من حكايا مافيا فتح: ما وراء انقطاع كهرباء غزة

التفاصيل التي تتسرب عن ما ورائيات ما حصل في قصة انقطاع كهرباء غزة مدهشة ومثيرة للغاية؛ وأحسب أنه لم يكن في وسع أكثر أعداء فتح نقمة على قادتها وعلى خونتها وعلى فسادهم أن يؤلف ضدهم قصة فيها من الجريمة المافيوية الطابع ما يتفوق على بشاعة حقائق تورط هذا الفريق الضال بالجريمة والفساد في قصة الكهرباء هذه. صحيح أن خبر انقطاع كهرباء غزة اشتهر وانتشر؛ إلا أنه جرى نقل النبأ في أغلب وسائل الإعلام من زاوية أن هناك مصيبة أخرى أضيفت إلى حمل متاعب أهل القطاع؛ وأن الأمر – شأنه كشأن باقي أمور فلسطين هذه الأيام – محل جدل بين حماس وفتح وعرضة لتبادل التهم بينهما كالمعتاد. لكن ها هو نائب رئيس سلطة الطاقة المهندس كنعان عبيد وعدد من شرفاء موظفي شركة الكهرباء يحكون الحكاية أخيرا من أولها؛ وها هم بينوا كم أن ما تورط به رموز فتح يتفوق في وساخته على ما كان يدور في الطوابق تحت الأرضية في شيكاغو وفي الأوكار المعتمة في جزيرة صقلية موطن نشأة المافيا الأول!
مدير كهرباء غزة سليمان أبو سمهدانة هو أول “مافيوزو” يظهر في الصورة. هذا الرجل سبق له أن قام بما تعجز شياطين الجن عن التفكير فيه؛ فهو وعصابته استولوا على محولات كهربائية خلفها الاحتلال في المستوطنات التي تم أخلاؤها؛ وبقدرة قادر تم تلفيق أوراق تبين أن هذه المعدات جديدة مشتراة من مؤسسات تجارية دولية وهمية بطبيعة الحال؛ وتم تحصيل فواتير باسم هذه المشتريات التي لم تتم؛ لبضاعة هي في حكم اللقطة؛ ولم تكلف أكثر من نقلها بالشاحنات عن بعد مرمى حجر! هذا طبعا ناهيك عن الاستيلاء على منح أوروبية بملايين الدولارات؛ واقتسامها مع عدد من المتربحين والمنتفعين تحت غطاء أنها أنفقت على مشاريع تطويرية. هذا في حين أن هذه المشاريع لم تكن إلا مشاريع وهمية نظمت لها عطاءات وهمية؛ ولم يجر عمليا بسببها ولا مد ذراع واحد من الأسلاك! كل ذلك بخلاف سرقة وقود الكهرباء؛ وتقديم فواتير مزيفة بأسعاره للاتحاد الأوروبي الذي يمول شراءه!
لكن أبو سمهدانة لم يكن إلا طليعة رجال العصابة هنا؛ فخيط الجريمة يمتد ليصل غزة برام الله: تحديدا بمازن جاد الله مدير عام العلاقات المالية والمشاريع في وزارة المالية. هذا الرجل هو حلقة الوصل بين “حرامية غزة” والرؤوس الكبار في رام الله؛ وهو في موقع قرار في العصابة أكبر من موقع أبو سمهدانة؛ بدليل أنه هو – كما سيتضح بعد قليل – من أدار أزمة كهرباء غزة… هذه الأزمة التي سنعرف أنها لم تقع إلا للتغطية على اكتشاف جرائم فساد شركة الكهرباء!
فقبل وقوع الأزمة في شكلها الخارجي – توقف الاتحاد الأوروبي عن دفع ثمن الوقود بحجة أن حماس استولت على حسابات شركة كهرباء غزة – كانت القوة التنفيذية قد اعتقلت سليمان أبو سمهدانة بتهم فساد بخصوص دوره في العصابة؛ وعثرت في منزله على مبلغ ثلاثة عشر مليون دولار نقدا فقط! وكاستجابة لهذا الهجوم قررت حيتان الفساد الفتحوي الرد بافتعال أزمة هي الأكثر إبداعا في أدب الخسة والنذالة؛ لكنها طبيعية وفق الميزان الخلقي الفتحوي الانتهازي! ومرر مازن جاد الله عن طريق بعض “الوسطاء” رسالة لحماس مفادها أن إطلاق سراح أبو سمهدانة سيعيد تدفق الكهرباء للقطاع؛ وكشف بطلبه هذا أن كل ما جرى لم يكن إلا مفتعلا ومدفوعا من فتح لمقاومة الحرب على فساد لورداتها وقطاع الطرق من زعمائها!
أما كيف افتعلت فتح الأزمة؛ فكان ذلك بجملة من الأعمال التي بدأت بالكذب على الأوروبيين بخصوص استيلاء حماس على مال الشركة – الأمر الذي نفاه مسؤولو الشركة من غير المتورطين في الفساد ونفاه كنعان عبيد ونفته شركة “سابا” المستقلة التي تتولى تدقيق حسابات شركة الكهرباء – وليس انتهاء بتحريض الصهاينة بشكل فج عن طريق الزعم بوجود نفق فدائي في المنطقة التي يمر منها أنبوب وقود الكهرباء؛ الأمر الذي مكن الصهاينة من التذرع بذلك لإغلاق المعبر القريب “ناحال عوز” – الشجاعية وحرمان القطاع من التبادل التجاري ودخول البضائع من الوطن المحتل. لتكتمل المهزلة بعد ذلك بقول ناطقي فتح ووسائل إعلامها أن الكهرباء انقطعت لأن القوة التنفيذية سرقت الوقود لتشغل به سياراتها؛ وكأن المحروقات المستخدمة في توليد الكهرباء تصلح لإدارة محركات السيارات أو المركبات بأنواعها!
ساعة كتابة هذا المقال بدأت الأخبار العاجلة تصل بخصوص استئناف الاتحاد الأوروبي تمويل شراء وقود الكهرباء؛ وهذا أمر متوقع بطبيعة الحال. أمر متوقع ليس لأن الاتحاد الأوروبي ليس منافقا ولا انتهازيا ولا ينحاز للفريق التفريطي في فلسطين؛ بل لأن الأوروبيين وإن كانوا سعداء بالمراهنة على الفاسدين وعلى المستعدين لبيع فلسطين في اتفاقيات العار؛ فإن ثقافتهم في المهنية والالتزام تحتم أن يكون الكذب في السياسة أفضل من مستوى كذب فتح بكثير؛ وتفرض عليهم التنصل من تقديم التغطية لأي قذر سياسي في حال انكشف هذا القذر وبات واضحا للمراقبين أن ما يجري هو كذب في كذب! وكذلك هي الحال الآن بعد بيانات المسؤولين الشرفاء في شركة الكهرباء وسلطة الطاقة والشركة المحاسبية التي تراقب؛ وبعد أن تحدت حركة حماس العالم كله أن يحقق ويثبت أن حماس أخذت من مال الكهرباء فلسا واحد!
إذا لا يوجد مسؤول واحد من ذوي العيون الزرقاء مستعد لتغطية كذبة ذوي الوجوه الكالحة من الفاسدين العالم ثالثيين؛ ولهذا فقط يعود الوقود لكهرباء غزة! وإلا فنحن نعرف أن انتهازية أوروبا لن تسمح لها بالإقرار بأن جماعتها في فلسطين هي جماعة فاسدة مكونة من “مافيوزات” وسراق للمال العام؛ ونعرف أن أوروبا تعرف أن هذه لن تكون أول ملايين تسرقها فتح منها وأن هذه لم تكن أول مرة تمتد فيها أيدي رجال السلطة لمال المساعدات الأوربية. بل نحن نعرف أيضا أن أوروبا لم تكن معنية بتمويل السلطة الفلسطينية على مدى عمرها إلا لتتمكن من لي ذراعها وذراع الشعب الفلسطيني معها كما يحصل الآن في مقايضات الرغيف مقابل الشرف! ونعرف أن التخلص من هذه الرغبات المنحرفة للأوروبيين يتطلب من الشعب الفلسطيني جهادا ونضالا إضافياً فوق النضال الضروري ضد الصهاينة وسفاح دايتون وأولاد “الكامب”!
لكن من المؤكد أن ما جرى كان فرصة جيدة لكشف فضيحة ثقيلة وكذبة كبرى من كذبات عصابة المقاطعة؛ وكان هذا أمرا لم تستطع معه حتى بعض وسائل إعلام فتح إلا أن تبث الأخبار على ألسن أهل الطاقة وأهل الكهرباء في فلسطين وهم يكذبون مزاعم المالكي والعجرمي وباقي مهرجي فتح بخصوص بازار الدجل الرخيص الذي أقاموه على شرف الكهرباء المقطوعة! وصدق الشاعر من حيث قال: “جزى الله الشدائد كل خير * * * عرفت بها عدوي من صديقي”…والحمد لله رب العالمين الذي قال في محكم التنزيل “إن مع العسر يسرا”…أما موفق مطر – الذي تحدى حماس أن تعيد كل أكفها المرفوعة بالدعاء إلى الله الضوء إلى “لمبة” واحدة في غزة – فليبؤ بشسع نعل كليب؛ وليقض الله بإذن الله أن لا يكون لهذا العتل من اسمه نصيب!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...