الإثنين 12/مايو/2025

نايف حواتمة .. العودة و أيلول !!

وائل كريم

اليسار الفلسطيني كغيره من الأيديولوجيات المختلفة التي نشأت و اشتد عودها في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر فيها فلسطين .. ففلسطين منذ قرن من الزمان تقريباً حتى يومنا هذا تمر بظروف استثنائية بدأت بالوصاية و الاحتلال البريطاني مروراً بالثورات و الإضرابات المختلفة إلى أن انتهينا لاحتلال سرطاني خبيث قام على أساس تهجير السكان الأصليين من أراضيهم و ممتلكاتهم و توطين المهاجرين اليهود في تلك الأراضي و الممتلكات ..

هذه الظروف الاستثنائية ساهمت و بشكل فعال في تشكيل الهوية الأيديولوجية لليسار الفلسطيني كما ساهمت في تشكيل أيديولوجيات الآخرين .. غير أن المتابع لتاريخ اليسار الفلسطيني منذ نشأته في فلسطين حتى الآن يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الانتهازية و الولاء المطلق للنظرية و لأقطابها في الإتحاد السوفيتي كانت ولازالت تشكل العامل الفارق في أيديولوجيا اليسار فكراً و تطبيقا حتى و إن كان ذلك الانتماء على حساب القضية المركزية التي لطالما تغنى بها اليسار و رفع شعاراتها المُتآكلة .. و هنا لسنا بحاجة للغوص في عمق التاريخ لتتدليل على صدق قولنا .. فموقف اليسار على اختلاف فصائله ممن يرفعون شعار الإسلام و الموت في سبيل الله أسمى الأماني معروف بل و يجاهر به أقطاب اليسار سيما أقطاب هذه المرحلة ..

حتى تتضح الصورة أكثر و كي نبرهن أن الانتهازية و الانتماء للفكرة عند اليساريين أقدس من الانتماء الموضوعي للقضية المركزية سنعود لمرحلة ما قبل نكبة العام 1948 حينما اتخذ اليساريون موقف المعاداة للحاج ” أمين الحسيني ” نظراً لتحالفه مع الألمان الذين وعدوه بمساعدته في تحرير فلسطين من الاحتلال البريطاني آنذالك ..

لعل هذا الموقف المثير و المُخزي لأقطاب و مؤسسي اليسار في فلسطين يؤكد و يبرهن على حجم الارتكاس في مسيرة اليسار فكراً و تطبيقا .. فالدافع الرئيسي لاتخاذ هذا الموقف آنذاك كان تحالف بريطانيا مع الإتحاد السوفيتي في الحرب لذا فقد أصر رواد و مؤسسو اليسار في فلسطين على معاداة الحاج ” أمين الحسيني ” لانتمائهم المطلق لأرباب النظرية في الإتحاد السوفيتي حتى و إن كان ذلك الانتماء يمثل انقلاباً على الفكرة المركزية التي نشأ عليها اليسار في فلسطين .

جاء قرار التقسيم في العام 1947 و تبنى رواد و مؤسسو اليسار في فلسطين موقف القبول الواضح الصريح من هذا القرار تأسيساً على انعتاق اليساريين من أي رباط قومي أو ديني أو عرقي يجمعه من الآخر من أبناء وطنه المُنتمين لأيديولوجيا أخرى و عليه فإن اليساري الصهيوني الآتي من ” سيبيريا ” يعد في فكر و أيديولوجيا اليسار ” رفيقاً ” و في ذات الوقت فإن الحاج ” أمين الحسيني ” يعد عدواً أو على أقل تقدير جزءاً من قائمة الأنداد نظراً لانتماء الحاج لتيار مخالف يرفع شعار الموت في سبيل الله أسمى الأماني .. !

لا نروم البتة من وراء هذا الاستشهاد التاريخي سوى التدليل على أن ما نشاهده الآن من مواقف مخزية و مثيرة من أقطاب المرحلة إنما يمثل جزءاً من النظرية و جزءاً من الهوية بعيداً على تأطير كل ما يجري على أنه يمثل خللاً في التطبيق النظري من قِبل بعض الأقطاب الحاليين .. و لعل الواقع الذي نعيشه بكل تحدياته خير دليل على ذلك .. !

اليسار الفلسطيني الذي يغص في أزمة فكرية حادة ولا يملك سوى تأطير الواقع بكل تحدياته و متغيراته في ” كلشيهات ” بائسة على غرار رجم الآخر بتهمة _ تنفيذ الأجندات الإقليمية _ إلى آخر سلسلة تلك التوصيفات العبثية لما يجري و ما تشهده الساحة من صراع بين تيار يمثل الخيار الوطني بمقاومته و صموده و تيار آخر يمثل الرديف الموضوعي للإمبريالية التي نشأ اليسار و ترعرع على فكرة سحقها و شطبها و مقاومتها و نُصرة كل المكلومين على امتداد البسيطة من شبح هذه الإمبريالية الآثمة ..

و هو في ذلك لا يرتقي بنظرته و مواقفه عن مستوى التنظير التجريدي المُفتقد لكل المدلولات الحقيقية مواقفَ و أحداثاً تجاه كل ما يجري و تجاه العاصفة التي تهدد الوطن و قضيته و مستقبل أجيالنا القادمة .

و لعلنا هنا نلقي الضوء على حدث مثير تناولته وسائل الإعلام المختلفة خلال الفترة الماضية للتدليل على صدق نظرتنا تجاه اليسار فصائلَ و مواقف و شخوصاً و أحداثا .. هذا الخبر مفاده أن الرفيق نايف حواتمة سيعود أخيراً إلى أرض الوطن ! الرفيق حواتمة صاحب التاريخ المجيد بدأً من أيلول و دوره التاريخي في أحداث أيلول الأسود بل في دوره التاريخي في _ الشرارة _ التي أشعلت أيلول الأسود انتهى أخيراً هذا التاريخ المجيد الحافل بالمواقف و الأحداث إلى العودة إلى أرض الوطن صاغراً ذليلاً بعد أن خط له ” حذاء ” السيد أولمرت طريق العودة إلى الوطن ..

و هنا لا أريد الحديث كثيراً عن تاريخ الرجل و دوره العظيم في الثورة الفلسطينية المعاصرة فالتاريخ كفيل بالحديث عن كل هؤلاء ممن تاجروا بالقضية و انزلقوا في آتون التجاذبات الإقليمية و ما ترتب على كل تلك المواجهات الخاسرة بحق لاجئينا المشردين في منافي اللجوء و التشرد .. هذه المقامرات التي قادها الرفيق حواتمة و غيره من أقطاب منظمة ( التحرير ) سنتركها للتاريخ يتحدث عنها و يقيني أن التاريخ لا يعرف الخطأ أو الزلل و لا تربطه رابطة انتماء تنظيمي بحماس أو غيرها من التيارات الإسلامية ( الظلامية ) التي يمقُتها الرفيق حواتمة ليحابي حماس أو غيرها على حساب الرفاق و أقطاب المنظمة .!

لن أتحدث عن الشعارات الجوفاء التي رفعها الرفيق حواتمة على مدى أربعة عقود مضت تقريباً كمثل شعار _ طريق العودة تخطه فوهات البنادق _ و شعار _ جعلت من جسدي جسراً و قلت يا رفاق هيا اعبروا _ إلى آخر تلك الشعارت التي كان يتحدث يسارنا العتيد بطريقة ” الوجد الصوفي ” عن العودة و الثورة و البنادق و الوطن و غيرها من ” كلشيهات و براويز ” العمل الوطني .. و كيف تخلى الرفيق حواتمة عن فوهات البنادق و قبِل صاغراً ذليلاً أن يخط ” حذاء ” السيد أولمرت طريق عودته !

أيضاً لن أتحدث على مدلولات فصيل فلسطيني ثائر رافض لمشروع _ أوسلو _ كيف يُمنح أمينه العام تذكرة العودة من ” حذاء ” السيد أولمرت حتى و إن كان الرفيق حواتمة ” ميكيافلياً ” للعظم فإنه ليس من المقبول وطنياً و شرعياً و أخلاقياً أن يقبل هذه العودة ذليلاً صاغراً حين تكون عودته مرهونة برضاء و كرم ” حذاء ” السيد أولمرت .. و لعله هنا تثور ألف علامة سؤال و عشرون ألف علامة تعجب عن مدلول الشطر الثاني من اسم الفصيل الذي يتزعمه الرفيق حواتمة أقصد هنا _ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين _ فقد آن لنا أن نعرف مدلول التحرير و مدلول فلسطين عند الرفاق في الجبهة الديمقراطية .. أليس كذلك ؟!

ما سأتحدث عنه هنا ينحصر فقط في آخر ما صدر عن الرفيق حواتمة .. فالرفيق حواتمة و بعد أربعة عقود قضاها في خنادق الثورة و الحفاظ على القرار الوطني بعيداً عن الأجندات الإقليمية و الارتماء في أحضان الإمبريالية الآثمة في غرب الأطلسي أو الارتماء في الأحضان الصفوية في شرق الخليج العربي يصر على أن عودته لا بد أن تكون ذا _ ثمن _ يعادل حجم تضحياته الجسام و هنا لا يرى _ ثمناً _ مناسباً أكثر من كرسي الرفيق ياسر عبد ربه بمعنى أمانة سر منطمة ( التحرير ) الفلسطينية ..

إضافة لذلك و كون الرفيق حواتمه جشعاً ” زيادة عن اللزوم ” فإنه يطمح أيضاً في منصب شهبندر المفوضات ” صائب عريقات ” تأسيساً على أن الشهبندر _ إبن العميل كامل عريقات _ كما وصفه الرفيق حواتمة حرفياً .. الذي بايع الملك عبد الله جد الحسين بضم الضفة الغربية عقب مؤتمر أريحا عام 1953 لا يجوز لنا أن نستأمنه على مستقبلنا و على قرارنا الوطني المستقل و على أرضنا . أوهل يجوز لنا بعد كل تلك التضحيات العظام أن نضع رجلاً غير مناسب في مكان خطير و حساس بهذا الشكل .. لذلك و خوفاً على أربعة عقود قضاها الرفيق حواتمة في خنادق الثورة يصر الرفيق حواتمة على منصب ” كبارة ” المفاوضين لحماية الوطن و المشروع و القضية من التدليس أو الاحتيال الذي قد يقوم به ” عريقات ” !!

و لعل أحداً هنا يظن أن إصرار الرفيق حواتمة على ” كبارة ” المفاوضين يعود لشيء في نفس يعقوب .. فقد يكون الرفيق قد خطط لتنفيذ عمليه استشهادية في طاقم المفاوضات الصهيوني سيما و نحن نتحدث عن وزراء و مسؤولين رفيعي المستوى يشرفون على المفاوضات من الجانب الصهيوني .. فلعل الرجل هنا قد قرر اختتام 73 عاماً قضاها ثائراً رافضاً لكل مشاريع التسوية و التفريط بعملية بطولية تخلد ذكراه أبد الآبدين في ضمير و فؤاد كل الثوار على امتداد رقعة هذا الكوكب و في الكواكب المجاورة أيضاً ..

لذا و حتى لا يلتبس الأمر علينا و منعاً للظنون أن تذهب بنا بعيداً فقد نقلت مصادر مقربة من الرفيق حواتمة بعضاً من أحاديثه الخاصة و هذا جزء منها نُقل حرفيا _ يمقت كل الإسلاميين من المتطرفين إلى المعتدلين إلى الطهاريين إلى الشياطين _ !!

أعتقد أن الصورة الآن قد أصبحت واضحة على وجه اليقين و ما توقيت عودة الرفيق حواتمة في هذه المرحلة الحرجة و الخطيرة عشية مؤتمر ” أيلول ” القادم سوى ليكمل الرفيق حواتمة حلقة أخرى من حلقات أيلول الأسود الذي برع في نسختها الأولى عام 1970 و جاء الوقت لإكمال باقي حلقات المسلسل لتنعقد صفقة بيع فلسطين و تخرج لنا في ثوب من الإجماع الوطني كما يريدها بوش وأولمرت و باقي كهنة مقاطعة الضلال و الفجور في رام الله !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات