لَتُخرِجِنَّ الكتاب أو لَنُلقِيَنَّ الثياب!

في السيرة النبوية دروس وعبر كثيرة تكفي المتدبرين وتنجح حين تكييفها مع واقعنا في تقديم الإجابات الهادية والإرشادات الدالة على الطريق…

قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في كشف تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة معروفة ومشهورة في السيرة؛ وما يهمنا منها هنا المشهد الأخير الذي تضمن استعادة كتاب حاطب من الظعينة التي أخذته وأخفته في عقاصها – شعرها – لتوصله إلى قريش. حين أدرك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما المرأة طلبا منها الكتاب؛ فأنكرت المرأة الكتاب وتظاهرت بأنه غير موجود. لكن؛ لأن الرجلين يعرفان دقة المهمة وعظم المسؤولية فلم يكن بوسعهما ترك المرأة تمضي استجابة للعرف الاجتماعي العربي والمسلم في أن يغفر الرجل زلات النساء أو لا يلاحيهن في الطريق أو في الأماكن العامة أدبا وحمية. أدرك الرجلان أن عودة الكتاب أمر مصيري؛ ولذلك فقد قالا لها بكل حزم: ” لَتُخرِجِنَّ الكتاب أو لَنُلقِيَنَّ الثياب”؛ وعلى اعتبار أنهما شكا وبيقين منطقي أنها تخفي الكتاب في ثيابها. وبالفعل أخرجت المرأة الكتاب من بين جدائلها ونفذ الفدائيان المهمة وتحقق النجاح الاستخباري لغزوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وسمح منع كشف مخطط الغزوة في حقن الدماء ومنع قريش من تحويل فتح مكة لمواجهة دموية.

كذلك هناك قصص أخرى كثيرة في سير التابعين ومن تبعهم بإحسان تبين أن الأوضاع الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية؛ ومن ذلك ما فعله السلطان الظافر صلاح الدين مع أسيره قائد قلعة الكرك الأمير “أرناط”. فكلنا يعرف مدى رحابة صدر وتسامح صلاح الدين مع أعدائه حين قدر عليهم؛ وحتى مؤرخو الغرب من المنحرفين وغير المنصفين شهدوا للرجل بالنبل وبأنه يشبه القديسين في عرفهم. مع ذلك؛ فإن هذا القائد العظيم الذي صفح عن عشرات آلاف الصليبيين؛ وأمنهم على دمائهم وأموالهم – هذا القائد اتبع سيرة مختلفة واستثنائية حين جيء له بأسير استثنائي. نعم؛ فعلى عكس السياسة التي اتبعها مع أسراه اختار صلاح الدين أن يقتل أسيره الأمير أرناط ولم يقبل فيه شفاعة ولم يصفح عنه ولم يعفُ. ذلك أن أرناط كان قد فجر في الخصومة لأبعد حد؛ وكرر العدوان على قوافل الحجاج الآمنين من قلعته في الكرك؛ فقتل وسفك الدماء دون أي وازع من ضمير. أمام مجرم كهذا اختار صلاح الدين سقف العقوبة المستحقة على أسير؛ وقتله نكالا بما صنع في أيامه الخالية!

وحال حماس اليوم مع قادة فريق دايتون شبيهة بالحال مع الظعينة ومع أرناط. بعض هؤلاء يا حماس قوم يستحقون أشد ما في كتاب العقوبة من خيارات. فاللواء توفيق الطيراوي المسؤول عن كل تجليات الدنس الخياني المسمى بالتنسيق الأمني؛ والذي يرعى بيع السلاح وتجريم المقاومة ويتوج في هذه الأيام أعواما طوالا من الحرب على المقاومة – هذا اللواء يستحق من حماس أن تنكل به وهي على ذلك قادرة! فالرجل بلغ نهاية الأرب في حملاته الوسخة على حماس؛ وهو يصنع ذلك عن سابق إصرار وإرادة؛ ورغم أن كل سيوفه مثلومة وغير ضاربة. فمرة يتحدث عن وليد حمدية كأنه سبة في جبين حماس؛ وينسى أنه بذلك يهين نفسه وعمله كمخبر لم يعرف أن حماس قتلت حمدية منذ أعوام! وها هو الآن يعود في جريمته مع الأخ مؤيد بني عودة لممارسة نفس العهر الذي مارسه هو وأقرانه مع عماد وعادل عوض الله حين رمى القوم الشهيدين بالعمالة؛ واتهموهما باغتيال الشهيد محيي الدين الشريف؛ واستشهد هؤلاء الأبطال جميعا بمعرفة هذا الخائن ومن معه من جلاوزة الأمن والسياسة الفتحويين! فأي شيء يدفع حماس للسكوت على هذا المأفون وعدم فضحه رغم امتلاك أدوات الفضيحة الناجزة؟

لقد بات لزاما على الحركة الإسلامية أن تنكل بظعينة قريش وبأرناط فلسطين جزاء وفاقا على ما بالغ به في الفحش؛ ويجب أن تكون الضربة شاملة لكل مخازيه السياسية وحتى الشخصية التي تمس عرضه المفتضح!

ويجب أيضا أن تكال ضربة شبيهة لعدد آخر من أفجر ساسة فتح بكشف المواد التي تفضح مخازيهم السياسية الخيانية والعميلة من ملفات الوقائي؛ ويجب أن ينبه البقية بقنوات مباشرة من فم حماس لأذن كل واحد منهم أن أي تصرف منهم في الفجور في العدوان على حماس والمستضعفين من جمهورها سيفضي لكشف ملفاتهم السياسية؛ وملفاتهم التي تقدح بشخوصهم وأفراد عائلاتهم. فلا يعقل أن تتحول الحركة الإسلامية للدفاع وهي التي تحتكم على أطنان من ملفات العار؛ في حين ينفخ الكذبة والغششة في فتح في جيف تخرصاتهم؛ ويستدعون من الأجداث أساليبهم البالية في الحرب على الله وعلى أهل الله!

ولا يظنَّنَّ أحد هنا أن كذب فتح يفلح في تحقيق أي نصر؛ فوالله العظيم إن جريمة العدوان على الأخ بني عودة كشفت مدى إفلاس هؤلاء وعقم خياراتهم السياسية. فهل يصدق أحد أن من يخادن الصهاينة أكثر مما يقعد مع بني أبيه وبني أمه – هل يصدق أحد أن مثل هؤلاء يحارب العمالة؟ والله لو كان بني عودة مثل ما أجبروه على أن يقول تحت التعذيب والضغط لحق له أن يكون قائدا لأحد أجهزتهم الدنسة! هذا بخلاف تداعي رواية مسيلمات فتح المهلهلة والمفتضحة؛ وكما فندها المؤتمر الصحافي لحماس في الشأن ذي الصلة.

أما الحركة الإسلامية فهي بحمد الله ضربت مثالا رائعا على تضامنها كلها- بكل تجلياتها السياسية والإعلامية والجماهيرية في كل جغرافيا وجودها – مع فرد واحد منها؛ فمضت على طريق محمد صلى الله عليه وسلم الذي أعلن الحرب على الروم والغساسنة ثأرا لدم رجل واحد من قومه قتله الحارث بن أبي شمر الغساني بغير وجه حق!

ولا ينقص حماس الآن إلا أن تتمم ذلك بضربة تؤدب الفاجر توفيق الطيراوي وتعرفه قدره من إنسان ديوث؛ وتعرف بعض من حوله أن أتباع الزبير وعلي حين يدفعون للزاوية فإنهم سيردون وفق قواعد لعب مختلفة تلائم فجرات السِّفاح الدايتوني؛ وتدخر لهم سيفا كالسيف الذي حزّ رأس أرناط!

فالله الله يا حماس…الله الله يا بقية صلاح الدين!