نابلس في رمضان .. متاعب متضافرة بسبب قسوة الاحتلال وغلاء الأسعار
يختلف شهر رمضان المبارك في مدينة نابلس (كبرى مدن الضفة الغربية) عن غيرها من المدن الفلسطينية، فلنابلس عاداتها الخاصة خلال الشهر الكريم، حيث يشعر الزائر للمدينة أنّ هذا الموسم لا يكون إلاّ في نابلس. لكن ومنذ انتفاضة الأقصى والتي فرضت قوات الاحتلال على إثرها طوقاً أمنياً خانقاً على المدينة، وحولتها إلى ثكنة عسكرية وهدف مفضل لاجتياحاتها شبه اليومية؛ فإنّ ذلك كان إيذاناً بتغييب تلك الأجواء عنها.
ولا تتوقف متاعب مواطني نابلس عند ذلك كله؛ فغلاء الأسعار والركود الاقتصادي، وكساد البضائع، حوّل أسواق المدينة وحاراتها إلى مساكن للأشباح، كما يصفها بعضهم. فأسواقها التي كانت تعج بالزبائن، لا تستقبل اليوم ربع العدد الذي كان يأتيها خلال الشهر الفضيل، فقد أصبح المواطن يفضل شراء السلع الأقل ثمناً، والاكتفاء بالمواد الضرورية فقط.
“أسعار خيالية”
وفي سوق الخضار وسط مدينة نابلس، يقف الحاج رفيق الأسعد، وهو صاحب متجر لبيع اللحوم، وينادي على بضاعته محاولاً إغراء الزبائن بالإقبال عليها، لكن دون جدوى.
ويقول الأسعد “هناك ارتفاع كبير في أسعار اللحوم، ويعود السبب إلى ارتفاع سعر اللحم والأغنام من المصدر، وليس البائع هو السبب، لأننا نشتكي كما المواطن العادي من غلاء الأسعار، وهذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها سوق اللحوم هذا الغلاء خاصة في شهر رمضان”، مؤكداً تفهمه لمعاناة المواطنين، بقوله “نحن نشعر مع المواطن الفلسطيني، فهناك الكثيرون لا يستطيعون تلبيه احتياجاتهم نتيجة هذا ارتفاع الخيالي في الأسعار”.
من جهته قال خالد حبيشة “منذ بداية شهر رمضان المبارك ارتفع سعر كيلو الخبز نتيجة ارتفاع سعر كيس الطحين، فقبل بدء شهر رمضان كان سعر كيس الطحين مابين 95 و105 شيكلاً (27 دولاراً) وأصبح سعره اليوم يزيد عن 190 شيكلاً (47 دولاراً) أي بنسبة تزيد عن 90 في المائة، وبارتفاع الطحين سيرتفع سعر كيلو الخبز”، مشيراً إلى أنّ هذا “بالتأكيد يشكل ضرراً على الجميع سواء البائع أو المستهلك”.
وأضاف حبيشة موضحاً “الضرر لا يقع على المشتري فحسب، إنما على البائع أيضاً، فالتاجر يشكو ارتفاع الأسعار وقله الربح من جهة، والحصار الذي يفرضه الاحتلال على المدينة من جهة أخرى، فالأسواق تشهد حركة شرائية ضئيلة، نتيجة الإغلاقات المستمرة والحواجز التي تمنع وصول البضائع اللازمة للمدينة بالتكلفة المناسبة، فكلّ هذا أثّر ولازال بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية داخل المدينة”، كما قال.
تضاؤل حركة البيع
أما التاجر سليم المصري، وهو صاحب متجر لبيع الخضار؛ فيقول “في رمضان السنة الماضية كان السوق يعج بالعشرات من هذه البسطات، وغالبيتهم من العمال، الذين فقدوا أعمالهم في الداخل (الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948)، إلاّ أنه وفي هذه الأيام من شهر رمضان هذا العام خفّت حركة البيع بشكل كبير جداً، على عكس أشهر رمضان السابقة، حين يكثر إقبال الناس على شراء الخضار”.
ويضيف المصري “بدلا من أن يشتري الزبون ثلاثة أو أربعة كيلوغرامات (من الخضار) كما كان في السابق؛ أصبح اليوم يكتفي بشراء كيلو واحداً فقط أو حتى نصف كيلو، ولهذا تبقى الخضار عندنا عدة أيام كاسدة، ما يعرِّضها للتلف وبالتالي مضاعفة الخسارة علينا، بينما كنّا في السابق نبيع الكمية نفسها في ساعة أو ساعتين فقط، ولهذا اضطر عدد كبير منا إلى ترك بسطاتهم، والبحث عن عمل آخر، رغم قلة الأعمال”.
وفي أثناء التجوال في السوق بدت إحدى المتسوِّقات وهي تحاول انتقاء المواد التموينة الأقل ثمناً، فقد قالت “أم أحمد” شارحة وضعها “لدي سبعة أطفال، وزوجي عاطل عن العمل منذ سنة ونصف تقريباً، وأضطر لتلبية الاحتياجات الأساسية لهم، فغلاء المواد التموينية فاق الخيال وبرأيي هذه مصيبة كبيرة على العباد”، مستغربة من شدة وطأتها على الأسر الفلسطينية بقولها “من أين سنستطيع تلبية احتياجات أبنائنا، خاصة وأننا في شهر رمضان، ومصاريفه تكون أكثر من الأيام العادية؟!”.
وأضافت “أم أحمد” قائلة “شهر رمضان هو شهر الرحمة بالعباد وليس استغلالهم، في ظل انقطاع رواتب الموظفين، وتفشي البطالة في المجتمع الفلسطيني، لذلك يجب أن يكون هناك شيء من الرحمة والرأفة بالمواطن الفلسطيني”، لافتة الانتباه إلى أنّ “سعر كيلو الخبز قد ارتفع، والخضروات والفواكه سعرها ارتفع، والحلويات واللحوم والدجاج كلها في ارتفاع، وحدها معاناة المواطن الفلسطيني باقية على حالها وربما هي الأخرى ترتفع أكثر مما هي عليه”، وفق ما ذكرت.
موائد تراحم وتلاحم
وعلى الرغم من الضائقة المادية التي يعانيها المجتمع الفلسطيني بأسره؛ إلاّ أنّ فرحة قدوم الشهر الكريم تبرق في وجوه أهالي نابلس، فهم بأقل الإمكانيات يصرّون على إبداع موائد رمضانية ملامحها لا تخلو من الود والتراحم، حتى لو كانت أطباقها بسيطة لا تتعدى طبقاً رئيساً إلى جانب بعض “السلَطات”.
وتؤكد المواطنة النابلسية “أم محمد” أنها لم تقطع عادتها في جمع أبنائها وبناتها بأزواجهم وزوجاتهم على مائدتها الرمضانية في أول أيام الشهر الكريم، حيث تجوّلت في السوق لتنتقي بعض احتياجاتها بالكيلو وأحياناً بالغرامات إذا ما تعلّق الأمر بشراء المكسّرات الخاصة بحشوة “القطايف”.
وتشرح “أم محمد” أنّ ارتفاع الأسعار أثّر عليها في شراء كميات المواد الغذائية الضرورية لمنزلها ومنزل أبنائها، لافتة الانتباه إلى أنّ ما قامت بشرائه “يؤدي الغرض ليس للغد فقط وإنما لأسبوع كامل”.
وبدوره؛ أوضح “أبو رائد” أنّ أجواء رمضان لا تحلو له دون الاجتماع بالأقارب، حيث يعمد إلى تقاسم المائدة الرمضانية مع شقيقه وأهله الذين يقطنون البناية ذاتها في طوابق منفردة، وأضاف “نجتمع كلنا عند والدتي، كل واحد منّا يحضر طبقاً في إطار التكافل وتخفيف الأعباء عن بعضنا بعضاً، وبذلك نتغلب قليلاً على الأزمة الاقتصادية التي تلمّ بنا جميعاً، فأسرة واحدة منا مع ارتفاع الأسعار وقلة الموارد المادية لا تستطيع توفر مائدة رمضانية متكاملة”، كما قال.
الأطفال غائبون
وليس أطفال نابلس بمنأى عن الحالة العامة، ومن المألوف أن تبدو ملامح البؤس على وجوه بعض الأطفال، حيث تتوارى ملامح البهجة والسرور التي كانت على شفاههم بشكلٍ مستمر، بينما يحاولون التخفيف عن أنفسهم بأن ينطلقوا فرادى أو جماعات إلى الأسواق الشعبية ليس لشراء الملابس والألعاب؛ وإنما فقط للمشاهدة وهو ما يزيد الحسرة والألم في نفوسهم.
كما غابت عن احتفالية رمضان هذا العام في نابلس فقرة مهمة، حيث كانت الحارات تعجّ بالأطفال الذين يتناوبون على ألعاب كثيرة، لكنّ هذا العام لا يشهد هذه الظاهرة، وهو ما يعزوه بعض أولياء الأمور إلى عدم توفر الأجواء المناسبة لذلك، وبالتالي عدم شعور الأطفال بالأمن، إما بسبب الاحتلال وممارساته، أو بسبب الظروف السياسية القائمة التي خلقت نوعا من القلق وعدم الارتياح لدى الأطفال وبالتالي لا يجدون في أنفسهم الرغبة باللعب.
وقد رجعت الطفلة منار، ذات الأعوام العشرة، رجعت من السوق برفقة والدتها، ولم تُخفِ حنقها لعدم قدرة أمها على شراء فانوس رمضان، وتقول “ماما ما اشترت لي فانوس لرمضان علشان بابا ما بيشتغل ومعهاش فلوس”.
أما محمد، الذي يكبرها بثلاثة أعوام، فيشير إلى سبب آخر يمنعه من الاحتفال برمضان، ويقول “كنت معتاداً في الأعوام السابقة على اقتناء الفوانيس وملابس العيد والألعاب بشكل مستمر، لكن في هذا العام لم أشعر بتلك الفرحة التي كنت أشعر بها سابقاً”، وأرجع الطفل الفلسطيني ذلك إلى عدم قدرة والده على الشراء بسبب الأسعار الباهضة.
وتشاركه في الرأي الطفلة مها، ابنة الإثنتي عشر عاماً، بسبب عدم شراء الألعاب مع الظروف الاقتصادية التي حولها، وتمنّت في العام القادم أن تكون الأمور قد تحسّنت، وأن تذهب إلى السوق والفرحة على وجهها لاقتناء احتياجات رمضان وملابس العيد كما كانت معتادة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس تحذر من تداعيات سلوك أمن السلطة على النسيج المجتمع
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت حركة حماس من تداعيات سلوكيات أجهزة أمن السلطة وتأثيرها على النسيج الوطني والمجتمعي، حيث قتل شاب برصاص...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...