قرار إنشاء مفاعلات نووية عربية خطأ كبير

صحيفة القدس العربي اللندنية
أعلنت كل من الأردن ومصر والإمارات والسعودية عن رغبتها في دخول النادي النووي لإنتاج الطاقة للأغراض السلمية. وبما أن هذا الإعلان قد تم في ظل التوترات العسكرية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية علي المنطقة ودعوتها لمواجهة إيرانٍ فإننا لا نستطيع أن ننظر إلى هذا الإعلان بمعزل عن هذا التوتر.
إن موضوع توليد الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية ليس بالموضوع الجديد. فقد سبقنا إليه معظم الدول الغربية التي دخلت في هذه التجربة وخرجت منها بتجربة مرة وصلت بنهايتها إلى قرارات لبعض الدول بإغلاق مفاعلاتها النووية التي أنشئت للأغراض السلمية. كانوا يعتقدون قبل نصف قرن تقريباً ما تعتقده بعض الدول العربية اليوم من أن إنتاج الطاقة من المفاعلات النووية عملية سهلة وميسورة وتزود البلد بنسبة لا بأس بها من حاجتها من الطاقة، هذا بالإضافة إلى اعتقادهم أنها أي الطاقة النووية لا تلوث كما تلوث الطاقة المولدة من الوقود الإحفوري كالنفط ومشتقاته والفحم الحجري.
بعد ذلك حدثت كوارث كثيرة في المفاعلات النووية في الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفييتي. ففي الولايات المتحدة حوادث متشعبة وكثيرة منها ما كان مباشراً في المفاعلات النووية مثل (ثري مايل الاند) والتي سببت كارثة بالرغم من القدرات المتفوقة للولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال. ومنها ما نتج عن النفايات المشعة التي كانت تدفن بمناطق مختلفة تحت الأرض. إلا أن الإشعاعات المتسربة منها أدت إلى كوارث أصابت قرى ومجتمعات سكنية بكاملها بالعقم والسرطانات والتشوهات الخلقية. وتقول تقارير قديمه للأمم المتحدة إن هناك 25 ألف مركز لتجميع هذه النفايات في الولايات المتحدة يكلف تنظيفها ما بين 23 ـ 100 مليار دولار بينما يكلف تنظيف مكبات ألمانيا 10 مليارات دولار والدنمارك 1 مليار دولار. لذا عمدت الولايات المتحدة إلى نقل هذه النفايات إلى دول العالم الثالث لتدفنها هناك. وتدفن الولايات المتحدة نفايتها في كل من المكسيك وزمبابوي وغينيا ونيجيريا والهند والفلبين وكوريا، حسب تقارير التنمية والتعاون.
في السويد
أما في أوروبا فلم يكن الحال أفضل فقد حدثت كوارث كثيرة أدت إلى قيام حملات شعبية واسعة ضد هذه المفاعلات. ومن أبرز هذه الحملات حملة السويد حيث وصل الضغط الشعبي على الحكومة إلى درجة إرغامها على إجراء استفتاء شعبي على مدى قبول أ رفض هذه المفاعلات، وكانت نتيجة هذا الاستفتاء أن الشعب قرر أنه لا يريد مفاعلات نووية. وبناء على ذلك أعلنت حكومة السويد أنها ستفكك كل المفاعلات النووية لديها بعد انتهاء العمر الافتراضي لكل منها، هذا بالإضافة إلى قرار بالتوقف عن إنشاء أي مفاعل نووي جديد.
في ألمانيا
أما في ألمانيا وبعد موجة احتجاجات شعبية واسعة وصلت إلى حد نوم المتظاهرين على السكك الحديدية لمنع القطارات المحملة بالمواد النووية من المرور اتخذت الحكومة القرار بتفكيك المفاعلات النووية بعد انتهاء عمرها الافتراضي. وكانت ألمانيا قد باشرت عام (2003)، وحسب ما صرح به الناطق باسم الحكومة الألمانية آنذاك، أن المفاعل الذي بدأ العمل عام (1972) يجب تفكيكه عام (2003) علماً أن الاتفاقيات تحدد عمر المفاعل النووي في ألمانيا بـ (32) عاماً. ويضاف إلى ذلك أن الحكومة الألمانية عقدت في حزيران (يونيو) 2002 اتفاقية مع أهم شركة لإنتاج الطاقة لإغلاق (19) مفاعلاً بهدف البحث عن مصادر بديلة للطاقة النووية. كما أن أحدث مفاعل بني في ألمانيا سيتم إغلاقه عام 2021.
مفاعل تشرنوبل
