عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

الدعوات الأوربية المتزايدة لمحاورة حماس .. دلالاتها وأبعادها

الدعوات الأوربية المتزايدة لمحاورة حماس .. دلالاتها وأبعادها
بغض النظر عن حجم التأثيرات العملية التي يمكن تنجم عنها؛ فإنّ الدعوات الأوربية التي صدرت خلال الشهر الجاري عن أكثر من جهة حكومية وبرلمانية، مطالبة بمراجعة السياسات الخارجية لبلدانها، والمتعلقة بكسر الطوق عن حركة “حماس”؛ مثلت برأي المراقبين اعترافاً بعدم إمكانية تجاوز الحركة في أي أمر يتعلق بالقضية الفلسطينية.

كما جاءت تلك المواقف تشويشاً على التوجّهات الصهيو ـ أمريكية في المنطقة، والتي تريد أن يكون العالم منساقاً وراء إرادتها، وتسعى لانتزاع إجماع دولي للتغطية قراراتها غير العادلة.

                              العزل والعقوبات والنتائج العكسية

تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني، وتصريح رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي؛ بُنيا على قراءة سياسية واقعية وعقلانية، لإفرازات أكثر من عام ونصف العام من التعامل الغربي الخاطئ مع حركة المقاومة الإسلامية، ومؤسسات الحكم والشرعية الدستورية في الأراضي المحتلة ـ على أقل تقدير ـ، ومخاطر الإصرار على الاستمرار في المسار ذاته في المستقبل المنظور.

أي أنّ تلك المواقف أخذت المصالح الخارجية لدولها في المنطقة بعين الاعتبار، هذا بغض النظر عن المعايير الأخلاقية والإنسانية، أو القيم الديمقراطية (فوز حماس بأغلبية برلمانية في انتخابات شهد العالم بنزاهتها) التي تتشدق الدول الأوربية بالدفاع عنها.

وقد توصلت هذه القراءة التحليليلة إلى ما يلي:

ـ العقوبات الغربية ضد “حماس” بسبب عدم اعترافها بالكيان الصهيوني، وعدم تخليها عن حقها في المقاومة؛ أثبتت أنها أتت بنتائج عكسية (أي أنّ التأييد الشعبي استمر لحماس رغم الحصار، وهو الذي هزم أيضاً مشروع التيار الانقلابي في حركة فتح والأجهزة الأمنية في قطاع غزة).

ـ ما يُوصَف بالمجتمع الدولي يتحمّل جزءاً من المسؤولية عن الأحداث الداخلية في الساحة الفلسطينية، وبخاصة في قطاع غزة (أي أنه شجع فعلياً على محاصرة المؤسسات المنتخبة شرعياً وسعى لإفشالها بتقوية طرف على حساب طرف آخر، عبر الدعم بالمال والسلاح تطبيقاً لخطط الجنرال الأمريكي دايتون وغيرها) وما نتج عن ذلك من تطوّرات لاحقة.

ـ المقاطعة ساهمت في مسعى إسدال الستار على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت في وقت سابق من العام الحالي.
 
                         منطق غربي صاعد: لا تسوية بدون “حماس”

فيما يخص النظرة إلى المستقبل؛ فإنّ ثمة نظرة غربية آخذة بالتبلور، ترى أنّ:

ـ تشظي الفلسطينيين سواء على مستوى الانقسامات الجغرافية أو السياسية (الضفة الغربية أولاً والتي ابتكرتها الولايات المتحدة مؤخراً)؛ من شأنه عرقلة تحقيق تسوية سلمية في المنطقة.

ـ ضرورة إجراء مفاوضات مع “حماس” لإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية لمجمل الأراضي المحتلة، وحث المبعوث الجديد للرباعية الدولية طوني بلير على التفاوض مباشرة مع الحركة، لأنّ ذلك من شأنه تشجيع ما تصفه بـ “الاعتدال”، وتفادي “الانقسام الفلسطيني”. وقد ذكر رئيس الحكومة الإيطالية أنه نقل لرئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت ولرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رسالة مؤداها أنه” لا يمكن أن يوجد سلام مع انقسام الفلسطينيين”.

مع ذلك؛ فإنّ ما سبق لا ينفي وجود بعض الدعوات الغربية المتسقة مع إيمانها بالمثل الديمقراطية، وحثّ دولها على القبول بما تفرزه صناديق الاقتراع، وانتقاد ازدواجية مقاييسها في التعامل مع نتائج الانتخابات الفلسطينية. ويُعدّ تصريح وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما، الشهر الماضي، بضرورة ألا تكون “حماس” معزولة بما أنها فازت بانتخابات ديمقراطية؛ خير دليل على ذلك المنطق في التعاطي.

                                صعوبات تقف في وجه الحوار

لا تشي المؤشرات والدلائل بأنّ هذه الدعوات الغربية للحوار مع “حماس” ستتمخض عنها نتائج سريعة أو مباشرة بحيث تؤثر فعلياً على التوجهات الصهيو ـ أمريكية التي ما تزال تصرّ على عزل الحركة، وتغري الثنائي عباس ـ  فياض بوعود سرابية من خلال تشجيعهما إما على الحوارات والترتيبات الأمنية الانفرادية مع أولمرت، أو على القبول بالتعاطي مع ما يُعرف بالمؤتمرات الدولية للسلام، المحاطة بضبابية مطبقة.

لقد رأت حركة “حماس” في الموقفين البريطاني والإيطالي ما يؤشر على تنامي “المواقف الغربية المؤكدة على وجوب الحوار معها”، ونوعاً من “الخروج من تحت المظلة الأمريكية”، بعد أن بدأت تدرك هذه الأطراف الدولية والعالم “أنّ من الصعوبة بمكان تجاوز الحركة عند الحديث عن القضية الفلسطينية”. ومع ذلك؛ فإنّ “حماس” تدرك على ما يبدو أنّ هذه الدلالات ما زالت في طور التبلور، فالدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، استبعد أن تؤدي دعوة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني إلى تغيير سياسة حكومة غوردون براون في المنطقة، ورأى أنّ ثمة صعوبات تقف في وجه حوار الغرب مع حركة “حماس”؛ أهمها:

ـ الضغوط الأمريكية على الدول الراغبة والساعية لمثل هذه الحوارات والاتصالات.

ـ وضع الحركة على ما تسمى بـ”قائمة الإرهاب”.

                                     قلق المحافل الصهيونية

بصفة عامة؛ فإنّ وجاهة الدعوات المنطلقة للحوار مع “حماس” في الدول الغربية، ومنطقيتها، والتي رحّب الدكتور أبو مرزوق بها؛ قد لا تعني ـ وفقاً لوجهة نظره ونظر كثير من المحللين السياسيين ـ؛ تغيير سياسات تلك الدول على الأرض. وقد برّر القيادي البارز في “حماس” ذلك بقوله: إنّ السياسة لا تُبنَى أحياناً على المنطق العقلاني، وإنما هي خليط تمتزج فيه مصالح جماعات الضغط، وحسابات القوة، ومعادلات الربح والخسارة، والتوازنات الأخرى.

واتساقاً مع ما ذكره الدكتور أبو مرزوق؛ فإنّ تقارير صحفية أشارت إلى أنّ المحافل السياسية الصهيونية تنظر ببالغ القلق إلى مطالبة مجلس العموم البريطاني لحكومة بلاده ببذل الجهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية والحوار مع “حماس”. ورأت تلك المحافل أنّ ذلك من شأنه نسف الحوار الفلسطيني ـ الصهيوني الذي تدعمه الإدارة الأمريكية بقوة. وقد ذكرت وزيرة خارجية حكومة الاحتلال، تسيبي ليفني، بأنّ تلك الدعوات “خطأ فادح”، واعتبرت أنّ رغبة المجتمع الدولي “المتحمس لرؤية نوع من التفاهم بين حماس وفتح” والتقارب بينهما؛ إنما هو “خطأ جسيم” و”مساومة على الإرهاب”، حسب نعتها.

                               تأثيرات على المدى الزمني البعيد

في كل الأحوال؛ تظلّ الدعوات الغربية للحوار مع “حماس” بالرغم من كل سبق ذكره؛ ذات أهمية مقدّرة، وإن على المدى البعيد، لعدة أسباب أهمها:

ـ أنها تعبِّر بصورة ضمنية عن الاعتراض الغربي المتنامي على السياسات الأمريكية غير العادلة تجاه المنطقة، والجهر المتنامي به من خلال المؤسسات الدستورية والمنابر الإعلامية.

ـ أنها تمارس ضغوطاً، إلى جانب ضغوط الهيئات الشعبية والحقوقية، على حكومات دولها، وإن ما تزال ضعيفة التأثير حتى الآن، وذلك في محاولة منها لإبعادها عن التماهي مع السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، لما لذلك من آثار سلبية على مصالح الدول الأوربية ذاتها، ويُنتظر أن يكون لتراكمات هذه الضغوط ما بعدها على المدى الزمني البعيد.

ـ أنها تعبِّر عن الاعتراف بقدرة “حماس” وعدم إمكانية تجاوزها كرقم أساس ومهم في المعادلة الفلسطينية، وهو مقترن بالتوجهات الغربية التي تدعو للحوار مع الحركات الإسلامية المؤثرة كالإخوان المسلمين في مصر، وحزب الله في لبنان.

وعلى حد تعبير الكاتب الصحفي في يومية “الاندبندت” البريطانية، دونالد ماكينتاير؛ فإنّ أوربا وأمريكا شاءتا أم أبتا ستتحدثان مع “حماس”، لأنهما طالما اعتبراها جزءاً من المشكلة، ولذل فلا بد أن تكون جزءاً من الحل، وفقا لمقالته، ومن الصعب القفز على هذه الحقيقة.

ـ إنّ تلك المواقف والتصريحات قد تحدّ، أو تفرمل، قبول هذه الدول لمخططات أمريكية مستقبلية تتعلق بالقضية الفلسطينية مما قد يكون على الشاكلة الحالية.

ـ سيسبّب ذلك مزيداً من الحرج لحلفاء الإدارة الأمريكية (تيار أوسلو في السلطة الفلسطينية) ممن يرفضون الحوار مع حركة “حماس” ويضعون شروطاً تعجيزية لهذا الحوار كذريعة للتملص منه، بينما تطالب جهات غربية ـ وليست فلسطينية ـ بهذا الحوار وإنهاء العزلة عن “حماس”، وفق قراءة لها ما بعدها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...