عند أبو شريف الخبر اليقين

ماذا بعد أن أُبرمت اتفاقية أوسلو، وما روجّ له “العرّابون” المعتاشون على دم القضية الفلسطينية وادعائهم بأن ما فعلوه هو في صميم المصلحة الوطنية؟.
لقد توالت اتفاقيات التطبيع مع العدو أولا، على طريق الوصول للتصهين، وهذا ما يتأكد جهاراً للعالم يوماً بعد يوم. فاللقاءات والاجتماعات المتكررة، والتحضير لما يسمى بمؤتمر الخريف للسلام و”إعلان مفاسد” أو لنقل مبادئ تصفية نهائية للقضية الفلسطينية لصالح (دولة) صهيونية معترف بها علناً من الأنظمة العربية التي جاهرت بدعمها لـ “إسرائيل” إبان عدوانها على لبنان في العام المنصرم، وما زالت تتابع تطبيق “المبايعة” العربية، بشطب كل حق للفلسطينيين في وطنهم وممتلكاتهم المغتصبة، ولم يقتصر الأمر على هذا، بل مبشرين بشرق أوسط جديد، ومهللين له.
تحت بند المصلحة الوطنية، تم الاعتراف بالعدو، وتشكلت السلطة الفلسطينية على أرض المعركة على وهم دولة فلسطينية حدودها الـ67 فقط.! أما فلسطين التاريخية والجغرافية فقد أصبحت حقاً مكتسباً بالقوة وبدعم “الشرعية الدولية”، ومباركة “الممثل الشرعي لكل الفلسطينيين” “ودول الاعتدال” فقد أصبحت في حيازة المحتل والمغتصب والظالم والقاتل.
إن المراسيم والفرمانات التي أصدرها ويصدرها “الرئيس” منذ التمهيد لتوليه الرئاسة تصب تحت هذا العنوان، فقد بدأ عهده الميمون ب دعوة وطنية للخرس الجماعي ، وأن على الإعلام الفلسطيني أن يتوقف عن التحريض ضدّ الساميّين، والمقصود الاحتلال الهمجي السارق للأرض والمدمر للبشر والحجر.
وقد استمرت التصريحات الموجهة لصدر المقاومة، كونها تعيق عملية “السلام” وأن صواريخها، تقوض المباحثات الفلسطينية- “الإسرائيلية”. مزامنة مع عمل دؤوب من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة والقطاع التي كانت أيضا تعمل وتحت عنوان “المصلحة الوطنية” في تزويد العدو بمعلومات تفصيلية عن الأنفاق والمقاومين وتحركاتهم، ناهيك عن الحصار الخانق لتركيع الشعب الفلسطيني لقاء حاجته للرغيف، وكل ذلك بالموازاة مع من يمتشق القلم مدافعاً عن “العهد العقلاني الواقعي”، بأنه يعمل من أجل تلك المصلحة الوطنية…
بعد العملية التصحيحية بغزة، والقضاء على أجهزة لم تعمل يوماً لأمن الشعب ومواجهة الاحتلال، وبعد أن بدأت الوثائق والفضائح تظهر، وقوائم الفساد والسرقات التي أوصلت الشعب إلى تحت خط الفقر، وملاحقة المناضلين واقتحام مدن الضفة، وقد جرى أثناء محادثات عباس- أولمرت أن أصرّ عباس على التفريق بوضوح في التعامل بين الشعب الواحد في الضفة وفي القطاع، والاستهانة بارتهان الآلاف من المعلقين بين السماء والطارق في معبر رفح، ودليلنا: لماذا لم يطلب رئيس كل الشعب الفلسطيني رسميا من “إسرائيل” فتح معبر رفح؟، وهو يتغنى بمصلحة الشعب ووحدته، ولماذا تقتصر المساعدات من الصندوق السعودي للتنمية على حركة فتح فقط؟، أما باقي الشعب الفلسطيني فلا حقوق له وسيلة عقاب وتأديب!.
أطل علينا مستشار الرئيس الراحل عرفات بعد “صمت طويل”، وهو في الحقيقة لم يعلن عن جديد في قضية تسميم الرئيس، فقد بات الجاهل يعرف أن “إسرائيل” بعد محاصرة عرفات ومقاطعته ثلاث سنوات، لأنه رفض المساومة على حق العودة والقدس، سعت إلى تصفيته وبأيد فلسطينية، بل ومن أحد المقربين له الذين يستطيعون النفاذ إلى مكان إقامته، ورغم ذلك أوعز المستشار أن (التفاصيل لها وقتها، وليس من الواجب والحكمة أن أنبه الجاني).
وبالربط بين تصريحه وبين الحوار الذي أجراه الإعلامي شاكر الجوهري في 6/8/2007، فإن رحى قصة نهاية الرئيس ياسر عرفات، بأدوار البطولة، تتناوب بين عباس وسهى الطويل وحلفاء كل منهما.
الشخصيتان الرئيسيتان مستبعدتان من الاتهام بالتورط المباشر بتسميم الرئيس، ولكنهما على الأقل قريبان ومتحالفان مع منفذ الجريمة، وقد كان عباس على خلافات دائمة مع الرئيس عرفات، ولم يكن مقرباً وملازماً له. أما سهى فلم تكن تقيم في تلك الفترة في رام الله، بل متنقلة بين تونس وباريس “مربط خيلها”. ومن الطبيعي أن يشار بالاتهام إلى حليف عباس وهو دحلان حسب الوثيقة الموجهة منه لموفاز، والتي جاء فيها (تأكدوا أيضاً أن السيد ياسر عرفات أصبح يعد أيامه الأخيرة، ولكن دعونا نذيبه على طريقتنا لا طريقتكم). من الملاحظ في هذه الجملة أنه لم يأتِ على ذكر عرفات كرئيس، وما عُرف إبان مقتل عرفات أنه لم يكن على وفاق معه، وفي مقابلات صحفية عديدة، أبدى امتعاضه من سياسة الرئيس، وأن هناك طريقة “للتذويب!”، تلك الكلمة التي أنهت حقيقة حياة عرفات.
المتهم الثاني هو أحد حلفاء سهى الطويل، خالد سلام أو رمزي خوري، والمقربان جداً جداً لها. هنا لا بد أن نشير إلى الصفقة التي أُبرمت في المستشفى في باريس حيث كان يرقد الرئيس عرفات، وسهى هي المسؤولة المباشرة التي وافقت على إلغاء الأجهزة التي توصله بالحياة رغم موته السريري، وقد تزامن ذلك مع ظهورها على شاشات التلفاز مستجيرة بالشعب الفلسطيني من حفنة من المستورثين، و أعلنت صراحة “أ طالبكم أن تروا حجم المؤامرة و أ نهم يحاولون دفن أبو عمار وهو حي “ ، إلى أن تمت الصفقة بشكل يرضي الطرفين، ومقايضة السلطة بالمال من طرف سهى الطويل.
بالعودة إلى الحوار مع الطبيب الخاص للرئيس عرفات، فإنه أصر وقال بأنهم لم يقبلوا في باريس: ( وعندما عاودت الاتصال بالقدومي في اليوم التالي، أو الذي بعده قال لي إن أحدا لم يقبل بذلك.)، فمن كان المخول والمقرر، برفض أخذ عينة دم من الرئيس، وإرسالها إلى واحدة من دول أوروبا الشرقية، كون هذه الدول تملك مختبرات متخصصة بالتسمم، وهي على مستوى رفيع من الأهلية حسب ما أشار له الدكتور أشرف الكردي؟، والقوانين الفرنسية لا تقبل بأي مطالب إلا بما تشير به زوجة المريض.
بالربط بين الحوار وحلفاء الشخصيتين الرئيستين وإصدار القرارات الحاسمة، نستنتج أنهما على علم بالجاني، والسكوت عنه، وذلك يخدم مصالح الطرفين، أو لنقل تقاطع المصالح، فهي حازت على المال، وعباس فاز بالسلطة وخزينة المال الفلسطيني، واستمر كونه اللاعب والمهندس الأساسي لاتفاقية أوسلو، والقابل لأي أوامر أمرو-“إسرائيلية”.
بعد فشل دحلان بالقضاء على حماس، تبرأ منه أصدقاؤه الصهاينة وشلة الحكم المحلي الفعلي حتى هذه اللحظة في فلسطين المحتلة، وبطلب من الإدارة الأمريكية، تم مصادرة جزء من أمواله في البنوك وتجميد جزء آخر، وطُرد من رحمة البلاط الأوسلوي، واستقالته كانت مجرد حفظ ماء الوجه لا أكثر.
أما الشخصان الآخران حليفا سهى، فأولهما رمزي خوري مدير مكتب الرئيس، واعتقد أنه كان ملازماً له بحكم ارتباطه بأجندات العمل اليومي للرئيس، وخالد سلام المؤتمن على أسرار المال.
إذن هناك شخصيات يجب مساءلتها ودعوتها للشهادة، خاصة أن هناك خيوطاً مرتبطة بتصريح بسام أبو شريف، وأن الحكمة تقتضي ألا ينبه الجاني، ولا أظن أن القاتل بعيد عن المحيطين بالرئيس قبل وفاته. ولا بد أن أشير هنا بأنني من موقعي هذا لا أدين أحداً ممن وردت أسماؤهم، لكنني أضعهم في حكم المساءلة القانونية والقضائية والشهادة.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل من الحكمة أن يخفى سر وفاة الرئيس عرفات سنوات بينما ينعم القاتل ومن وراءه بالحرية، أو بصفوف قيادة الشعب وقضيته نحو الهاوية؟. الرئيس عباس لا ينفك يردد حرصه على الوفاء والولاء لعرفات، وكل هذا من أجل المصلحة الوطنية أيضاً!؟…
فهل يجوز يا سيادة المستشار تأييد إيقاع عقوبة على شخص وضع في خانة المسؤول عن هزيمة وسقوط الأجهزة الأمنية في غزة، وتبرئته، أو عدم مساءلته عن جرائم أكبر وأخطر؟.
يقول المثل الشعبي “عندما تقع البقرة، تكثر سكاكينها”، وبما أنها ميتة لا محال، فلماذا لا تُلصق لها تهمة قتل الرئيس عرفات، وتلك الشخصية ساقطة ومرفوضة على المستوى الشعبي الفلسطيني وعلى مستوى جميع الفصائل المقاومة، لا بل تعدى حدود سقوطها إلى إدراك الأنظمة والشعوب العربية. كما أن أمريكا و”إسرائيل” استغنت عن خدماته، ولم يعد قادراً على الوقوف مجدداً بعد تبجحه العلني بقدرته وسطوته، ولم يحقق ما أُوكل له في القضاء على حماس، كأقوى فصيل مقاوم.
قانون الاحتمالات وارد دائما في حالة الفوضى واستباحة ثوابت القضية الفلسطينية، ف المستشار بسام أبو شريف والذي كان من قادة الجبهة الشعبية، حاله كحال المالكي، الذي انضم إلى الجوقة السلطوية في حين أصدر بياناً إبان تشكيل السلطة، يطالب الشعب الفلسطيني برفع الأعلام السوداء الفلسطينية بوجه من قبل شروط الإذلال، وما أطلق عليها بالعودة المذلة باتفاق غزة- أريحا. واليوم يقف المالكي بصف المبادرات الأمريكية، سواء كان اليوم عباس على رأس السلطة أو غيره غداً.
بسام أبو شريف يستمر بدور كان منوطاً له، “كبالون اختبار”، وأراد العودة إلى لعب دور بارز في تغيير قواعد اللعبة.
صمته لسنوات وظهوره في هذا الوقت تحديداً، له أكثر من دلالة في توجيه الرأي العام الفلسطيني خاصة والعربي بشكل عام، إلا أن قاتل عرفات سُيكشف عنه قريباً، لإزاحة الأضواء عن الترتيبات للمؤتمر المنوي انعقاده من أجل ما يسمى “السلام”،وأبو شريف يؤيد المبادرة العربية والأمريكية، أو أنه بدأ يشعر أن مرحلة التغيير بدأت تُؤتى ثمارها، وبالتالي فإن كل من يستطيع أن يثير شكوكاً حول قتلة ومستورثي الرئيس عرفات متاحة، دون الكشف عن هويتهم، وتأجيل المفاجأة الصاعقة إلى حين جهوزية أمر ما يرقيه إلى مستوى اللعب الرئيسي.
بالطرف المقابل، حماس والمقاومة الفلسطينية بشكل عام مستفيدة من ظهور الحقيقة، لأن إزاحة المستشار الحجاب عن الحقيقة بأسرع وقت، سيؤدي إلى تغيير جوهري بكل القيادة الفلسطينية، وإقصاء كل من يحوم بفلك الوارث للسلطة والمال الفلسطيني، والمكشوف لدى جميع الأطراف بالدفاع عن عصابة آل صهيون، والمماطلة بوعود لن تكون إلا كوعد إبليس بالجنة .
لقد باتت المصلحة الوطنية قناعاً أو فزّاعة أو قشة يتعلق بها من يريد التسلق على الشجرة التي أنهكتها الرياح التفاوضية والإفسادية، فكم من الجرائم تُرتكب باسمها، ونحن ننتظر أن تُمطر السحب السرابية استرداداً لبعض الحقوق المغتصبة، ولن يتحقق ذلك بمفاوضات ليست أكثر من متاجرة بوجودنا، وهي في الوقت نفسه ترحب بمبادرة جاءت على طبق أمريكي مهيمن على العالم، وعلى منظماته الإنسانية والعدلية.
وأخيراً، يبقى الخبر اليقين بعيداً عن جهينة، وقريباً بل وفي جعبة السيد بسام أبو شريف، ولست أدري إلى متى سيقدر على الكتمان، وإلى متى يسكت عن ظلامية المرحلة التي أ
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...