الإثنين 12/مايو/2025

الرواتب بين الابتزاز الرئاسي والضمير الإنساني

إياد القرا

تحولت قضية الرواتب في الشارع الفلسطيني إلى حديث الساعة إن لم يكن كل الحديث، في ظل سياسة حكومة رام الله ضد أبناء الشعب الفلسطيني دون تمييز تحت شعار كبير الشرعية، حتى تحولت الرئاسة إلى موضع استهزاء لما تطرحه من قضايا تلبسها ثوب الشعرية وتحولت الشرعية لملهاة لمستشاري الرئيس والمالكي وزير إعلام حكومة رام الله.

فانقسم الموظفون وتمايزوا لفئات، حيث الاختبار الحقيقي للموقف الإنساني والأخلاقي للعديد من منهم واثبتوا بجدارة إنسانيتهم ورفضهم أن يكونوا موضع ابتزاز من قبل الرئاسة والتزموا بعملهم على الرغم من أن جزءاً كبيراً لا ينتمي لأي حزب أو فصيل.

بعض الموظفين يستحقون كل احترام وتقدير لموقفهم الإنساني والأخلاقي ورفضهم الابتزاز الرئاسي ومقايضة رواتبهم ورزق أبنائهم مقابل جلوسهم في بيوتهم مثل العجائز بلا ضمير، فعدد كبير من الأطباء والممرضين والعاملين في مجال الصحة والتعليم وبعض أفراد الشرطة رفضوا الأوامر بجلوسهم في البيت واستمروا في خدمة أبنائهم ومواطنيهم بكل أمانة وإخلاص وهذا يحتاج لتكريم واحترام خاص لموقفهم الإنساني، وتحديهم للابتزاز الأخلاقي، لقناعتهم أن هذه السياسة مصيرها الفشل، في حال تمسك الموظفين بأخلاقهم وضميرهم وانحازوا لخدمة شعبهم وأوكلوا أمرهم لله، وعملا بمبدأ أن الرازق الله، وأن الحرة تموت ولا ترضع من ثديها.

في حين أن نوعاً من الموظفين ارتضى لنفسه أن يتحول إلى عبد للراتب ومجرد صراف آلي وتجرد من كافة الأبعاد الإيمانية والأخلاقية والإنسانية وجلس في منزله مثل العجائز ينتظر الراتب الشهري، وتخلى عن ضميره ومهنيته مقابل راتب، ويعاني من مرض التملق الكذب والنفاق والتلون واختلاق الذرائع لأي سبب للتهرب والجلوس في البيت.

إن هذه المجموعة هي أصلا من الفئات ذات القدرات المحدودة في مهنيتها فبعد 12 عاما من العمل في السلطة الفلسطينية تجده لا يتقن شيئاً وعاجزاً عن أن يقوم بعمله اليوم تحت مبررات غير منطقية من ضعف الإمكانات وضعف المؤسسات، لتخلص في النهاية إلى أن غالبية العجزة جلوسهم في البيت هو أكثر فائدة للخزينة العامة فغيابه يوفر القيمة التشغيلية للمؤسسة أو الوزارة ويستطيع اثنان او ثلاثة موظفين القيام بعمل عشرين شخصا من هؤلاء العجزة، ومن يزور المؤسسات والوزارات في قطاع غزة ويتلمس الأمن في قطاع غزة يعرف ذلك جيداً.

وامتداداً لذلك حول جزء منهم في رام الله إلى مجرد جواسيس وكتبة تقارير عن المؤسسات وعن الملتزمين بالعمل ونقلها إلى رام الله، فهل بقى لهؤلاء أخلاق يستحقون عليها تقدير؟!

إن سياسة السلطة الفلسطينية على مدار ثلاث عشر عاما خلقت جيلاً من الموظفين المستسلمين لا هم لهم سوى الراتب الذي سرعان ما يذهب بداية كل شهر لاحق، ونظاماً اقتصادياً مسرفاً مبنياً على القروض المثقلة للموظف لا يفكر أكثر من صرف راتبه الشهري بدون أي بعد استثماري، لذلك نجده مجرد آلة صراف آلي لراتبه الشهري.

إلى الجانب الآخر للقضية وما تمارسه حكومة فياض من رام الله من ابتزاز للموظفين هو عمل غير أخلاقي يتنافي مع أدنى المبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان وسياسة قطع الأرزاق للموظفين الذين تمسكوا بضمائرهم  ومهنيتهم في حين يكافأ من يجلس بمنزله، والغريب انه يدفع له مواصلات لم يدفعها، وتصبح المعادلة المقلوبة من يعمل لا يستحق راتبا، ومن لا يعمل يستحق راتباً في معادلة غير أخلاقية وغير أدبية صاغها الرئيس عباس ووافق عليها ونفذتها عصابة رام الله برئاسة رمز النزاهة والمهنية سلام فياض!.

إن ما تقوم به حكومة رام الله من أعمال مشينة وغير أخلاقية ضد الشعب الفلسطيني تصنع شرخا في معادلة الأخلاق في المجتمع الفلسطيني وقيمه وآدابه، فهل يعقل أن نعلم أبناءنا على مدار السنوات أن من جد وجد ومن جد حصد في حين تصبح المعادلة من قصر في واجبه نكافئه ومن جد نعاقبه.

حقا إنها مفاهيم أمريكية وقيم يودون نشرها كما أعلنها وزير الإعلام في حكومة رام الله رياض المالكي احد رموز حقوق الإنسان سابقا ومسوقي الديمقراطية في فلسطين، عجبا لهذه القيم والمبادئ التي يريد أن ينشرها معالي الوزير الذي أساء لمفهوم حقوق الإنسان والديمقراطية التي عرفناها وتربينا عليها.

كل ذلك في ظل صمت غريب من الفصائل والأحزاب والقوى التي تحولت إلى مجرد أحزاب بيانات شجب واستنكار لأي فعل بسيط قد يقع، في حين أن قطع أرزاق 35 ألف موظف غلبان هي ليست مشكله لا تستحق بياناً أو مطالبة، يضاف إلى ذلك بعض مؤسسات حقوق الإنسان التي يصلح إطلاق لقب مؤسسات الصمت الإنساني عليها، على الرغم من أن بعضها يستحق كل احترام وتقدير على موقفها الإنساني ومتابعتها لهذه القضية، إلا أنني اقترح عليها أن تعلن البراءة من قيم رياض المالكي وأمثاله المستوزرين في رام الله والذين أساءوا لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ووجهوا ضربة قاسمة لها بعد أن ثبت أنهم مجرد تجار، ويلبسون قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

* المستشار الإعلامي لهيئة رئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات