الأحد 11/مايو/2025

اعتبروا يا أولي الأبصار

د. يوسف المنسي

كم هي صغيرة هذه الدنيا وكم هو قصير عمر الإنسان فيها، سريعاً تمر السنين وتنطوي الأيام وتفنى الزعامات وتتهاوى العروش ولا يبقى من أثرها إلا ما قد فعلته بحياتها، كم كانت صولات وجولات لأقوام مضوا ولا نعلم عن حياتهم إلا ما قد وثقته الروايات وكتب التاريخ، وإن أصدق سجل لتاريخ الأمم الغابرة ما روته قصص القرآن الكريم، فما علينا إلا أن نتصفح كتاب الله الذي هو محفوظ بحفظ الله ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فإذا ما وقفنا مع موقف واحد مما سجله القرآن الكريم ونحن اليوم نعيش صورةً شبيهة لتلك الصورة التي وردت في الآية السابعة من سورة المنافقون [هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ] هكذا اعتمد أهل النفاق حربهم مع أصحاب رسول الله r حصار اقتصادي وتهديد في الأرزاق تماماً كما يحدث اليوم، فالعالم الظالم يتساوق مع العدو الإسرائيلي المحتل لأرضنا ويشددا الحصار على الصامدين من أبناء هذا الشعب المجاهد لا لذنب سوى أنه اختار قيادته صاحبة مشروع المشروع المقاوم وبصورة ديمقراطية شهد بنزاهتها القاصي والداني، لكن هذا الاختيار لا ولن يُرضي الأعداء وبالتالي لن يُرضي المنافقين من هذه الأمة الذين باعوا أنفسهم جنوداً للمشروع الاستسلامي مقابل أوهام زائفة وأموال فاسدة.

فهل نجحت محاولات الأولين في وقف المد الإسلامي عن أن يُحدث في هذه الأمة حقيقة التغيير والإصلاح ؟ بالطبع لم ينجحوا في ذلك ليس لشيء إلا لأن من حمل مشروع الإصلاح والتغيير والتف حول رسول الله ، إنما حمله ليرضي ربه صابراً على ظلم الظالمين، مستسلماً لله رب العالمين موقناً بنصر الله لهذه الأمة ولو بعد حين، فكان النصر والتمكين للمجاهدين الصابرين المحتسبين رغم قلة عددهم وعتادهم، رغم الحصار والجوع، رغم التهديد بالأرزاق وحبس الحريات، رغم مكر الليل والنهار وقلة الأنصار.

أما بقي في رجالات رام الله من عقول يفقهون بها أو آذان يسمعون بها ؟ فما زالوا يحرضون علينا الأعداء بل ويشاركونهم في حصارنا وحبس حرياتنا وخنق أرزاقنا، ويطالبونهم مزيداً من التشديد وتضييق الحصار، ويسخّرون كل جهودهم وإمكاناتهم وما تفتقت به عقولهم في حرمان أبناء قطاع غزة حتى من لقمة عيشهم، يهددونهم بحرمانهم من مرتباتهم ويطالبونهم بالتخلي عن أعمالهم في صورة مقيتة من صور العصيان المدني في محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل الرابع عشر من شهر يونيو 2007م.

إن من استمتع بالأمان في ليله ونهاره بعد شهور سوداء من الفلتان الأمني الذي حصد الكثير من خيرة شباب هذه الأمة من حفظة كتاب الله تطبيقاً لخطة دايتون “الشرير”، لا يمكن أبداً أن يقبل بعودة الظلم والظالمين، أولئك الذين حاربوا أولياء الله وما علموا قول رب العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله r [من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ] ، فإن ما حدث في غزة من سقوط للظالمين إنما كان بحرب من الله عليهم بظلمهم وعدوانهم على أولياء الله في المساجد والبيوت وفي الطرقات.

وما لا يمكن تصوره أن المشاهد والمواقف التي كانت تحدث في غزة قبل 14 /6 / 2007م عادت لتتكرر في الضفة الغربية، والفاعل هو نفسه الفاعل، إنه رضي لنفسه أن يكون أداةً في يد دايتون “الشرير” لينفذ خططه ويتلقى الأموال الأمريكية المسمومة بسُم الأفعى الأمريكية “كونداليزا رايز” صاحبة منهج الفوضى الخلاقة ولم يتعظ المسكين من دروس القرآن الكريم في قصص الأمم الغابرة، ولم يتعظ بما شاهد بأم عينيه وسمع بأذنيه من نتائج حربه لأولياء الله ، بل وأغمض عينيه وصم أذنيه عن سماع كلام الله [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ] وظن الأحمق بأن الرزق بيد الأمريكان، كما لم يتعظ أولئك حتى بما قاله الآباء والأجداد من الحِكَم والأمثال والأقوال المشهورة، فكما يقولون: “ إللي يجرب المجرب عقله مخرب” .  

أما آن الأوان لأن يصحو النيام ويعودوا لرشدهم، أما آن لهم أن يعتبروا وينفضوا عن أنفسهم أوهام شيطان الأمريكان، فما زال هناك متسعٌ للعودة للرشد قبل فوات الأوان، العودة للوطن وللصفحات الناصعة من التاريخ، لتتصافح الأيادي الطاهرة المتوضئة المتوكلة على الله، المؤمنة بأن الرزق بيد الله، وليتوحد الصف الفلسطيني تحت راية الحق راية الوطن كل الوطن بعيداً عن الانقسامات والتشرذم، متمسكين بكل ثوابتنا الوطنية، موحدين أمام أعدائنا، لا نخشى في الله لومة لائم، وحينها فقط سنكون بإذن الله تعالى قادرين على تحقيق آمالنا في إقامة الدولة الفلسطينية الحرة وعاصمتها القدس الشريف، دولة كاملة السيادة بحدودها المستقلة وشعبها الموحد.

ومن تخلف عن الركب واختار طريقاً آخر متعلقاً بالأوهام، فستدوسه خيول الحق اليوم أو غداً ولن يجد له ولياً ولا نصيرا، هكذا كانت حكايات الأمم السابقة وهكذا هي سنة الله التي لا تتغير مهما تغيرت أسماء وألوان الشعوب، فهاهم إخوانكم في غزة هاشم ينادونكم نداءً صادقاً، فكما تسامح مع المعتدين مع قدرته على القصاص منهم حين قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء ، ها هو اليوم وبصفاء النية يفتح يديه لكم للعودة للتوحد أمام المشروع الصهيوأمريكي، ذلك المشروع الذي يخططون له بالليل والنهار ويرصدون له ملايين الدولارات فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ].

 

 
* وزير الاتصالات في حكومة الوحدة الوطنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات