ارث حضاري واخلاقي لكل العرب ، والقرآن يحث على الايمان بكل الانبياء والرسالات (لا نفوق بين احد منهم) ويصف توراة موسى بقوله (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) ، ودعوة للاخلاص في متابعة الانجيل والنزول عند حكمه ، (وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه) بل نرى القرآن يدافع عن أنبياء الله جميعا.. ان اي حل لقضية القدس يجب ان يدور بين محورين: الاول الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المقهور.. المطحون من دون شعوب الارض.

واذا كانت اسرائيل تظن انها قادرة على تغيير معالم القدس وخصائصها.. بطرد المقدسيين من بيوتهم. ومصادرة الاراضي واقامة القلاع.. فهي واهمة ، وحين تكتشف أبعاد هذا الوهم تكون قد عرضت الشعب اليهودي لمحنة قاسية ووضعت العالم كله على حافة الدمار والانهيار. ان مساحة القدس الشريف ليست هي تلك البقعة الضيقة الممتدة بين جبل الزيتون وجبل المكبر والعيزرية ، لكن روحها ومعانيها وعلائقها تضم القارات الخمس حيث يوجد عربي مسلم او مسيحي يتعلق قلبه بالمسجد الاقصى وكنيسة القيامة ، وحيث يوجد مئات الملايين من المسلمين يقرأون القرآن ، وتتصل ارواحه مع محمد صلى الله عليه وسلم في اسرائه ومعراجه ، واذا كانت اسرائيل تبتكر الأساليب الشيطانية لاقتلاع العرب مسلمين.. ومسيحيين من ارض آبائهم وأجدادهم التي عاشوا فيها خمسة الاف سنة بلا انقطاع.. فسيظل حنين هذه الملايين وأفئدتها اقوى من جدار الفصل العنصري الظالم.

ان قدر القدس ودورها في تاريخنا الطويل داعمة لمسيرة الايمان ، وتثير العزائم وتخرج الامة من ركود التخاذل والهوان.. وهذه هي مسؤولية الأجيال كل الأجيال. وكل الشرفاء من امتنا.. الارض تمور.. الارض تزأر من تحت اقدام الطغاة والغزاة.. الفجر آتْ… الفجر آت.

 
* صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...