هل الفلسطينيون فقط هم المقصرون؟

تبدو صورة المستقبل أمام الفلسطينيين مظلمة للغاية، فهم لا يرون أفقا في أي موضوع مطروح أمامهم. لا يرون أفقا في عمل السلطة التي يترأسها محمود عباس في رام الله. ولا يرون أفقا في التسوية السياسية التي يديرها الأميركيون ويتولاها ايهود اولمرت رئيس وزراء إسرائيل. ولا يرون أفقا في الحوار الوطني الداخلي، سواء ذلك الحوار المنشود بين فتح وحماس، أو ذلك الحوار المظلم داخل حركة فتح نفسها. وينذر هذا الوضع المسدود بانفجار كما هي الحال لدى أي شعب من الشعوب، أو هو ينذر بانهيار كل ما هو قائم بانتظار ولادة قوى جديدة تنهض على أنقاض القوى المنهارة.
هذه الصورة المظلمة للمستقبل أمام الفلسطينيين، تدفع بعض العرب، سياسيين وكتابا ومحللين، إلى استسهال اللوم والنقد للقوى السياسية الفلسطينية. مرة ينتقدون تشدد الرئيس الراحل ياسر عرفات لأنه لم يقبل العرض الإسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد 2000. ومرة ينتقدون الفساد الضارب في أعماق السلطة الفلسطينية. ومرة ينتقدون حماس ويصفونها بأنها نفذت انقلابا دمويا في غزة بينما كانت أجهزة أمن محمد دحلان ترشقهم بالورود. في حين تغيب عن الصورة مسؤولية الوضع العربي العام، وبالجوهر مسؤولية السياسة الأميركية التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.
لقد واجهت المنطقة العربية بأسرها منذ العام 2000، أي منذ تسلم الرئيس جورج بوش لمسؤولية القيادة في البيت الأبيض.
أي منذ أن تم وضع سياسة المحافظين الجدد موضع التطبيق على مستوى العالم.
أي منذ أن برزت سياسة السيطرة على الشرق الأوسط الكبير والجديد.
أي منذ أن تم اتباع سياسة الفوضى البناءة وولدت سلسلة من الحروب والضغوط والمتاعب لا حد لها، عانى منها الجميع، وضربت عاصفتها الدول والحكومات والشعوب، وكانت القضية الفلسطينية في عين هذه العاصفة، بسبب اعتماد البيت الأبيض على إسرائيل كقوة أساسية يتم تحضيرها لإنجاح السياسة الأميركية.
لم تنجح السياسة الأميركية في تحقيق أهدافها، ولكنها نجحت في إحداث الفوضى فقط، وبدلا من أن تكون الفوضى مدخلها لتحقيق هيمنتها والديمقراطية التي تحلم بها أو تتستر بها، اصبحت الفوضى سلاحا ضدها، في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وفي السودان وفي الصومال وفي أفغانستان. ولذلك فإن ما يعانيه الوضع الفلسطيني الآن من خلافات وتناقضات، ليس إلا نتاجا لتلك السياسة. والمثاليون فقط، هم الذين يغمضون عيونهم عن هذه الصورة الأميركية الشاملة، ويركزون أنظارهم فقط، على الخلافات الفلسطينية، وعلى الفشل الفلسطيني في تحقيق الوحدة والتماسك.
ليس القصد هنا تبرئة الفلسطينيين أو إعفاءهم من المسؤولية عن وضعهم وأنفسهم، إنما القصد أن نرى الصورة بوجهيها، لأنه من دون ذلك تنعدم سبل البحث عن مخرج، سواء كان المخرج المنشود عربيا أو فلسطينيا.
أمام الفلسطينيين الآن ثلاث مشكلات تتضارب حولها الآراء بشدة. وفي كل مشكلة من هذه المشكلات، مسؤولية فلسطينية، وشبح أميركي يخيم ويفرض الشروط والسياسات.
أولا: مشكلة السلطة الفلسطينية في رام الله. قامت هذه السلطة ولا زالت تقوم على حركة فتح. وأصبحت حركة فتح من خلال الواقع، حزب السلطة الرسمي، وهي تعاني من مشاكل يعرفها الجميع: تهميش لقيادتها المركزية، وعجز عن عقد مؤتمرها الحركي، وتشجيع من الرئاسة لكل متمرد أو طامح لضرب نفوذ قيادة فتح. وهناك من يقول الآن، إن الرئيس محمود عباس يريد تنحية حركة فتح عن السلطة، والاعتماد في بناء السلطة على المستقلين فقط، ومن هنا كانت حكومة سلام فياض خطوة أولى على هذا الطريق.
لا نريد هنا أن نقف مع الفصائل الفدائية ضد المستقلين، أو مع المستقلين ضد الفصائل. نريد أن نركز أنظارنا على أن هدف إسرائيل الأساسي هو إلغاء المقاومة المسلحة للاحتلال، وضرب حركة فتح يقود إلى تحقيق هذا الهدف، إذ من دون حركة فتح لا يعود هناك وجود فعلي لما يسمى «كتائب الأقصى». وحكومة سلام فياض واضحة جدا في تبني هذا الهدف، ولذلك فإن موضوع حركة فتح، وبقدر ما هو تعبير عن أزمة فلسطينية داخلية، هو أيضا تعبير عن صراع فلسطيني مع إسرائيل والسياسة الأميركية التي تريد رضوخا فلسطينيا كاملا يسبق بدء أية مفاوضات سياسية.
ثانيا: مشكلة التسوية السياسية. ولا نريد هنا أن ندخل في الجدل المفتوح حول مؤتمر بوش الدولي ومدى جديته. إنما نريد أن نركز على التجليات الجديدة لمفهوم إسرائيل للتسوية. وهنا نجد أنفسنا أمام فيض من المشاريع الإسرائيلية:
مشروع شمعون بيريس رئيس الدولة. وهو مشروع يرفض البحث في عودة اللاجئين، ويعتبر القدس مدينة تحت السيادة الإسرائيلية، وحتى المسجد الأقصى سيكون تحت السيادة الإسرائيلية، ولكنه يتكرم علينا بإمكانية رفع علم عربي أو فلسطيني عليه. والمستوطنات ستبقى على حالها، وهنا يقترح مبادلة للأراضي تقوم على قاعدة التخلص من الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل. يبسط بيريس موضوع المستوطنات ويقول إنها تشمل 5% من أراضي الضفة الغربية فقط (وهذه نسبة غير صحيحة)، ولكنه لا يتحدث عن أراضي غور الأردن، ولا يتحدث عن المطالبة بنصف مياه البحر الميت، ولا يتحدث عن أراضي القواعد العسكرية التي تريدها إسرائيل، ولا يتحدث عن مستوطنات القدس التي تصل إلى مشارف أريحا، ولا يتحدث عن مستوطنة آرييل التي تدخل في عمق الأرض الفلسطينية باتجاه نابلس، وهل ستبقى أم تزال؟ ولا يتحدث عن الجدار الفاصل والأراضي التي تم الاستيلاء عليها من أجل بنائه. ومشروع بيريس هذا مرشح لأن يقدم كاقتراح سلام إسرائيلي في مؤتمر بوش الدولي.
مشروع ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي. وهو مشروع يقوم على أساس عسكري أمني، فهو ينطلق من أولوية العمل لمواجهة لصواريخ التي قد تنصب على إسرائيل، ويقترح أن لا تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية إلا بعد أن تتوفر لها منظومة صواريخ مضادة للصواريخ. وتتطلب عملية التسلح هذه حسب قوله، فترة تمتد إلى خمس سنوات. وعلى ضوء هذه الوثيرة الأمنية سيناقش الإسرائيليون في مؤتمر بوش الدولي.
مشروع حاييم رامون النائب الأول لرئيس الوزراء. وهو مشروع يقترح أن تنسحب إسرائيل من 70% فقط من أراضي الضفة الغربية، ومن بعض المستوطنات المنعزلة، مع تحديد بعيد المدى للتفاوض حول التسوية الدائمة.
وهناك أخيرا مشروع ايهود اولمرت رئيس الوزراء، الذي يصر على مفاوضات تدور حول وضع اتفاق مبادئ جديد. وهو ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس الفلسطيني في لقاء أريحا الأخير.
وبنظرة سريعة على هذه المشاريع كلها، يتبين بجلاء أنها مشاريع تغلق الطريق أمام أية تسوية معقولة، ولا ينتج عنها سوى كيان فلسطيني يعيش في حضن إسرائيل، وفي إطار سيطرتها الاستراتيجية على الأمن والاقتصاد والمياه. وهو ما يعني سلفا أن مؤتمر بوش الدولي لن يكون أكثر من مؤتمر علاقات عامة.
ثالثا: مشكلة الحوار بين الرئاسة وحركة حماس. وهنا لا حاجة للحديث عن بؤس هذه المسألة، حيث يتم وضع الشروط المستحيلة لإنجاز هذا الحوار، وحيث يغيب الدور العربي ولا يبرز سوى الدور الروسي ودور فلسطينيي 1948، وحيث يعلن ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط «إن الولايات المتحدة هي التي تضغط على كافة الأطراف لمنعها من إجراء حوار مع حماس» (8/8/2007). وهو موقف أميركي علني يؤكد أهمية الربط بين الأزمة الفلسطينية الداخلية وتجليات السياسة الأميركية في «الشرق الأوسط الكبير». ولكن اللافت للنظر هنا، أن الرئاسة الفلسطينية، وهي ترفع صوتها في وجه حماس، ولا ترفع صوتها إلا في وجه حماس، تنسى، أو تريد أن تنسى، أن الأمور لم تصل إلى ما وصلت إليه، إلا بسبب الضعف الشديد الذي تعاني منه السلطة. تريد الرئاسة الفلسطينية أن تنسى أنها خسرت الانتخابات في وجه حماس، وخسرت بالتالي الأغلبية في المجلس التشريعي، ثم خسرت انفرادها بالحكومة، ثم خسرت معركة السيطرة على قطاع غزة، بعد مراهنة طويلة على عبقرية محمد دحلان القيادية. وبعد كل هذه الخسائر تتم الدعوة للحوار على قاعدة دعوة الطرف الآخر إلى الاستسلام، وعلى قاعدة (شروط المسكوب) كما يقول المثل الشعبي.
لقد عددنا هذه المشكلات، لنحدد المسؤولية الفلسطينية في ما يجري من تفتت وضعف وخلل. ولكن اي حديث عن المسؤولية الفلسطينية يبرز فورا دور الشر الاميركي في كل بند من بنود الازمة.
إن حركة حماس ليست عصية على النقد، ولكن الأزمة الفلسطينية أكبر وأعقد من أخطاء حركة حماس في غزة. وهذا ما لا يحب كثيرون أن يحدقوا إليه بأعينهم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...