الحقوق الفلسطينية بين التجارب و الاستنساخ

من المفارقات العجيبة التي يشهدها الشعب الفلسطيني من خلال كل المحطات التي مر بها على مدار السنوات الفائتة وتحديداً بعد اتفاقية أوسلو وتداعياتها السلبية على الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني وما شهدته القاهرة وغزة وسوريا ومكة من حوارات وطنية نجم عنها إيجاد برنامج سياسي فلسطيني يتناول كافة القضايا الفلسطينية الداخلية والخارجية بما يضمن ترتيب البيت الفلسطيني وآليات دخول المنظومة الدولية محافظين على حقوقنا وثوابتنا مروراً بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية .
فالراصد لكل هذه المحطات والمهتم بتقييم الوضع الفلسطيني باستطاعته أن يرسم منحنى السياسية الفلسطينية مروراً بتلك المحطات في كل مراحلها ابتداءً من الهبوط في المنحى السياسي والوطني الفلسطيني في ظل الاستفراد وسياسية الحزب الواحد ومروراً ببدايات الصعود في ظل التوافق الوطني الفلسطيني وممارسة الحق الديمقراطي وانتهاءً بما حدث من عمليات النسف المبرمج والممنهج لكل ما استطعنا بناءه سوياً ضمن مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية على اعتبار أن النتائج لم تكن مطابقة لرغبات الإدارة الأمريكية التي وعدت دولة الكيان الإسرائيلي بالحفاظ عليها حتى لو أدى ذلك إلى نسف كل ما اشرفوا على إنشائه وتحت كل العباءات .
هذا المنحنى يعطينا دلالات عجيبة تحتاج إلى وقفات من التقييم الحقيقي للواقع الفلسطيني يستفاد منه في تحديد بوصلة العمل السياسي وتحقيق المصلحة الوطنية وكيفية تصحيح هذا المنحنى بما يضمن الارتقاء والصعود بالمشروع الوطني بشكل عام .
واضح انه من خلال التجربة أن الاستئثار بالقرار والاستغناء عن الآخرين وتقويض الحقوق واجتزائها والارتهان إلى حسن النوايا في التعامل مع العدو الإسرائيلي والذهاب معه حيث يشاء وكما يشاء ضمن مفاهيم الاسترضاء والاستجداء من هذا العدو المجرم بعيداً عن كل التوافقات الفلسطينية وكذلك بمعزل عن الإجماع والتوافق العربي والارتهان للمواقف الأمريكية والنوايا الحسنة الإسرائيلية التي أبدوها لهم في كل اللقاءات السرية والمعلنة هي سياسية خاطئة أثبتت فشلها ودمرت أمال وطموحات المجموع الفلسطيني.
ومن المفارقات العجيبة تواصل اللقاءات الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية ومعها تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وعلى الأرض الفلسطينية مع تواصل الإنكار الأمريكي للحقوق الفلسطينية ؛ مع أنهم هم الذين رعوا عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وانتهى المطاف الأمريكي الإسرائيلي بعدم وجود شريك فلسطين للسلام وأن السلطة الفلسطينية خيبت أمال الإدارة الأمريكية ؛ فهذا أيضاً عجب عجاب بل لم تقف الأمور عند هذا الحد بل وانتهى المطاف في التخلص من رئيس السلطة الفلسطينية السيد ياسر عرفات واختاروا له هذا النهاية المؤلمة وللأسف الشديد ذهبت السلطة وذهب الرئيس وذهب كل شيء وبقى الاحتلال وحالة الإسناد الأمريكية له وتلاشت أمال وأحلام السلطة الفلسطينية والدرس كان قاسياً ورغم قسوة الدرس ومرارة المعاناة فهل يا ترى الآن مؤتمر الخريف المقبل هو إعادة لعجلة الزمان إلى الوراء واستنساخ تجربة فاشلة وإنتاجها من جديد بمثابة دمار للمشروع الوطني الفلسطيني و نتاجها تثبيت الحق الإسرائيلي في فلسطين وإعطاء مبررات التطبيع العربي والدولي مع الاحتلال .
وما الذي تغير حتى نستنسخ نفس التجربة فالسياسة الأمريكية كما هي بل أسوا بكثير ، والاحتلال الإسرائيلي كما هو بل أسوأ بكثير وعلى ما يبدو أن الذي تغير هو شخوص الإدارة الأمريكية وشخوص الحكومة الإسرائيلية وقتل ياسر عرفات . وتم تغيير شخوص السلطة الفلسطينية وعلى ما يبدو أيقنت أمريكا وإسرائيل بوجوب تغيير الرئيس الفلسطيني بأية وسيلة أو طريقة وآمنوا بوجوب استحضار ورقة توت فلسطينية يمسك بها رئيس جديد يستر عورات الأمريكان تارة ويستر عورات الاحتلال تارة أخرى فأصبحنا سلعة في يد المرشح الأمريكي يقدمها ويوفرها متى يشاء وكيف يشاء وحسب مصلحته الشخصية والحزبية وأيضا في يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يسترون بها عوراتهم أيضا كلما فشلوا أو أخفقوا في تحقيق برامجهم وانهارت مشاريعهم.
مستحضرة أمريكا وإسرائيل الدور الفعال الذي لعبه محمود عباس في هندسة اتفاقية أوسلو وعدم تأثره لا بتداعياتها ولا بانعكاساتها ولا حتى بفشلها ولم ينسوا له بقاءه جالساً على مقعده بجوار الساسة الإسرائيليين والأمريكان بينما أصر الرئيس عرفات على مغادرة القاعة لربما لشعوره بخطورة المؤامرة على القدس والمقاومة واللاجئين في كامب ديفيد وعلى ما يبدو أنهم درسوا قناعات محمود عباس جيداً بعدم جدوى المقاومة ودرسوا تاريخه جيداً فإنه لم يقاوم ولم يحمل سلاحاً وقناعاته بالحلول الخلاقة لقضية اللاجئين كل ذلك كان حاضراً في ذهن الساسة الأمريكان والإسرائيليين عندما اختاروا هذه النهاية المؤلمة للرئيس ياسر عرفات وفي نفس الوقت تم إعادة منتجة لمحمود عباس من جديد وانهالت التبريكات الإسرائيلية والأمريكية وكأنه الخيار الأوحد للشعب الفلسطيني وغيره الطوفان وهذا ما عشناه عملياً وواقعياً على مستوى السياسة الفلسطينية .
وعلى ما يبدو أن مؤتمر الخريف المقبل خطط له سابقا والأمر يحتاج إلى نسف كل التوافقات الوطنية الفلسطينية وندخل في سياسة العد مجدداً بعد استثناء القضايا الرئيسية للشعب الفلسطيني . ويتم التحضير لهذا المؤتمر بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة من حصار وعزل وتدمير واعتقالات واغتيالات وتقسيم الشعب والأرض والتنسيق الأمني على أعلى المستويات حتى ولو على حساب وحدة الأرض والشعب والقرار وحق المقاومة بعد إسقاطها من حساباتهم وادعوا أنها أعاقت قيام الدولة الفلسطينية ونعتها بالمليشيات المسلحة في مواقف معلنة ومفضوحة فهل يا ترى ماذا سيجني أبو مازن من مؤتمر الخريف بعد أن قدم كل شيء وأعطى كل شيء وأنهى كل شيء ودمر كل شيء كما طلب منه فهل سيحصل عل شيء؟؟ هذا كله سيكشف عنه منحنى الهبوط والهبوط في سياسية محمود عباس ولن يحصل على شيء سوى وعود الوهم والخيال فقط.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...