عند باب الخليل بالقدس القديمة.. مشهد آخر من مساعي التهويد

في اول زيارة لي الى اسطنبول قبل نحو 15 عاما، وقفت طويلا ومتأملا عند بقايا اسوار القسطنطينية. كان المشهد عميقا وكان الحدث كبيرا. تذكرت كيف تغير التاريخ استراتيجيا وما يزال حتى اليوم.
لا اعرف بالضبط لماذا قفزت تلك الصورة الى ذهني ووجداني وانا اقف قبل ايام قليلة، عند اسوار القدس وتحديدا في ميدان عمر وهو الساحة امام باب الخليل. ربما للتحولات الجذرية التي شاهدتها هناك ولان الاسوار في الحالتين متشابهة. الاولى صارت عثمانية والثانية كانت عثمانية.

ما ان يخرج الماشي من باب الخليل خطوة واحدة الى خارج السور حتى يجد مساحة كبيرة مبلطة وقد زرعت بالاشجار والازهار الصغيرة التي تحيط بجذر كل شجرة في مساحة صغيرة داخل الساحة الكبيرة القائمة على جسر تعبر من تحته السيارات.

تسير امتارا معدودة باتجاه الغرب، فتجد درجا باكثر من مسرب. تنزل الدرج واذا انت وسط اسواق ممتدة ودكاكين واسعة بديكورات عصرية وماركات عالمية. كما تجد المقاهي الممتلئة بالناس. لا اخفي اني احسست بالغربة رغم وجود عائلة فلسطينية واحدة على الاقل في احد المقاهي. واحسست بعجز وتفاهة الخطابات.

تجولت طويلا ثم نزلت الدرجات العالية نحو الشارع. كانت الرافعات الضخمة واعمال البناء مستمرة دون توقف وهذه هي طريقتهم، حيث يستغلون كل قدم انتهى العمل فيه ويستمر العمل في المراحل الباقية.

وسط هذه الغابة من البناء تقف عدة مبان كبيرة وقديمة لم يستطيعوا الاستيلاء عليها او شراءها او استئجارها كعادتهم احيانا، من الكنيسة التي تملكها.

والى يسار المتجه من باب الخليل الى الغرب، اقيمت مبان كبيرة ومتنزهات صغيرة وارصفة تظللها اشجار مختلفة الارتفاع والحجم كما اقيم فندق فخم للغاية له شرفات واسعة تطل على باب الخليل واسوار القدس مباشرة. والى جانب هذا الفندق يصطدم المار من هناك بمبنى المجلس الاسلامي الاعلى الذي لا يفصله عن الفندق سوى شارع، المبنى كان وما يزال من افخم واجمل واكبر المباني بالقدس، وهو من اربعة طوابق له شرفات مزخرفة جيدا تطل على مقبرة ماميلا »مأمن الله« وتحيط به حديقة، وقد غطت الجدران اعمدة وسقالات حديد متناسقة لاعمال الترميم، فلقد استولوا عليه كما هو معروف، وهم في طريقهم الى تحويله فندقا اخر.

تحت الارض مواقف واسعة للسيارات وعلى السطح مساحات واسعة للبناء والمشاة والتنزه لمن يريد، ولكنه لم يفتتح بعد باكمله. لقد اطلقوا على هذا الموقع الاستيطاني اسم »حارة ماميلا«. كانت المنطقة في يوم من الايام عربية فلسطينية عامرة وصفها المؤرخ المرحوم عارف العارف في كتابه »المفصل في تاريخ القدس« قائلا: »سوق طريق ماميلا تتفرع عن سوق باب الخليل وتسير باتجاه مقبرة ماميلا، انها من اوسع الاسواق الكائنة خارج المدينة وانظمها، وهي سوق عربية فيها عدد كبير من المكاتب والوكالات والبنوك والمخازن والمصالح الحكومية وغير الحكومية. واذا سرت فيها اية ساعة من ساعات النهار والليل وجدت سيارات مصطفة على جانبها. وهناك عدد كبير من المباني الجميلة«.

القصة ليست مجرد نزهة او زيارة الى حي استيطاني، انها اكبر من ذلك كثيرا. هذه هي المرة الاولى التي يلتحم فيها الاستيطان بين القدس الغربية والقدس القديمة. وهي مشهد اخر من مساعي التهويد التي لا تتوقف.

ان »حارة ماميلا« هذه تؤدي الى ميدان عمر وحارة الارمن وصولا الى ما يعرف اليوم بحارة اليهود والبراق او المبكى وكل الحفريات التي تجري هناك. ولهذا كان الاهتمام الاسرائيلي بحارة الارمن تحديدا في مفاوضات كامب ديفيد ايام الرئيس الراحل ياسر عرفات وايهود باراك برعاية الرئيس كلينتون. ولهذا ايضا تدور المعركة الكبيرة حول المباني الفلسطينية التابعة لبطريركية الروم الارثوذكس في ميدان عمر.

نقطة اخرى في هذه الحلقة الاستيطانية مخطط لها عند التلة القريبة من باب صهيون داخل القدس القديمة، وهي اليوم مواقف سيارات وذلك باقامة مواقف السيارات هذه في طبقات تحت الارض وبناء مراكز اسكان استيطانية فوقها، لاكمال الحلقة من جدران الحرم القدسي الغربي وصولا الى »حارة ماميلا« والقدس الغربية.
اعود لاتذكر كيف كان سقوط اسوار القسطنطينية في السابق وكيف يحاولون اسقاط اسوار القدس حاليا، مع حفظ الفوارق.

 

* صحيفة القدس الفلسطينية