عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

فتح والاسـتفزاز الإعلامي لحماس

أمين راشد

لا زلنا نشهد حرباً إعلامية شعواء على إثر التجاذبات السياسية والأقطاب المتعددة في الساحة الفلسطينية ، ومما أثار كل مكامن الغرابة والاستهجان بداخلي ، أن حماقاتٍ إعلامية عطلت أذهان العقلاء والمحللين وأصبح المنهج التحليلي يعتمد في المحصلة “مقلوب النتيجة” التحليلية بدلاً من اعتماد النتيجة نفسها، لانقلاب الموازين تماماً، كما عبر عنها الكاتب عوني أبو هربيد في مقالة تحت عنوان “دعوة إلى تغيير الشعب الفلسطيني” متهكماًَ على الواقع المتهرئ والرؤى السياسية الخيانية التي لا زالت تعد نفسها أطهر من ماء زمزم وتتعارض مع الإرادة الفلسطينية.

فكما ضرب الرئيس الأمريكي بوش بعرض الحائط قرارات الكونغرس الأمريكي التي أوصت بالانسحاب من العراق ورد على هذا القرار بإرسال كميات أكبر من الجنود –على حساب ثلاجات الموتى- ، وكما استمر أولمرت في سياسته الانهزامية كما يراها الشارع الصهيوني وكأن حكومته تعيش أفضل أوقاتها وهي المتسربلة بالهزائم المتكررة والفساد الداخلي العام، وضمن المنظومة المذكورة ؛ غدت حركة فتح في الآونة الأخيرة تلعب الدور الأحمق المماثل في الداخل الفلسطيني وتثير العديد من علامات السؤال والاستفهام ، وكأنها ذو أيدٍ ملآنة تقع على كنز محكم يضمن لها العيش الكريم أبد الدهر، ولا يعدو كونه سراب الشرق أوسط الجديد والتبعية المطلقة للإدارة الأمريكية.

ومن ضمن الاستفهامات التي تثير الاستغراب وتنشر علامات التعجب، قيام الإعلام الفتحاوي في الآونة الأخيرة بحبك العديد من المسرحيات والتمثيليات والفبركات الإعلامية بهدف تشويه صورة حماس ، وفي الحقيقة كنت أستمع كثيراً وأشاهد كبقية المواطنين الفلسطينيين ما ينشره الإعلام الفتحاوي ، وأستغرب هنا ؛ أهو غباء أم استغباء؟؟!! أم أن فتح آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ذات المجتمع الملائكي الذي لا يخشى لومة لائم ذو الصفحات النقية ناصحة البياض ؟؟!! وتساءلت: لماذا ينتهج الإعلام الفتحاوي نهجاً من شانه استفزاز حركة حماس لإظهار ملفات الفساد المتوفرة من خلال الكنز الإعلامي الذي وقعت عليه في غزة ؟؟!!

مما لا شك فيه أن الغريق لا يخشى من البلل ، وهذا بالتأكيد ينطبق على الواقع الفتحاوي في كل مكان في الضفة المحتلة أو في قطاع غزة العزيز ، ولا شك في كون فتح لا تهتم –Don not care- بعد أنهار الدماء التي تتدفق من أيدي ميليشياتها ومرتزقتها هنا وهناك ، ولا مجال للحديث عن علمانيتها وقد تجاوزت فتح العلمانية حين استهدفت المساجد ودور القرآن الكريم ومسجد عمر بن الخطاب في مدينة قلقيلية ليس بعيداً عما نقول، لكن الباحث في شأن الحركة والمطلع على المسلسل التاريخي لها يدرك تماماً أن فتح تنطلق بقراراتها من خلال معادلات داخلية بحتة ترتبط بشكل وثيق بضمان الخلود الأبدي على الكراسي والتجارة التي تضمن الأرباح المتعاظمة ليل نهار وإن كانت على حساب نور يضيء ظلمات مليون ونصف مليون فلسطيني.

فتح التي لا زالت تثأر وتنتقم لتجارتها الكاسدة التي ضُربت في غزة ، هي الآن وضمن معادلتها الداخلية تمارس إعلامياً نهجاً لا يمكن تفسيره غير كونه يفرز قادة جدد للحركة من خلال تصفية بعض الأسماء وفضحهم إعلامياً بصورة غير مباشرة من خلال استفزاز حركة حماس لنشر المعلومات والوثائق العديدة المتوفرة لديها ، حتى تخلو الساحة لبعض المترنحين الذي تغازل عيونهم الكراسي والمناصب والمسميات الكبيرة ، وإلا فماذا يعني أن يدير “أبو إيمان” الطيراوي حملة مؤيد بني عودة ؟؟ وماذا يعني تفعيل ملف شركة الكهرباء الذي أدى إلى كشف حقيقة الفساد بألسن المحايدين والشهود العيان من كل أبناء الشعب ؟ وماذا يعني محاولة الأجهزة الأمنية فبركتها لاعترافات جاهزة تنال من صيت قادة حماس وإجبار أبناء حماس المعتقلين لديها في الضفة للتوقيع عليها تحت التعذيب والتهديد والممارسات الهمجية في السجون ؟؟ فهل تنتظر فتح من حماس نشر ملفات الفيديو التي تبين “هدّاماً أحمقاً” في وضع غير أخلاقي في أحد مقرات الأجهزة الأمنية ؟!!!

باعتقادي المسألة لا تخرج عن أحد تفسيرين: الأول في كون المتنفذين في فتح متسربلين بالفساد وبأدنى حد بالخيانات الوطنية تحت أضواء “اللي بيشوف واحد حامل صاروخ يضربوا ، يقتلو، يطخو، … ” ، وهم يسعون إلى تطهير كافة القيادات الفتحاوية من بقايا المواريث الوطنية أو الأخلاقية بحيث تتكون حالة من التوازن لتحلو على إثرها الجلسات التنظيمية القيادية حين يكون لا فرق بين هذا و ذاك .

والتفسير الثاني وقد يكون أقرب إلى الصحة؛ ويتمثل في تصفية حسابات بين قيادات فتح خاصة من قبل أولئك الذين يعملون ليل نهار ويكلفون في معظم الأحيان بالتنفيذ الإعلامي والميداني بشكل غير ظاهر نسبياً فيستفزون حين يدعون الحصاد الإعلامي أو غيره يصب في حساب اسم آخر هنا أو هناك ، فالمسألة في الواقع الفتحاوي تتجاوز المال لتصل إلى عشق بريق المنصب والكرسي، وهذا الصعود المنحدر لدى فتح هو من جعل بعض المغاوير الفتحاوية في مدينة نابلس -على سبيل المثال- لا تكتفي بالأجرة المالية على الحرق والنهب والقتل ، بل تعدى ذلك لتعيين مدير للتربية والتعليم على مقاساتها.

إذاً، فلنبحث في التاريخ عن المصير الحقيقي لهذا المنهج الذي تمارسه فتح في الإعلام وغيره، لندرك في النهاية من الذي سيقع في الحفر التي يحفرها بيديه لغيره، وحسب قانون الاحتمالات فكلما كثرت الحفر ازدادت احتمالية الوقوع واقتربت.

وفي النهاية لا نرى فتح تتجاوز أحد حدين في أحسن أحوالها ، ويتمثلان من خلال الشريط الكنز الذي يعبر عنهما بدقة بالغة كبيرة ؛ فالحد الأول: “اللي بيشوف واحد حامل صاروخ يضربوا ، يقتلو، يطخو، …” والحد الثاني: “عندنا جيش بيسد عين الشمس ، والله ما بيوخدوا معنا غدوة” ولا داعي لتفسير حقيقة الأول أو مصداقية الثاني؛ وبين الخيانة والكذب حدّث ولا حرج !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات