غزة إذ تغُص في الظلام .. تُنيرُها أفئدة المؤمنين

و تأبى غزة هاشم إلا أن تبقى دوماً قاهرة الغُزاة و المعتدين مُذلة الطغاة و المُتجبرين و الصامدة الراسخة في وجه كل مؤامرات الخونة و المفرطين .. أوهل رحماً أنجب الياسين و الرنتيسي و المقادمة و شحادة و الزهار و هنية و صيام إلى آخر سلسلة العظماء يمكن أن يقبل لقاح الردة و المساومة ؟! أوهل يستقيم أن يُنجب ذات الرحم ألا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟! أوهل يمكن لتلك الأفئدة الطاهرة المُستنيرة بنور الله أن تصرعها ظُلمات الظلمة الظالمين الظلاميين ؟!

بعد شهرين على انتهاء معركة التطهير في غزة هاشم و بعد سلسلة لا متناهية من مؤامرات التركيع و التجويع التي خططت لها مقاطعة الفجور و الضلال .. أطلت علينا أخيراً مؤامرة السواد و الظلمات لكسر الإرادة التي أعجزت الجوع و الحصار التي استهدفت و على لسان كهنة المقاطعة _ العودة للحالة السابقة ليوم 14 / يونية / 2007 _ !!

هكذا و بكل خفة و ” استهبال ” يظن كهنة مقاطعة الفجور و الضلال أنه يمكن للظلام و الظلمات أن تدفعنا صاغرين لنقبل العودة للحالة السابقة لـ 14 / يونية / 2007 .. ليقوم على أمرنا ثلة من المرتزقة المُفسدين الفاسدين على شاكلة ” سليمان أبو سمهدانة ” مدير شركة الكهرباء سابقاً الذي ضُبط بحوزته ثلاثة عشر مليون دولار من أموال الجباية و أثمان بيع الوقود المُخصص لمحطة توليد الكهرباء في قطاع غزة !

حقيقةً إنه لأمر مثير للسخرية و الضحك أن تأتي تصرفات ” صغار السياسة ” بهذا الشكل الساذج و الرخيص .. كيف لهم أن يظنوا أن إرادة لم تنحنِ للجوع و الحرمان يمكن أن تصرعها ظلمات الليل ! .. أوهل من المنطق و المعقول أن نصمد في وجه الجوع و الحرمان و أن تُعجزنا ليالِ نقضيها في الظلام ؟! حقاً إنها لتصرفات مثيرة للضحك حد ” القهقهة ” .. يبدو أنه يجب على المتقدم لشغل وظيفة ” طارئ ” أن يكون ذا باع طويل في أساليب ” الاستهبال ” و أن تتضمن سيرته الذاتية ما يفيد أنه يمتلك مواهب بهلوانية تصلح لإثارة الضحك و السخرية ..

بعد يومين فقط على بدء مؤامرة الظلام على غزة هاشم لعل أموراً كثيرة تغيرت أو شابها بعض الاختلاف عما عهدناه في الفترة السابقة لبدء مؤامرة الظلام و لعلنا هنا لا ننكر وجود خسائر مُني بها قطاع غزة بفعل هذه المؤامرة الرخيصة و القذرة فكثير من المصانع تعطلت لعدم وجود الطاقة التي تُدار بها هذه المصانع حيث إن الكهرباء لا تتوافر إلا لبضع ساعات و بشكل مُتقطع .. الشوارع يعمها الظلام طوال الليل .. المواطنون يعانون الأمرين جراء موجة حر الصيف الحارقة إلى آخر تلك المظاهر السلبية التي ترتبت كنتيجة لمؤامرة الظلام .

لكن بالمقابل فإن الإيجابيات التي ترتبت نتيجة لهذه المؤامرة تكاد تتساوى مع السلبيات إن لم تكن تتفوق عليها لو أخذنا بعين الاعتبار الأثر بعيد المدى المُترتب على تلك المظاهر .. و هنا لا أبالغ حين أقول أن على علماء الاجتماع متابعة التغيرات السلوكية التي ترتبت بعد يومين من بدء هذه المؤامرة سيما و أن قطاع غزة عاش ذات التجربة في العام الماضي بعد عملية ” الوهم المُتبدد ” و التغيرات السلوكية التي نتحدث عنها هنا هي ذاتها التي نشأت في ظل التجربة الأولى في صيف العام 2006 حين ضربت الطائرات الحربية الصهيونية محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة و عاش القطاع شهوراً في الظلام .

و لعله من الجدير هنا أن نتحدث عن بعض تلك المظاهر سيما تلك ذات الأثر بعيد المدى .. و هنا نستهل الحديث عن مساجد قطاع غزة و التي نلاحظ زيادة عدد المُصلين فيها خاصةً في صلاة المغرب و صلاة العشاء فالملاحظ في اليومين الماضيين هو زيادة ملحوظة في عدد المصلين بل إن المصليين لا يراوحون المسجد بعد انتهاء صلاة المغرب بانتظار صلاة العشاء و في هذه الفترة يستغل أحد الدعاة أو الأئمة وجود هذا العدد من المصليين ليلقي درساً في أمر ما من أمور العقيدة ليذكر الناس بأركان عقيدتنا الإسلامية التي انشغل عنها البعض بفعل أمور الدنيا الفانية .. و ما أن تنتهي تلك الدروس إلا و تلتف الحلقات و يبدأ الحديث في تلك الحلقات و لست بحاجة هنا لأذكر طبيعة تلك الأحاديث فالجميع يدرك طبيعة الأحاديث التي تدور في المساجد ..

الظاهرة الأخرى التي أود الحديث عنها هي جلسات السمر في الشوارع .. ففي ظل الأمن الذي تنعم به شوارع قطاع غزة الآن تنعقد جلسات السمر في كل شارع و حارة بين الجيران لقضاء فترة المساء و الحديث و النقاش سيما عن الأوضاع التي يمر فيها قطاع غزة و ما بين الضحك و في بعض الأحيان التجاذبات و النقاش الحاد تنتهي تلك الأمسيات و يعود كلُ إلى بيته حاملاً أفكار و قناعات جديدة أو قد يكون لازال راسخاً على قناعاته لكن في جميع الأحوال أكاد أجزم أن رباط الحب و المودة بين الجميع أقوى من أن يقطعه الاختلاف .. فالظلم و الظلام يوحد كل الفرقاء فكيف إن أضفنا للظلم و الظلام الجوع و الحرمان و رجالاً قد لا يملكون ثمن طعام أطفالهم في اليوم التالي !!

الظاهرة الثالثة تتعلق بأمسيات النساء و الأطفال في المنازل .. و هنا أسجل احترامي و إعجابي بالقائمين على إذاعة _ صوت الأقصى _ الأثير الوحيد الذي يغطي قطاع غزة الآن تقريباً و الذي يستمع له الجميع لمتابعة التطورات التي تجري .. فما أن تنتهي نشرات الأخبار في المساء إلا و يبدأ بثاً حياً يتحدث فيه الناس عن مشاكلهم و همومهم يتخلل تلك الموجات المفتوحة أحاديث لبعض الدعاة و رجال العلم الشرعي لطمأنة الناس و بث روح الصمود و التحدي و الحديث عن قصص الصبر و قصص المؤمنين الأوائل و ما تعرضوا له في سبيل أن تبقى راية الإسلام العظيم عالية خفاقة .. إضافة لبعض البرامج الدعوية المُسجلة مع الدعاة و رجال العلم الشرعي و التي تحض على الصبر و الصمود و على أن هذا الصمود جزء من العقيدة فنحن أهل الشام في رباط إلى يوم الدين .. حينها يتصاغر الظلم و الظلام و كل ما نتعرض له في أعين المُستمع و ينعكس كل ذلك على نفس المُستمع و كأنها النار التي قال لها رب العزة كوني برداً و سلاماً على إبراهيم ..

هذه بعض من المظاهر التي عاشتها غزة هاشم في صيف العام 2006 بعد ضرب محطة توليد الكهرباء التي تُغذي قطاع غزة من قِبل الطائرات الحربية الصهيونية .. و هاهي التجربة تتكرر للمرة الثانية بفعل كهنة المقاطعة الذين صدق عليهم قول الله عز و جل ( الله يستهزئ بهم و يمدهم في طغيانهم يعمهون ) صدق الله العظيم .. فهل يضيرنا بعد كل هذا أن نحزن على حلقة من مسلسل تلفزيوني هابط أو فلماً على ” روتانا سينما ” لم نتمكن من مشاهدته لأن ” المالكي ” ظن أنه قد وجد الإكسير الأنجع في _ إسقاط القلاع و اختراق الحصون _ ؟!