الإثنين 12/مايو/2025

اجتثاث كلمة خبيثة

ناهض منير الريس

كلمة خبيثة ولكنها تافهة ، قالها كاتب صهيوني في إحدى جرائدهم، ومع أن أمثالها من الكلمات هي التي وصفها الذكر الحكيم بأنها كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، أي أن مصيرها الإلقاء في المهملات دون أن تخلف أثرا أو تنتج فائدة، فقد رأيت أن أبين خبثها وزيفها، وأن أساهم في اجتثاثها في زمان تروج فيه بضاعة الخبث والزيف والباطل.

قال الكاتب الصهيوني في الصحيفة الصهيونية: “إن الفلسطينيين لا يجتمعون إلا على شيء واحد هو كراهيتهم لـ(إسرائيل). ولكن ذلك ليس من شأنه أن يجعلهم شعبا واحدا”.(!)

وهذه العبارة المسمومة تحتوي في معناها على أكثر من دعوى باطلة قامت عليها الحركة الصهيونية و(إسرائيل): 

أولى الدعاوى الباطلة أن الفلسطينيين يكرهون الإسرائيليين بدون سبب.

وثانيها أن هذه الكراهية هي العنصر الوحيد الذي يجمعهم.

والثالثة أن الفلسطينيين ليسوا شعبا واحدا.

والمرء يستغرب ويذهل من مقدار ( العمى ) الذي يصيب الإسرائيليين عند نظرهم لأي شيء يخص الفلسطينيين، وبالتدقيق في هذا العمى يتضح أنه (تعامٍ) لا عمى ..

فمن الذي بادر الآخر بالكراهية؟ أهم الفلسطينيون أم الإسرائيليون؟ وهل كان في فلسطين قبل عام 1948 شيء اسمه (إسرائيل) والإسرائيليون؟ أم كان هناك عرب فلسطينيون هم غالبية سكان البلد وإلى جانبهم قلة من اليهود مثل الجاليات الموجودة في أي بلد آخر. (وبينما قدر عدد سكان فلسطين عام 1516 بثلاثمائة وخمسين ألف عربي فلسطيني، لم يكن تعداد اليهود ـ وفقا للمراجع الصهيونية نفسها ـ يزيد على خمسة آلاف نسمة، موزعين بين القدس والخليل وربما طبريا وصفد)، وعاشت هذه الجالية اليهودية الضئيلة بين هذه الأغلبية العربية الطاغية في ظل دولة إسلامية هي الدولة العثمانية، ولم يتعرض اليهود أبدا لأية مشكلات مع العرب الفلسطينيين إلى أن كشف سر وعد بلفور 1917، الذي وعد اليهود بالتآمر على بلاد الفلسطينيين، وتم تنفيذه لاحقا بواسطة البريطانيين.

لم يكن بوسع الفلسطينيين أن يحبوا اليهود ولا أن يتسامحوا معهم بعدما تبين أن الحركة الصهيونية تريد أن تنتزع أرض الفلسطينيين من تحت أقدامهم بالرضا أو بالإكراه. لم يكن بوسع الفلسطينيين أن يقبلوا المشروع الصهيوني الذي كان يعني نفيهم ، إلا إذا تصهين الفلسطينيون وسلموا بدعوى أعدائهم وهو ما لا يعقله عاقل.

ومع ذلك فإن كراهية الفلسطينيين لليهود في تلك الفترات كانت نوعا من الهياج الانفعال. أما الصهيونيون فقد برمجوا الكراهية في مؤسسات معادية، وبرمجوها في التربية التي دأبوا على تلقينها للأجيال الجديدة منهم، وسأظل أذكر دائما قصة سمعتها من أحد الشيوخ الكبار الذي كان تاجرا فلسطينيا يتعامل في زمن الانتداب البريطاني مع تاجر يهودي صديق في تل أبيب، وكانت بين الاثنين زيارات متقاربة، وكان التاجر العربي محروما من الأطفال، ويحرص على حمل هدية صغيرة لطفلة صاحبه كلما زار بيته، لأنها كانت طفلة عذبة، فكانت كلما رأته أقبلت عليه وجلست في حضنه: وحدث أن زياراته توقفت مدة عام أو عامين، فلما ذهب بعد ذلك الغياب ورآها مع مربيتها ناداها باسمها ودعاها إليه ولكنها رفضت، وأحس والدها بالحرج فقال لها: تعالي سلمي على عمو، فأجابت بالعبرية: “لا هذا عربي!”
 
كانت كراهية الصهاينة للفلسطينيين هي الكراهية المنتجة، لأنها كانت موجهة وكانت مبرمجة وكانت موظفة في خدمة حرب قادمة تجهز لها المنظمات العسكرية اليهودية التي نشأت في الخفاء.

فلا يأت لنا كاتب إسرائيلي ليقول لنا اليوم إن الفلسطينيين يعيشون على الكراهية بلا عذر ولا سبب، فهذا الاتهام الإسرائيلي يتضمن في ثناياه دمغة العنصرية التي يدمغ بها اليهود أعداء الأمس وحلفاء اليوم من شعوب أوروبا المتهمين بأنهم كرهوا اليهود، وتحيزوا ضدهم وجعلوهم منبوذين .

وكراهية الفلسطينيين للإسرائيليين اليوم حالة يجب أن توضع في سياقها التاريخي: في سياق المذابح التي ارتكبتها عصاباتهم على التوالي طوال عام 1948، ونشرت الدم والخراب في جميع الأنحاء .  

أما القول بأن الفلسطينيين ليسوا شعبا فإنه بالغ الغرابة، لأن مقومات الكيان الجمعي للفلسطينيين أكبر وأوفر من مقومات أي شعب من شعوب العالم، بالنظر لوحدة الدين واللغة والأصل والتاريخ والآمال والآلام ! وأغرب من كل شيء أن يأتي هذا الادعاء ضد الفلسطينيين .. ممن ؟ .. من اليهود المختلفين في كل شيء، ولا يجمعهم إلا الطمع في بلاد الآخرين، والكاتب يشير بالطبع إلى خصومات الفلسطينيين بعضهم وبعض وإلى المشكلات الأخيرة بخاصة، ونسي الكاتب أن الفلسطينيين لم يبلغ بهم الحال أن ينسفوا باخرة محملة بالمهاجرين اليهود كما فعلت الهاجاناة في حيفا ذات يوم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....