الثلاثاء 13/مايو/2025

صلاة الجمعة تحت شعار فتح وجدت لتبقى و تنتصر ..!

وائل كريم

لم يكن خيار الثورة و المقاومة يوماً ما وسيلة للوصول للحكم أو للخلاف و التناحر على من يحكم .. بل على العكس تماماً فالثورة و المقاومة و الصمود نبعت في كل التجارب الثورية العالمية من إيمان عقلي على وجه اليقين بأن هناك ظلماً و حقوقاً سليبة و أن السبيل الوحيد لاسترداد تلك الحقوق و إقامة العدل ينحصر فقط في الثورة و الصمود و المقاومة .. بمعنى أن الثورة و المقاومة لا يمكن أن تنشأ من العدم و بعيداً عن إدراك عقلي يقيني لكل التناقضات المحيطة مؤسس على آمال عريضة و ثقة مطلقة في قدرات الإنسان و إمكاناته من أنها قادرة على تحقيق تلك الآمال و إن كانت شبه مستحيلة !

لذلك فإنه من المنطقي أن يُتهم الثائر الذي يرفض أنصاف الحلول بأنه ” متطرف ” ذلك أن العدالة مفهوم مطلق في عقل و يقين الثائر فأنصاف الحلول و العدالة النسبية المُجتزئة لا تتناسب مع وعي و يقين الثائر .. فإما عدالة مطلقة أو لا عدالة .. يترتب على ذلك أن الثورة و المقاومة لا يمكن أن يقوم عليها أو يفجرها ثلة من ” رعاع ” تقبل بأنصاف الحلول و بإجماع الآراء على حساب _ الحقيقة المطلقة المُجردة على أي زيف أو تأويل _ إذن فالعدالة المطلقة و الحقيقية المطلقة تسمو في وعي الثائر و المقاوم على حساب كل شيء بما في ذلك الانتماء الحزبي أو الأيديولوجي و ينعكس ذلك على الثائر ” المُتطرف ” فكراً و ممارسة و إلا انتقل هذا الثائر من مربع الشرف و التضحية و البطولة إلى المربع المقابل ليغدو مجرد ” مرتزق ” !!

لنأتي الآن و نطبق تلك المفاهيم على ” ثوار الفتح العظيم ” ممن أقاموا أمس شعائر صلاة الجمعة في ساحة ” الكتيبة ” في مدينة غزة استجابة منهم للنهج الثوري الذي خط معالمه كهنة المقاطعة في رام الله ..

قبل أن أبدأ أود الإشارة بعجالة لنقطة هامة تتعلق بتلفزيون دايتون .. حيث يعلم الجميع بمن فيهم ” ثوار الفتح العظيم ” أن السادة القائمين على تلفزيون دايتون لا يولون أي اهتمام للمجازر التي تقع في الضفة الغربية و قطاع غزة الآن .. و هنا لا أقصد بالمجازر التي يرتكبها لقطاء دايتون من بقايا التشكيلات العسكرية التي حصلت على شهادة الطُهر الصهيونية بعد أن باعت أسلحتها ببضع ألاف من الدولارات خلافاً للقيمة الحقيقية لتلك الأسلحة في السوق .. و إنما أقصد المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني و التي كان آخر ضحاياها خمسة شهداء في جنين قبل عدة أيام و شهيدين لم يبلغا العشر سنوات في بيت حانون بقطاع غزة ..

و هنا أقول للسادة القائمين على تلفزيون دايتون أنه يجب عليكم أن تنعتقوا من أفكاركم طالما تنشدون الشفافية و النزاهة كوسيلة إعلام تنقل الحدث من أرض الواقع بمعزل عن قناعاتكم تجاه الحدث .. فإن كان شهداء جنين و بيت حانون و نابلس و خانيونس من وجهة نظركم قد سقطوا بنيران _ صديقة _ فإنه ليس من المنطق أن تُسقطوا قناعتكم و أفكاركم على المُشاهد العربي .. لذا أتمنى على السادة إعلاميي دايتون أن يضعوا في أولوياتتهم تخصيص ساعة فقط من وقتهم لبث موجة مفتوحة عن تلك المجازر التي تقع بنيران _ صديقة _ على غرار الساعات التي بثها تلفزيون دايتون اليوم الجمعة 31 / 8 / 2007 بمناسبة ما جرى في غزة و التي لازالت مستمرة حتى نشر هذا المقال .. !

نعود لـ ” ثوار الفتح العظيم ” ممن لبوّا نداء الوطن و الكرامة و ذهبوا لأداء شعائر صلاة الجمعة اليوم في العراء .. و هنا سنترفع في الحديث عن بعض الصور المُخزية التي شاهدنا بعضها على ” فضائية الأقصى ” كمثل ذلك الرجل الذي كان يلتهم السيجارة أثناء خطبة الجمعة و كأن السيجارة تنتمي لحماس و يود هذا الرجل أن ينتقم منها !! أيضاً سنترفع في الحديث عن صور من كانوا يقهرون العطش في هذا الحر الشديد من خلال شرب العصائر و ( البراد المُنعش ) أيضاً أثناء خطبة الجمعة !

سنترفع عن كل تلك الصور المُخزية و سأتحدث فقط عن مفاهيم الثورة و المقاومة لـ ” ثوار الفتح العظيم ” .. فقد آلمني جداً صورة أحدهم يرفع لوحة بيضاء كُتب عليها _ فتح ولدت لتبقى و تنتصر _ !! و لعل هذه الصورة هي السبب في كل هذا الحديث فقد وددت لو أن هذا الثائر ممسوخ العقل و الإدراك لو أنه نّظر لي عن بعض مفاهيم البقاء و النصر التي يؤمن بها لعلي أنعتق من تطرفي و إدراكي السقيم تجاه كل ما يجري و تجاه مقومات البقاء و النصر !

مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها تقوم على وعي و إدراك كامل لمعاني العقيدة و الوطنية و الكرامة و الانتماء و الحق و العدل و الشرف و البطولة و الفداء .. و ترتكز كل تلك المفاهيم في تكوين سيكلوجية الثائر المقاوم الذي يبتغي البقاء و النصر على قاعدة أساسية تتمثل في كائن حي يُسمى ” الإنسان ” حصراً .. بمعنى عدم صلاحية تلك الكائنات المُستنسخة المُروضة المفتقدة لكل القيم الإنسانية و العقائدية و الأخلاقية لتكون محلاً لهذا البناء ” المُتطرف ” ..

مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها تقوم على بتر ” لاعقي ” أحذية المحتل الغاصب من سلسلة تجار الدم المُتربحين منذ عقود على حساب أوجاعنا و واقع صاغوه بكل سوداويته جعل لقمة عيشنا في يد المحتل الغاصب يفتح لنا معابرنا متى يشاء و يغلقها متى يشاء كي نقضي جوعاً أو عطشاً أو مرضاً على سرير مستشفى تفتقد الكهرباء التي تدير أجهزة الإنعاش فيها بعد أن تآمر ” مالكي ” رام الله على قطعها للتضييق على أبناء قطاع غزة لحملهم على الانقلاب على كل ما آمنوا به !

مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها تسمو و تترفع و ترفض بكل عنفوان و قوة محاولات تسويغ الخيانة و القبلات الحارة في القدس حيث منزل من أمر بتنفيذ مجزرة في نابلس أو جنين أو غيرها من محطات الوطن المنكوب قُبيل اجتماعه مع السيد الرئيس الشرعي على أنها ليست بخيانة و إنما ” هامش مناورة ” نضطر أحياناً لممارسته ” تبعاً لظروف الحال !

مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها تتعالى بكل شموخ و كبرياء عن المتاجرة بأوجاع المنكوبين و الحديث بلهجة ” الوجد الصوفي ” عن عذابات الأسرى القابعين في غياهب السجون منذ عقود .. و في ذات الوقت تقوم الأجهزة الأمنية ” غير العميلة طبعاً ” بإنقاذ ضابط من جيش الاحتلال دخل جنين من أيدي ( الإرهابيين القتلة ) .. بالله عليكم ألم تتضمن كل مواثيق الأخلاق و القانون و حقوق الإنسان و غيرها من تلك التي تنظم السلوك البشري إباحة القتل حين يكون هذا القتل دفاعاً عن النفس ؟! ماذا يمسى إذن هذا الخوار ؟!

مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها ترفض ” القوادة ” على دماء الشهداء و المتاجرة بالتاريخ و بتضحيات كل أولئك السابقين لمسخ بعض العقول البائسة الغبية و تصوير الأمر على أن التماهي مع متطلبات المرحلة يُعد السبيل الأجدى للوصول للدولة و القدس .. رغم انعدام كل أجزاء المعادلة باستثناء ” لعق ” أحذية المحتل الغاصب .. مفاهيم البقاء و النصر تقتضي قلب كل المعادلات و التحقيق في اغتيال المؤسس الراحل ياسر عرفات بعد أن ثبُت للقاصي و الداني أنه قُتل مسموماً !!

مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها تعني أن التآمر على من جمعنا بهم الوجع و الأمل .. و قطع الكهرباء عليهم .. و إغلاق المعابر في وجههم .. و التآمر المفضوح على لقمة عيشهم .. و قطع رواتبهم .. و تخطيط الإضرابات المُسيسة .. و إسقاط الأطباء و المحامين و الموظفين بذات طريقة إسقاط العملاء .. لحمل كل أولئك المكلومين على مخالفة كل القيم الوطنية و الأخلاقية التي طبعتها في ذاكرتهم سني الجوع و الصمود يُعد خيانة عظمى تستوجب القصاص بأقصى عقوبة ..

أخيراً مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها أسمى و أعظم و أكبر من أن ألبي دعوة خرجت من فم نتن كريه الرائحة قال عن مقاومتنا و صمودنا أمام كل المجازر التي نواجهها منذ نكبتنا الأولى بأنه ( إرهاب ) و وصف دفاعنا عن أنفسنا بأنها ( عمليات حقيرة ) و صواريخنا البدائية التي نحقق من خلالها توازن الرعب لثني المحتل الغاصب عن الولوج في دمائنا أكثر من ذلك بأنها ( صواريخ عبثية ) .. من يلبي هكذا دعوة قذرة خرجت من فم قذر كي يمنح فضائية قذرة مادة إعلامية قذرة تمارس من خلالها طقوس مسخ العقول و تقزيم القضية ينطبق عليه توصيف أحد الفلاسفة حين قال .. ( حتى الجمجمة الفارغة تخرج أصواتاً إذا طرقناها بعصي الكذب ) !!

قد تحدثت عن مفاهيم البقاء و النصر التي أعرفها .. فهل لي بأحدكم يعطيني درساً عن مفاهيمكم المُروضة عن البقاء و النصر .. لعلي أمسخ مفاهيمي و أغدو مجرد كائن مُستنسخ مُروض أقبل ” تسليع ” حتى شعائر عقيدتي و صلاتي لأقايض عليها بعرض من الدنيا زائل .. و أقبل ” القوادة ” حتى على ذاكرتي !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات