المراحل الأخيرة للفرار الكبير

بدأت المراحل الأخيرة من الفرار الكبير لقوى الاحتلال وعملائها من بلاد الرافدين، فقد أخذت واشنطن والعواصم الغربية الأخرى التي أرسلت قوات إلى العراق تجلي مئات العراقيين الذين تعاونوا مع قوات الاحتلال ضد مواطنيهم، وذلك في إعادة لصور الانسحاب الأمريكي المهين من الفيتنام سنة 1975. وفي نفس الوقت كثرت الأخبار التي تنشرها الصحف خاصة في بريطانيا عن إقبال سياسيين عراقيين حلوا بالعراق مع قوات الغزو في ابريل 2003، على حملة لشراء المنازل في لندن والمدن المجاورة وشروع بعضهم في التهيؤ لبدء مشاريع تجارية.
ما يحدث يثبت أن العملاء لا مستقبل لهم في العراق، كما لم يكن لهم مستقبل في أي مكان آخر على امتداد التاريخ ومصيرهم الهزيمة. وحكومات المنطقة الخضراء التي يحرك الأمريكيون بيادقها في لعبة استبدال سخيفة ومبتذلة لن تنجح مهما فعلت، وموظفوها عاجزون عن إدارة السلطة أو أي من مؤسساتها.
إن حكومة الاحتلال هي حكومةُ فساد مدجج بالأسلحة والمليشيات وهي لا تستطيع أن تصمد ربما حتى لأيام لو تركت وحيدة أمام المقاومة العراقية، ومن المستحيل لحكومة، على هذا المستوى من الفساد والانحطاط الأخلاقي، أن تظهر بمظهر، لا يدفع، بحد ذاته، إلى الرفض حتى على المستوى العربي والدولي.
الإدارة الأمريكية التي عاندت قبل أشهر ضغوط الكونغرس لإجلاء المتعاونين مع قواتها بحجة انه لا داعي لذلك وانه عندما يكتمل النصر للحلفاء سيكون هؤلاء عماد النظام الجديد الذي سيقام ويضمن لواشنطن تدفق نفط العراق وازدهار الشركات الأمريكية، عدلت من موقفها في مؤشر جديد على أنها فقدت الأمل في تجنب الهزيمة. فقد قالت مسؤولة أمريكية كبيرة إن الولايات المتحدة ستسرع من قبول طلبات هجرة العراقيين الذين عملوا مع جيشها في العراق بعد أن تعرضت لانتقاد من الكونغرس لأنها لم تستوعب سوى عدد قليل جدا منذ غزو العراق في عام 2003.
وقالت ايلين ساوربري مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية إن سياسة أسرع لإعادة التوطين في الولايات المتحدة هذا العام قد تزيد من معدل الهجرة إلى أكثر من الضعف، وأضافت أن واشنطن تضع أيضا خطط طوارئ بالتعاون مع وكالات المعونات الدولية استعدادا لتدفق أعداد أكبر من اللاجئين العراقيين في حالة تفاقم أعمال العنف بعد سحب القوات الأمريكية.
ومضت تقول “سيتدفق ألفان إلى البلاد ونأمل أن يكون ذلك بنهاية أكتوبر إن لم يكن بنهاية سبتمبر وألفان آخران بنهاية نوفمبر”. وأضافت ساوربري “وعليه قد تكون هناك إمكانية لأن ننقل بنهاية العام الميلادي كل العدد الأصلي الذي تحدثنا عنه والذي يقدر بسبعة آلاف شخص”.
ويضغط الكونغرس الأمريكي على الإدارة لفتح الباب أمام المترجمين العراقيين وآخرين حياتهم مهددة من قبل المقاومة التي تصنف هؤلاء على أنهم خونة بسبب عملهم مع الأمريكيين.
قبل القرار الأمريكي الأخير بشهر تقريبا أنهت الدنمارك في 22 يوليو 2007 عملية سرية قضت بنقل نحو 200 عراقي وأسرهم إلى خارج البلاد عن طريق الجو وذلك بسبب الخطر الذي يتعرضون له لأنهم تعاونوا مع القوات الدنماركية في العراق. وبعد ذلك سحبت كوبنهاغن جنودها البالغ عددهم نحو 500 جندي.
لم يعد السؤال هل ستنسحب القوات الأمريكية من العراق بل أصبح السؤال متى يبدأ الانسحاب؟. فالنصر حتى الذي تمسك بسرابه الرئيس بوش يتبخر بسرعة وسيد البيت الأبيض يضرب أخماساً في أسداس لينقذ ما أمكن من ماء الوجه سواء للولايات المتحدة أو لنفسه.
السيناتور جوزيف آر.بايدن الديمقراطي من ولاية ديلاوير، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، قدم أحد الأجوبة الممكنة فقال إنه يؤمن بأن المسؤولين الكبار في إدارة بوش استنتجوا وبشكل خاص بأنهم قد فقدوا العراق، ويحاولون تأجيل الكارثة ببساطة، لذا فإن الرئيس التالي لبوش سيكون هو الرجل الذي سينزل المروحيات داخل المنطقة الخضراء، وينقل الناس من السقف، “في انسحاب فوضوي يشبه فيتنام. وأضاف بايدن”توصلت إلى هذه النتيجة المؤقّتة وهي أن جزءاً هاما من هذه الإدارة، لربما حتى نائب الرئيس، يؤمنون بأنهم قد خسروا العراق وهم لا يمتلكون جوابا على كيفية السوء الذي حبكوه. لست مستهزئا الآن. لذا، أفضل شيء ليمنعه من الانهيار تماما، أن تبقي العراق تحت مراقبتك ومن ثم سلمه إلى الرجل التالي وأعني ذلك حرفيا، وليس مجازيا”.
الواقع أن الولايات المتحدة انهزمت في العراق هزيمة كاملة، وأن على الجميع أن يرتب أوراقه على مرحلة ما بعد الهزيمة، وأن المسألة طالت أم قصرت قد حسمت وانتهى الأمر، ومن ثم فإن توقيت الانسحاب يخضع لعوامل مختلفة ليس من بينها بالطبع إمكانية تحقيق أي نوع من النصر، مسألة التوقيت تعتمد على ترتيب الداخل الأمريكي والواقع الدولي والإقليمي، بل والواقع العراقي ذاته.
الاعتراف الأمريكي بالهزيمة له تجليات أخرى كثيرة منها اعتراف الجنرال جيمس كونوابى قائد مشاة البحرية الأمريكية بأن جهود القوات الأمريكية لمكافحة العمليات المسلحة في العراق، يمكن أن تستمر لفترة تصل إلى عشر سنوات، وأن الجيش الأمريكي يحتاج إلى وقت أكبر في العراق لتحقيق أي نوع من الإنجاز. غير أنه من البديهي أن أحدا لا يمكن أن يتفق عمليا وواقعيا على أساس حقائق ومعطيات الساحة مع الجنرال، فلا عشر سنوات ولا مائة سنة يمكن أن تقلب هزيمة تحققت بالفعل إلى نصر، ومنحنى المقاومة بحرب عصابات في صعود مستمر منذ لجأ إليها العراقيون مباشرة بعد سقوط بغداد في 9 أبريل سنة 2003 نتيجة عجز قواتهم المسلحة النظامية عن مواجهة التفوق العسكري الأمريكي.
هؤلاء الذين يرسمون خطط بوش يخططون لأن يبدأ الانسحاب قبل أعياد الميلاد 2007 كما على دفعات صغيرة بحيث لا تأتي الانتخابات الرئاسية إلا وهناك أقل من 100 ألف جندي في العراق متحصنين في قواعدهم وسط بحر هائج من الثورة التي يغرق فيها حلفاؤهم الذين لم يستطيعوا الفرار بشيء من أموال العراق.
واشنطن خرجت مطرودة من فيتنام، ولكنها في العراق سيصيبها أسوأ مما أصابها حتى الآن وستخرج مدحورة ولن تجد الفرصة حتى لسحب تجهيزاتها، وقد اثبت المجاهدون في العراق أن الولايات المتحدة أصبحت نمرا من ورق.
لقد جرب الرئيس بوش كل شيء، جرب زيادة القوات، وبعشرات الألوف وجرب إثارة الفتنة الطائفية، وجرب تغيير القيادات العسكرية بل والقيادات السياسية في الإدارة الأمريكية للعراق وجرب تعيين ما يسمى بقيصر حرب، وجرب تبديل حكومات المنطقة الخضراء ومهزلة الانتخابات، إلى غير ذلك وكل تجاربه لم تحقق جديدا على صعيد إضعاف المقاومة او القضاء عليها او حتى منع تصاعدها.
لقد انهزمت الولايات المتحدة في العراق ولا داعي للمكابرة وإنكار ذلك، والمطلوب من بعض الحكام العرب ألا يسقطوا في فخ الفتنة الذي يتمناه خصومهم وأن يتخلصوا من وهم منع عودة حزب البعث إلى قيادة العراق الذي يغذيه ساسة البيت الأبيض وخاصة نائب الرئيس بوش ديك تشيني، فالعراقيون الذين ثبتوا على أرض المعركة هزيمة أقوى قوة على الأرض خلال 43 شهرا من بعد سقوط بغداد قادرون على إكمال المسيرة لإعادة العراق الى دوره الإسلامي العربي القومي.
وفي الوقت الذي يتكرس فيه حجم الهزيمة الأمريكية في بلاد الرافدين أكثر من أي وقت ماضي، ويدق مسمار جديد في نعش الإمبراطورية التي حاول المحافظون الجدد بناءها، حث عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين العراقيين على مواصلة قتال القوات الأمريكية حتى يغادر آخر جندي أجنبي بلاد الرافدين، مشيرا إلى أن القوات الأمريكية تنهزم في العراق. وأكد الدوري الذي يرجح غالبية المراقبين وعلى نطاق واسع أنه يقود المقاومة الوطنية في العراق خلال شريط صوتي عرضته وسائل الإعلام يوم الاثنين 9 يوليو “أن العدو وعملاءه يتعرضون للهزيمة”.وشدد الدوري على أن “حزب البعث سيواصل القتال حتى رحيل آخر جندي أجنبي عن أرض العراق وأن الجهاد هو الخيار الوحيد، وتصعيده حتى يفر آخر جندي من جنود العدو عن أرض العراق”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....

الأمم المتحدة: عدد الوجبات اليومية المقدمة في غزة تراجع بنسبة 70%
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن عدد الوجبات اليومية المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة انخفض هذا...