يضاف إلى ما سبق أننا لم نتحدث عن الكوارث التي ألحقها مفاعل تشيرنوبل في الاتحاد السوفييتي السابق والدول المجاورة. والتي استغلتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى أبعد الحدود وحذرت جميع الدول المجاورة من الإشعاعات التي حطت على الناس والمزروعات وعلى الأغنام والأبقار والدجاج ودخلت في السلسلة الغذائية للمنطقة بكاملها. بينما تصمت الولايات المتحدة الآن عن مفاعل ديمونا الذي انتهى عمره الافتراضي وأن تسرباته أصبحت مؤكدة. كما وتعلم الولايات المتحدة أن إشعاعات تشيرنوبل وصلت إلى الأردن في اليوم السابع من انفجاره. ومن حقنا أن نسال فيما إذا كانت الحملة الإعلامية التي قامت الولايات المتحدة بها ضد تشيرنوبل وتداعياته حملة حقيقية أم مبالغ فيها.
تفكيك المفاعلات النووية
إن تفكيك المفاعل النووي ليس بالعملية السهلة وهذا يعني تفكيك (100.000) مائه ألف طن من الفولاذ والكتل الإسمنتية يستغرق تفكيكها من (10 ـ 12) عاماً بعد إغلاق المفاعل. وفي ألمانيا يتم إبطال مفعول (3000) طن من المواد ذات الإشعاع الضعيف داخل ألمانيا. أما المواد ذات الإشعاع القوي والتي تعجز ألمانيا بقوتها وعظمتها عن معالجتها بالرغم من امتلاكها 19 مفاعلاً فيتم إرسالها إلى فرنسا للمعالجة.
وبقياس ما سبق من المعلومات على المشروع النووي العربي أو الأردني نستطيع القول إنه حسب التصريحات الأردنية الرسمية أن بناءَ المفاعل النووي الأردني يحتاج إلى عشر سنين وإذا ما تم ذلك لا سمح الله فسيبدأ تشغيله لبضع سنوات وستبدأ المشاكل والتسريبات التي عجزت أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفييتي عن السيطرة عليها تتكرر في الأردن أو الدول العربية الأخرى بشكل مستمر كما تتكرر حالياً هذه الحوادث في مفاعل ديمونا في “إسرائيل”، وتقدم البرامج التلفزيونية الإسرائيلية المعلومات عن خطورتها وتطالب بوقفها كما وبدأت المحاكم الإسرائيلية بإقرارها. عند ذلك سيبدأ التفكير بالأردن والدول العربية بتفكيك هذه المفاعلات وستحتاج إلى (10 ـ 12) عاماً لتفكيكها أي أننا سنترك الشعب تحت رحمه مخاطر لا حدود لها لفترة (30) عاماً من تاريخ بدء التشغيل إلى التفكيك، وعلى ذلك يمكننا أن نقول للقائمين على هذا المشروع المثل الأردني الشعبي الشهير تحجوا والناس راجعة.
مخاطر أخرى
من المخاطر التي تفوق الوصف مخاطر النفايات النووية التي يفرزها أي مفاعل نووي. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه النفايات المشعة تشكل الآن تجارة عالمية للبطون الجشعة والجرباء التي تتاجر بها وتنقلها من بلد إلى آخر لتدفن في أراضي الغير لقاء دولارات تدفع إلى المتنفذين في دول العالم الثالث (دول المدفن) حتى لو كان ذلك على حساب صحة وسلامة شعوبهم.
وليس بخاف على أحد بالأردن والإقليم أن إسرائيل تتخلص من نفاياتها المشعة بشكل عشوائي في الأراضي الفلسطينية والأردنية والسورية واللبنانية وفي سيناء وفي الجولان. كما سبق وأن كشفت الصحافة والإعلام عن شحنات من هذه النفايات دخلت الأردن وقد كشف بعضها وأعيد والذي لم يكشف ربما يكون أعظم، وحتى هذه الأيام ما تزال المعلومات تتوارد من فلسطين المحتلة ومن منطقة الخليل والضيرية عن كميات كبيرة من هذه النفايات لا تزال تدفن هناك.
ماذا في الأردن؟
السؤال الذي يطرح نفسه في الأردن هل الأجهزة الإدارية مؤهلة لإدارة مثل هذا المفاعل. وللإجابة على هذا السؤال لا بد من القول إنه من الثابت والقطعي وباعتراف معظم رؤساء الحكومات الأردنية أن الأجهزة الحكومية في الأردن أجهزة مترهلة إلى حد كبير وهذا موضوع محسوم لا يختلف فيه اثنان حيث أن هذه الأجهزة ما تزال حتى هذا اليوم عاجزة عن إدارة محلات الشاورما والتي سممت آلاف الناس حتى اضطرت الحكومة إلى إغلاقها جميعاً مرة واحدة. والتسمم الغذائي شاهد ثان على العجز عن إدارة القطاع الصحي. ويعتبر تلوث الماء ودخول الآلاف من المواطنين إلى المستشفيات متسممين بمياه الشرب شاهد ثالث. والشاهد الرابع هو (11) ألف قتيل على شوارعنا في قطاع المرور وهذا العدد من القتلى هو أضعاف ما خسرنا في جميع حروبنا مع “إسرائيل”. والشاهد الخامس هو عجز الحكومات حتى هذا اليوم عن معالجة هذه القطاعات الأساس في الدولة وكثير من القطاعات الأخرى بالرغم من مراقبتها لما يدور في هذه القطاعات دون أن تستطيع وقف التدهور. وبناء على هذا هل يتوقع لهذه الحكومات أن تدير مفاعلاً نووياً وتضمن سلامته وسلامة المنطقة والناس؟
إن تركيبة الجهاز الإداري في الأردن والطريقة التي يتم اختيار هذا الجهاز بها طريقة تؤكد لنا أنهم لم يستطيعوا السيطرة لا على أساسيات وحاجات الإنسان الأولية كالماء والغذاء والدواء والصحة والمرور والزراعة وما بها من المبيدات والهرمونات.
فكيف يمكننا أن نتوقع من هذا الجهاز أن يدير مفاعلاً نووياً وينجح في إدارته بعد أن ثبت فشل الدول العظمى التي أشرنا إليها ومنها السويد وألمانيا والاتحاد السوفييتي في إدارة مثل هذه المشاريع؟ يقولون إننا سنشكل وزارة لهذا الغرض، وحتى لو تشكلت وزارة لأغراض الطاقة النووية فليس لدينا وزارة للمياه وأخرى للصحة والغذاء وثالثة للبيئة. فأين هي نجاحاتها…؟ فلماذا يجب أن تضاف إلى كوارثنا كارثة نووية جديدة؟
هل هو مفاعل للأردن أم الإقليم..؟
علينا أن نتنبأ أن الإصرار على إقامة مثل هذا المفاعل لا بد وأن يكون نتيجة ضغوطات دولية على الأردن وأن يكون جزءاً من مشروع إقليمي ضمن دمج “إسرائيل” في المنطقة تشترك فيه معنا دول ذات خبرة في هذا المجال وتستفيد من الأردن لأهدافها بعيدة المدى ودفن نفاياتها هناك.
هل تحتاج دول الخليج العربي لمفاعل نووي؟
لا تحتاج دول الخليج العربي لمفاعل نووي للأغراض السلمية لأسباب كثيرة منها:
1 ـ دول الخليج ليست ملزمة لشراء النفط أو مشتقاته لتوليد الطاقة أو تحلية المياه. فالنفط متوفر لديها مجاناً وسيكون إنتاج الطاقة من المفاعلات أغلى ثمناً وأشد خطراً.
2 ـ محطات التحلية المتوفرة في دول الخليج مزدوجة الإنتاج، فهي تحلي المياه وتولد الطاقة في وقت واحد ولهما وزارة واحدة هي وزاره الماء والكهرباء.
3 ـ أسعار الطاقة الكهربائية في هذه الدول هي أرخص أسعار في العالم ولا تتعدي فلسات، حتى إن كثيراً من المستهلكين لا يقومون بتسديدها.
هل هناك بدائل لحل مشكلة الطاقة؟
الدول الاسكندينافية كالسويد والدنمرك والنروج وكذلك ألمانيا التي قررت التخلص من مفاعلاتها النووية بدأت بالتحول المكثف إلى الطاقة الجديدة والمتجددة ومنها طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

استطلاع: نتنياهو يحصل على 48 مقعدًا والمعارضة 62
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام كشف استطلاع رأي نشرته صحيفة معاريف، اليوم الجمعة، أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحصل على 48 مقعدًا في...

الاحتلال يعترف بمقتل جنديين في اشتباكات رفح ويكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، تفاصيل ثقيلة لخسائر صفوف جنوده خلال اشتباكات وقعت يوم أمس في...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...

صدمات نفسية تحول دون التحاق الاحتياط بجيش الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت دراسة إسرائيلية، أن نحو 12 بالمئة من جنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، الذين شاركوا بحرب الإبادة في...

الحوثي: أولويتنا إسناد غزة والعدو فشل باستهداف قدراتنا
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكد قائد جماعة "أنصار الله" اليمنية عبد الملك الحوثي، يوم الخميس، أن أمريكا و"إسرائيل" فشلتا في مواجهة القدرات...