الثلاثاء 13/مايو/2025

عقوق الوطنية والبطولة في جنين!

رشيد ثابت

أنا لا أعرف أولئك الذين افتقدهم الشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة ليمدحهم ويثني على ماضيهم معه؛ ويذم بُدَلاءهم الذين ساءت بهم الصحبة وتبدلت الأحوال بسببهم جفوة وأذى. فمن هما هذان الفريقان النقيضان اللذان أحوجا الرجل أن يقول:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم * * * وبقيت في خلف كجلد الأجرب

فهل كان لبيد يسكن في جنين القسام؟ وهل فقد لبيد رجالا مثل الشهداء العظام محمود طوالبة و”أبو جندل” والأسير القائد البطل “جمال أبو الهيجاء” – فك الله قيده – وبقي في أشباه رجال مثل قطعان الأمن الوقائي؟ إنني أحسب أننا أهل فلسطين أولى بهذا البيت وأحق باستخدامه من لبيد. نحن أحق بتوظيف هذه الكلمات في ذم عباس وأشباه رجال عباس الذين استرجلوا فقط بعد رحيل الكبار! فبالأمس شهدت جنين حادثة عقوق وطني كبير؛ وواقعة استخذاء ودياثة سياسية وطنية عز نظيرها في كل أسفار العملاء؛ وذلك حين تصدت حفنة من جلاوزة عباس لمجموعة من مقاتلي حركة الجهاد الإسلامي نجحوا في استدراج ضابط صهيوني؛ وانتزعوا الأسير منهم؛ وعملوا على تأمينه وتسليمه لقوات الاحتلال آمنا سالما مطمئنا! فهل كان أحد يظن أن الدم يمكن أن يصبح ماء هكذا أو ربما نبيذا معتقا يمحق نصيب صاحبه من الحياء؟ وهل فكر هؤلاء العساكر المسلسلون بأطواق النحاس في مشاعر وأحاسيس أُسَرِ أكثر من أحد عشر ألف مخطوف فلسطيني فيهم المرأة والطفل والشيخ والمريض والعاجز؟ هل فكروا بأي وجه يقابلون أيا من هؤلاء أو أفراد عائلاتهم حين أعادوا هذا الصيد البارد وتلك الغنيمة المحققة لأسيادهم الصهاينة على طبق من فضة؟

الحديث يدور عن إعادة صهيوني من جنين المحتلة والساقطة عسكريا؛ فأي مجد أمني وسياسي سيتحقق للحديي فلسطين من هذه الخطوة؟ وهل هناك فعلا أي أمل بأي فائدة – حتى في عرف أهل التسويات – تتحقق من خدمة الصهاينة في عمل أمني في مدينة يخترقونها غازين كل يوم وكل ليلة؟ إنني متأكد أن من قاموا بهذا الفعل الجبان؛ وهذا العمل الذي يعكس جدبا في المروءة والرجولة – متأكد أنهم يعرفون أن لا قيمة أمنية وسياسية حقيقية تفيد فلسطين من وراء هذا الفعل؛ وأن أقصى ما يطمعون به هو تربيتة على ظهر الكلب من يد سيده؛ تلحقها عظمة يلقيها سائس الكلاب؛ يهز بعدها الكلب “البلدي” العقور ذنبه ويلهث تعبيرا عن سعادته لرضا السائس ورضا سيد السائس؛ وتعبيرا عن استعداده لمشاكسة جنين كلها حرصا على شعرة في مفرق كلب “صهيوني”!

وهكذا رأينا – في الشريط المسجل الذي وثق الحادثة وبث على صفحات شبكة فلسطين للحوار – كيف انتفخ الكلب “البلدي” يدفع عن الكلب “الصهيوني” وهو يصرخ في جمهور الناس الذين احتشدوا قائلا: “ما حداش يقرب عليه…ما حداش يقرب عليه”! وصدق القائل:

ذهب الذين هم الغياث المنزل *** وبقي الذين هم العذاب المرسل

رحل الأبطال عن عالمنا ورزئنا بالوقائي! فنحن في فلسطين ندفن الشهداء منذ عقود؛ وبتركيز عال في الأعوام الأخيرة؛ ولا تزيد لحوم وشحوم الخونة والسفلة إلا تكدسا وتراكما. جنين نفسها ودعت منذ يومين شهيدين من الجهاد الإسلامي؛ ومع ذلك لم تمنع أجواء الحداد “مقاوما” مزعوما مما يسمى بكتائب “ياسر عرفات” من مساعدة رجال الوقائي في “فك العاني” الصهيوني؛ الأمر الذي يلقي بظلال قاتمة على حقيقة مقاومة مثل هذه العناصر؛ وحقيقة تعرض مثل هؤلاء للمطاردة الحقيقية من الصهاينة. فهل من يصنع هذا مطارد حقا أم أنه عميل مندس بين صفوف المقاومين؟ أم هل هو مستلب مهزوم في نفسه يظن أنه بحمايته للضابط الصهيوني فسيكون له عند الصهاينة يد فينجو من المطاردة؟ لو كان الصهاينة “يثمر فيهم المعروف” لوجب عليهم السجود بين يدي من أخذت كتائبك اسمه؛ نظيرا لما قدم لهم من لحوم المجاهدين الشهية؛ ولما ضمن لهم من أمن؛ ولما سلم لهم من مطلوبين؛ ولما ساعدهم به من توطيد أركان حكومات العملاء في فلسطين! فهل تجد في سيرته وخاتمته ما يؤيد نظرية “هز الذنب” هذه؟

على أية حال ما حدث يجب أن يثير علامات استفهام عدة بخصوص تصرفات من ينسبون أنفسهم للمقاومة زورا وبهتانا؛ أولئك الذين صادقوا الصهاينة والصهيونيات ونجوا من كل ما عصف بجنين من أحداث؛ واغتيل أبطال الجهاد الإسلامي من حولهم في ظروف مثيرة للريبة والشبهة؛ وفي وقعات كان فيها “زعران” المقاومة على بعد خطوات من المستهدفين الحقيقيين الذين رحلوا الآن عنا إلى دار البقاء. يجب على الجهاد الإسلامي أن ينتبه وأن يفهم أنه إن كان قد اطلع اليوم على خيانة هذا العنصر الشاذ الغريب على المقاومة فلعله غاب عنه تعاون وتواطؤ عناصر آخرين ساعدوا في اصطياد نشطاء الجهاد عن طريق الخداع والتمحك بالمقاومة؛ وإلصاق أنفسهم بالعمل المقاوم عن طريق بيانات الكذب والدجل عن عمليات مشتركة مع الجهاد الإسلامي. ولا شك أن انخراط أولئك المشبوهين في أعمال التخريب والنهب والتدمير والاعتقالات والخطف والإرهاب التي طالت عناصر حماس وأسرهم وأموالهم في المدينة؛ وأن الكيفية التي ذهب فيها “الزبيدي” جفاء – لاشك أن ذلك كله دليل على أنهم شجرة خبيثة ما لها في أرض الشرف والطهر من قرار.

وكما انكشاف المخبوء للإخوة في الجهاد فإننا نأمل أن يكون ما حدث سببا لتخلص بعض الذاهلين الضالين من حمى التأييد الأعمى لفتح؛ وداء التعصب القبلي الطائفي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني! فحركة يتسابق سوقتها قبل قادتها لحماية الصهاينة حركة ماتت دماغيا وقلبيا؛ ولا يمكن أن يخفى على ذي عقل أن المصلحة الأولى في بقاء فتح الآن تتحقق أول ما تتحقق للكيان الصهيوني. فهل كان الكيان يحلم في أكثر نشواته وسكراته سوريالية أن يتحول بعض رعايا احتلاله إلى حراس أوفياء لا لمدنييه وحسب بل لعسكرييه أيضا؟! لقد نجح الكيان مع أمريكا والاتحاد الأوروبي والقادة الفاسدين في فتح في تحويل سؤال الوطنية والمشروع الوطني إلى سؤال عن حصة من كعكة الوطن تصغر أو تكبر بكبر أو صغر حجم الدور الخياني؛ لكننا نبشر الكيان بأن كل هذه الأحابيل البائرة والحيل القذرة لن تطيل في عمره! ففلسطين التي خبثت بعض فروعها من عملها غير الصالح لا تزال قادرة على رمي الصهاينة بالمزيد من أبطال جنين وصناع مآثر جنين؛ وبمثل هؤلاء إن شاء الله ستعود الملاحم الكبرى تمحو مخازي الصغار؛ وستطرد هذه الأرض خبثها؛ وستجدد في سفر التاريخ كتابة قدرها الناجز بإذنه تعالى تحت عنوان: فلسطين أرض مقدسة لا يعمًّر فيها ظالم ولا يملك قصبتها خائن!

 
* مستشار شبكة فلسطين للحوار

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات