الإثنين 12/مايو/2025

لقاءات المهزوم وخايب الرجا

سوسن البرغوتي

بعد الهزيمة الكبرى التي مُني بها أولمرت إبان حرب تموز 2006 التي أعلنها على المقاومة في لبنان، وكان أول عمل له بعد أن فاز في الانتخابات “الإسرائيلية” كرئيس للحكومة، لم يجد غير السيد عباس ليواسيه في مصابه، ولأن الآخر خابت مساعيه في القضاء على حماس والمقاومة، فقد باتت اللقاءات المتكررة بينهما ليست أكثر من تبادل عبارات العزاء وتطمينات لا يستطيع تحقيقها فاقد شعبيته في الكيان، ولا الآخر الموهوم بوعود لا تخرج عن نطاق “طق الحنك”.

لقد اعترفت السلطة الفلسطينية بـ”إسرائيل” منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة، فماذا تحقق ما يصب في مصلحة الجانب الفلسطيني، وماذا طبق من بنود الاتفاقات التي ما زالت تراوح في مكانها؟، لا شيء يُذكر، “اللهم لا شماتة!”.

لقد ساهمت التصريحات “الإسرائيلية” الجديدة ـ القديمة في إسقاط عباس أكثر وأكثر. فموقف الصهاينة ثابت، ولاءاتهم متجددة…لا لحق العودة، ولا لعودة القدس إلى الفلسطينيين، ولا لإزالة المستوطنات والجدار، ولا للخروج من الضفة. وموقف السلطة يتأرجح بين مصدّق لسلام ممكن مع محتل الأرض ومغتصب الحقوق، وبين التمسك بالوعود من طرف واحد. وعلى ذلك لم يعد عباس أكثر من ممثل رسمي للمطالب “الإسرائيلية” ويخرج بكل لقاء بخفي حنين.

المعضلة الكبرى في إيهام الشعب الفلسطيني بقدرة عباس وسلطته على تحقيق دولة فلسطينية!، وهي في الحقيقة كشوكة وسط دائرة مليئة بالديدان، كلما حاولت التحرّك فاحت رائحة عفونة.

التطمينات التخديرية، ليست إلا مرحلة يتم فيها التحضير لجولة حرب جديدة مع (الجيران) في عهد السلام العظيم!، وهذه طبيعة واقعية، فهذا الكيان الغريب لا يستطيع أن يعيش ويستمر دون افتعال أسباب لحروب لم ولن تتوقف، وطبول الحرب دائمة جاهزة للقرع على أرض تحقيق تفوق عسكري دائم وعلى كل الجبهات، وهذا ما أربك واهتزت موازينه في حسابات العدو بعد انهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر على هزيمته في الجنوب اللبناني الصامد، وتحت وقع صواريخ المقاومة الفلسطينية.

لهذا أراد أولمرت في عهده الميمون أن يحقق ولو مثقال قشّة لينقذ صورة الكيان الهشّ، وأن يقضي على معاقل المقاومة في القطاع، وساعده في ذلك أجهزة أمنية أنشئت أساساً لتمرير هذا التوجّه، وتحمي ظهر اعتداءاته وغارات قواته، ولكنها أيضاً فشلت فشلاً ذريعاً. نقول والغصّة المرّة في حلوقنا، بأن هناك كماً هائلاً مجيّشاً لخدمة العدو، ومساعدته على إسكات الصوت الحقيقي والصادق المطالب بالحق الفلسطيني.

لم يستطع أولمرت أن يغطي هزيمته بالأوهام بين شعبه، أما هزيمتنا بعباس فهي مضاعفة، خاصة وأن هناك من بين الفلسطينيين من لا يزال يحلم بـ (المشمش)، وبالرخاء الاقتصادي وبدولة ولو على شارع في رام الله!.

كيف تراجعت المطالبة بالحقوق الفلسطينية إلى قاع الهاوية، وما أسباب التخريب الجاري للعقول والأفراد كي يتقبلوا وهماً على أنه حقيقة، تلك هي المسألة.

من لا يؤمن بأن المقاومة والجهاد سبيلنا إلى نيل حقوقنا، فهو غافل وجاهل لناموس الحياة البشرية على تلك الأرض، ولم يحصل شعب في العالم على حريته من خلال مسارح الدمى السياسية، بل بالنضال والمقاومة، خاصة أن الطرفين ليسا على قدر من الكفاءة وتوازن القوّة، وليس من توجّه أصلاً لإحلال سلام حقيقي، فكيف يمكن أن يأتي الحل من كيان مزروع يحتل الأرض والإنسان؟.

وعلينا أن ندرك وقد بات هذا الأمر واضحاً وضوح الشمس، بأن الصراع مع عصابات جاءت من قوميات مختلفة، لا يجمع بينها إلا معسكرات استيطانية-عسكرية، لا يمكن أن تحقق سلاماً مع الطرف المحتل والمُغتصبة حقوقه.

وعلى هذا سيبقى الخنجر الاستعماري مزروعاً في أرضنا العربية، وسيبقى حتى يعي العرب وخاصة الأنظمة المحبة للاستسلام، أن لا مناص من خيارين، إما مواجهة هذه البؤر السرطانية واستئصالها، وإما بقاء العالم العربي في حالة فوضى وعدم استقرار، وليس هناك أي استثناء لأي بلد عربي كان في مشرق الوطن أو في مغربه، وسيظل – في وضعه الراهن- يصارع طواحين الهواء، ولا يخرج بأي نتيجة.

إن الدرس المستخلص من احتلال العراق حقيقة لن ينساها العالم، وبالرغم عن قوّة المحتل بالعدة والعتاد والعدد، واستنفار مصانع الأسلحة لتغطية متطلبات الحرب في العراق، ورغم أن العراق تحول إلى ركام وانقسام واقتتال عشوائي، إلا أن جنود الغزاة سيعودون عبئاً على دولهم، وخاصة في أمريكا، ولن تكفي ميزانية كل نفط العالم لمعالجتهم من أمراض نفسية واجتماعية وصحية، وهذا ما أصابهم بعد فيتنام، فكيف إذا كانوا قد جاؤوا بحجة إشاعة الديمقراطية، ولم يحققوا سوى الدمار الشامل؟!.

لجوء إدارة بوش للالتقاء بإيران وبدول جوار العراق من العرب، هو وسيلة للخروج من العراق بقليل من ماء الوجه، وضمان التحكم بنفطه لأجل غير مسمى، وعلى ادعاء أن أمريكا العظمى حققت أهدافها بالقضاء على “الإرهاب”، فهل حقاً تمكنت قوتها الغاشمة من وقف المقاومة، واعتبار كل من يدافع عن وطنه وثرواته هو إرهابي؟، ولهذا جيشت الانتربول ليدور في فلك هيمنة القطب الأوحد، لاعتقال رغد صدام حسين،التي ترفض احتلال العراق، كمجرمة بعين إدارة الجشع والطمع الأمريكي.
مؤامرة مصنوعة في مختبرات أمريكا، وعندما لم يحصدوا النتائج المرجوة منها، ابتدعوا فتناً طائفية وإعلاماً يوهم الشارع العربي أن هناك أعداء آخرين لأمن واستقرار العراق، وليس شعبه من يقاتل الاحتلال، والمقاومة لا تعدو سوى فئات متمردة!.

بالعودة إلى الشريك “الإسرائيلي” في عملية أو لعبة السلام الوهمية، فإن بقي من يدعي الشراكة مع الصهاينة على ضلاله وأضاع بوصلته، فستكون مكافأته خروجاً نهائياً من اللعبة، وهو ليس بأفضل من سلفه، الذي جرب وعرف أن السلام مع “إسرائيل” كذبة مبتدعة لتمرير مشاريع تم التخطيط لها من عقود طويلة، والأنظمة العربية تنعم بالسبات والتبعية لسياسة أمريكا الحليفة ضد شعوبهم.

هل هذه الحقيقة هي محض خيال، أم أن اتساع المستوطنات وارتفاع جدار عازل وحصار وقتل وملاحقة واعتقال، هي ملامح تلك المشاريع وأدواتها؟!.

البغاء الوطني وإدارة المصلحة الفلسطينية كأنها شركة استثمارية لحساب من يحمل أجندة مفاوضات، تخلو من أي ورقة وطنية، عدا حبر على ورق، وبين آخر يزمجر ويرعد متوعداً المقاومة بالرقص، حتى أصيبت قدماه بالإعياء من الرقص، والثالث الذي يطلق نظرية هيكلة الدولة الفلسطينية بلباس علماني، ونسي طبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ، وفلسطين الآن تحتاج إلى “حجّاج” يخلع رقاب المفسدين والعملاء الذين تكاثروا بفعل العفونة السلطوية.

أما استغباء الناس والتهليل بأن هناك ملاذاً يحميهم من شر أخطبوط اسمه السلام، فاليوم يضع شيمون بيرس شروطاً واضحة ملخصة بكلمتين: الأمن مقابل “السلام” ، وفي الغد القريب سيضع شرطاً قد يكون أكثر قبولاً لدى الرئيس يقول فيه: السلام مقابل فناء الشعب الفلسطيني بأكمله، وقد يستورد ثقافة إلقاء الناس من الشرفات، وتصبح ظاهرة (وطنية شرعية)، تعجيلاً بتسهيل عملية التطهير، خاصة أن الغارات والقوات الهمجية، عجزت على إيقاف عزيمة الصمود.

إن الحل الوحيد هو توحيد صفوف المقاومة، وكلما أصابت الصواريخ أهدافها، كلما حاصرت خائب الرجاء في عرشه المهلهل، وأضافت ضربة موجعة لإسقاط شريكه التعيس، وسينعم بعدها هؤلاء الموعودين بالإنقاذ على طوافات جيش الاحتلال، فقد علمتنا التجربة معهم في أكثر من مكان، وليس أخيراً في جنوب لبنان كيف تخلى ذلك الجيش عن العملاء ببساطة خلع الحذاء.

وفي فلسطين سنجد كل العملاء المكشوفين يعيشون في كانتونات مهملة، فقد باتوا يشكلون عبئاً على الكيان بعد أن استنفذتهم، ولم يعد أمامهم غير اختيار طريقة للموت.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات