الثلاثاء 13/مايو/2025

ماذا بعد العبث بأرواح الناس يا حكام المقاطعة؟!

لمى خاطر

لم يكن أحد يتخيل أن تصل درجة الهبوط الأخلاقي لحكومة الطارئين في رام الله حداً يجعلها تصل بعبثها وتخريبها إلى القطاع الصحي في القطاع عبر الاتفاق مع مأجوريها في النقابات الصحية لإعلان إضراب عن العمل في المرافق الصحية الحكومية في القطاع منذ الثلاثاء الماضي، وتهديد من يلتزم بدوامه من الموظفين بقطع راتبه، في مفارقة مخزية تكشف كيف أن هم النقابات المحسوبة على فتح كان ولا زال بعيداً كل البعد عن المصلحة الحقيقية لمنتسبي النقابات، وكيف أنها ليس أكثر من ستار لخدمة أغراض سياسية غير نظيفة أبدا!

هذا المسلك المشين وكل ما نتج عنه من حالات وفاة وتدهور في صحة بعض المرضى حتى الآن لا يمكن الاكتفاء بتصنيفه ضمن ما بات يعرف بحالة التجاذبات السياسية على الساحة الفلسطينية!! لأن من يحرض الموظفين على مغادرة أماكن عملهم وملازمة بيوتهم ويستخدم لقمة عيشهم كوسيلة للضغط والابتزاز لا يمكن أن يكون طرفاً فلسطينياً وطنياً ويجب ألا تصنف مواقفه في إطار (التجاذبات) بل في إطار الإجرام بحق الوطن والقضية والدفع نحو تصفيتها وإنهاك كل عوامل صمودها وتحويل جميع المواطنين إلى رهينة للمال السياسي الذي يملكه ربائب دايتون ويستخدمونه كسلاح لإحكام محاصرة غزة وتركيع أهلها وتركها لقمة سائغة أمام أية ضربة صهيونية قادمة!

وإلا ففي أي عرف يتم تعطيل العمل في أهم مرفق في الوطن ويتم تجاهل أنات المرضى وجرحى الاجتياحات وتترك الحالات الطارئة لتواجه مصيرها دون مبالاة من كثير من العاملين في القطاع الصحي، وفي وقت حساس جداً يفترض أن يكون الحال فيه رفع وتيرة الاستعداد لمواجهة أي طارئ إلى أعلى مستوياتها على اعتبار أن القطاع مهدد بالاجتياح على الدوام ولا يمر يوم دون أن يتم توغل صهيوني في بعض المناطق يخلف عدداً من الشهداء والجرحى..؟

في أي عرف يكافأ من يتخلى عن واجبه ويعاقب من يواصل العمل ليل نهار لتعويض النقص الحاصل في المستشفيات والعيادات الحكومية؟ وبأي حق ينصب القائمون على القطاع الصحي أنفسهم أوصياء على الشرعية أو مخولين بتحديد الجهة صاحبة الشرعية؟! وأي منطق يبيح لهم أن يطالبوا بألا يتم المساس بوظائفهم فيما هم ينفذون مؤامرة لجهة خارجية هي حكومة عباس في رام الله؟!

إن من يقرأ بيانات ما يسمى بالنقابات الصحية في القطاع يجد نفسه أمام منشورات سياسية من الطراز الرقيع، تدين تسييس القطاع الصحي في الوقت الذي لا تتورع فيه عن التشدق بالمطالبة بالالتزام بشرعية حكومة رام الله التي تعبث بأمن غزة وحياة أهلها، وتتحدث عن الواجب والالتزام وقد ارتضت أن تكون الأداة المنفذة للجزء المتعلق بها من مؤامرة الحصار متجاهلة ما ينطوي عليه من خطورة، وتنظر لحقوق العاملين في القطاع الصحي وهي أكبر خارق لها وعابث بها عبر إطلاقها التهديدات الرعناء بحق من سيعمل كبديل للعاملين المضربين!!

وإزاء هذا الوضع الخطير، فواجب الجميع أن يساهم في إيقاف هذا العبث القذر بحياة الناس ومصالحهم والابتزاز الرخيص للموظفين، لأن جريمة من هذا النوع لا تستحق سوى معالجة تناسب حجمها ولن تجدي معها الحلول المسكنة والترقيعية، والفصائل التي امتهنت إمساك العصا من المنتصف مطالبة اليوم بأن تنحاز للحق وللمصلحة الوطنية الحقيقية وعليها أن تعي بأن بيانات استنكارها الصفراء التي تصور الأمر كصراع بين قطبي الساحة الفلسطينية ليست سوى عملاً انتهازياً يحاول تحقيق مكاسب ذاتية عبر رمي الجميع بالتقصير وتحميلهم المسؤولية على حد سواء وتجنب تحديد المسؤول الحقيقي وخلفيات سلوكه وأبعادها!

أما حماس.. حركة وحكومة، فلا بد لها من خطة مواجهة شاملة لهذه الأزمة على مختلف المستويات المطلوبة ابتداء بتحديد رؤوس الأفاعي الناشطة داخل المؤسسات الحكومية والتي تمارس دور الوشاية بالموظفين الملتزمين بواجبهم، على أن يتم ذلك بطريقة مهنية وعبر تحقيق قانوني يغلق الطريق على أية محاولة لتصفية الحسابات الشخصية، ومعاقبة هؤلاء المخبرين والمحرضين على الفوضى بما يستحقونه حتى لو وصل الأمر لفصلهم ومنعهم من استلام رواتبهم من حكومة رام الله، ومن المهم أن يرافق ذلك حملة إعلامية تواكب ما يجري وأن يسبق أية خطوة تنفيذية إعلان وتحذير عبر وسائل الإعلام المختلفة وعرض لطبيعة الإجراء الذي سيتم اتخاذه مع كل حالة مخالفة.

كما يجب العمل على تأهيل أكبر قدر ممكن من الأطباء والممرضين الجدد لكي يكون باستطاعتهم مزاولة العمل في المستشفيات والعيادات بدلاً من المتخلفين عن أداء الواجب، ومن الضروري هنا أن يتم التمييز بين من يتخلف بملء إرادته وقناعته ومن يفعل ذلك تحت سيف الابتزاز المالي، فهناك حالات معينة يمكن التماس بعض العذر لها وبالتالي تجنب فصلها أو معاقبتها، على الرغم من أن تهديد حياة المواطنين جريمة لا تحتمل التسويغ!

وعلى المدى البعيد، أرى أنه ليس أمام حماس إن أرادت شل يد المخطط الدايتوني الجديد في غزة وسد المنافذ أمام مؤامرات حكومة رام الله سوى أن يستقل القطاع مادياً وأن يصبح بالإمكان توفير بديل مادي يغطي رواتب ومصاريف القطاعات المهمة فيه كالتعليم والصحة والبلديات، صحيح أن هذا الخيار صعب وشبه مستحيل في ظل الحصار المحكم على القطاع، لكن المحاصر لا سبيل أمامه سوى الاستمرار في اجتراح الحلول وتوفير البدائل وتبديد المستحيلات، ولطالما كانت الحاجة أم الاختراع، وما انفكت الأزمات تفرز تحدياً وإبداعاً وإصراراً على النجاح.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات