السبت 10/مايو/2025

الفلسطينيون ومنظمة تحرير (إسرائيل)

د. هاني الرويشي

بعد النكبة التي تعرض لها الفلسطينيون في عام 1948، تم تهجير أعداد كبيرة منهم الى مناطق داخل وخارج فلسطين ، ليعيشوا حياة اللجوء في الخيام وبيوت الصفيح وليستجدوا العالم لقمة العيش، وتم إلحاق قطاع غزة بالدولة المصرية بينما انتقلت الضفة الى الحكم الأردني ، ومن ثم أعلن الأردن ضم الضفة الفلسطينية الى أراضيه رسمياً في عام 1950، ولقد أبدت الأنظمة العربية تعاوناً كبيراً في الحفاظ على الهوية الفلسطينية فأقاموا مخيمات اللجوء – ولا يزالون – وفرضوا على اللاجئين حياة لا تطاق حتى لا ينعمون بحياة راغدة تنسيهم وطنهم كما منعوهم من العمل والتملك والحركة والتعليم في المؤسسات الحكومية وغير ذلك ، بخلاف بعض الاستثناءات!!. ولم يمانع اللاجئون وقيادتهم بذلك، حيث كانوا يحتفظون بمفاتيح ديارهم ومتاجرهم وأوراق ملكية أراضيهم، وهم متشوقون الى العودة والتخلص من كدر العيش في المخيمات، وظن الجميع أنها مجرد أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات بسيطة على أبعد تقدير، وهذا أقل ما يُبذل لوطن عزيز كفلسطين، أما المجتمع الدولي فكان يعلم تماماً حجم المشكلة وأن قضية اللاجئين لن تتم معالجتها في وقت قريب ، مما دعاه الى إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وفتح مراكز لها في أماكن تواجدهم.

وامتد المقام في الشتات وعلى أرض المخيمات لسنين وسنين بينما لم يحرك العرب ساكناً ، إلى أن قرر مؤتمر القمة العربية في القاهرة في يناير 1964 إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية للقيام بواجب حفظ القضية وتحقيق “أحلام” الفلسطينيين بالتحرير والعودة، وفي منتصف عام 1964 تم الإعلان عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية بغرض طرد الاحتلال من فلسطين التاريخية ولتمكين اللاجئين من العودة الى ديارهم وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على “كامل التراب الوطني” وذلك عبر طريق وحيد هو الكفاح المسلح ، وتولى الرئيس الراحل عرفات رئاستها في عام 1969.

 وفي هذه الأثناء أنشئت الفصائل الفلسطينية بقرارات وطنية أو اقليمية أو انشقاقية ، وأصبح لدى اللاجئ الفلسطيني تشكيلة واسعة من التنظيمات والأُطر ليختار منها ما يناسبه ، وفي بعض الأحيان من يدفع أكثر أو من لديه سطوة أكبر يستند اليها اللاجئ عند الشدائد.

 وبعد هزيمة العرب في حزيران 1967 التحقت أعداد كبيرة من النازحين بإخوانهم اللاجئين في مخيمات الشتات مما زاد الأمور تعقيداً، وبعد حرب أكتوبر 1973 ظهرت تطورات جديدة، حيث انعقد المجلس الوطني الثاني عشر في القاهرة عام 1974 وجرى فيه بعد مناقشات مكثفة وعسيرة إصدار برنامج سياسي مرحلي ، عُرف ببرنامج النقاط العشر الذي ينص على إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره من الوطن.

 والغريب أن البند الثالث من النقاط العشرة ينص على نضال منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وتقرير مصيره فوق ترابه الوطني” .

ومن المعلوم أن التحول من إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الى سلطة فلسطينية على أي أرض يتم تحريرها كان بغرض تمهيد الطريق للاشتراك في مؤتمر جنيف الدولي الذي كان مقرراً انعقاده بعد حرب تشرين، وقد انسحبت بعض المنظمات وفي مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اللجنة التنفيذية ، على أساس أن البرنامج المشار اليه يشكل خروجاً عن الميثاق الوطني والقرارات السابقة.

 وفي نفس العام حصلت المنظمة على صفة مراقب في الأمم المتحدة وبعد إعلان الدولة في العام 1988 تم تغيير اسم الوفد من وفد منظمة التحرير الى وفد فلسطين. على أي حال فقد استمرت العمليات المسلحة ضد (إسرائيل) عبر الحدود الأردنية حتى حدوث الصدام المسلح بين الجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية في العام 1970 ، وفي يوليو 1971 تجدد الصدام واضطرت القوات الفلسطينية الى مغادرة الساحة الأردنية وأُغلقت في وجهها الحدود، وبعد حرب لبنان عام 1982 خرجت قوات الثورة من لبنان وبذلك فقدت الثورة قدرتها على الاحتكاك المباشر بـ(إسرائيل) وأدى ذلك الى سقوط شعار التحرير من وراء الحدود ، حيث فقدت الثورة كل الحدود التي كانت متاحة.

 وانحسر دور منظمة التحرير بعد خروج قواتها من لبنان، ويمكن قراءة ذلك في بيانات اجتماعات المجلس الوطني التي كان آخرها عام 1987 – قبل الانتفاضة بثمانية أشهر – حيث ورد في البيان الختامي ما يلي: “وفي الوقت الذي يؤكد فيه المجلس الوطني على حق شعبنا المشروع بممارسة الكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال الصهيوني العنصري البغيض للوطن الفلسطيني فإن المجلس الوطني ليؤكد رغبة الشعب الفلسطيني في تحقيق سلام دائم وعادل يستند إلى حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف بما فيها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق التراب الوطني وذلك في إطار مؤتمر دولي فاعل تشارك فيه الدول الأعضاء دائمو العضوية في مجلس الأمن الدولي وكافة الأطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى “.

 أردت بهذا العرض أن أشير إلى أن هناك محطات مهمة مرت بها القضية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، لكن من الواضح أيضاً أنها لم تتمكن من إحداث أي اختراق فيما يتعلق بأساس وجودها وسبب نشأتها وهو تحرير كامل الأرض وإقامة الدولة عليها بالإضافة الى عودة اللاجئين، وعلى العكس من ذلك تماماً فإن المتمعن في سياسات وبيانات مؤسسات المنظمة الرسمية يجد هبوطاً مستمراً في سقف التطلعات الفلسطينية، فمن دولة على كامل ترابنا الوطني (فلسطين التاريخية) الى سلطة فلسطينية على أي جزء يتم تحريره، ومن رفض تام لإقامة حكم فلسطيني على الضفة وغزة والقدس إلى اعتبار ذلك أقصى ما نصبو اليه، ومن رفض الرئيس الراحل عرفات لتوقيع اتفاق يضمن الانسحاب من 97% من الضفة الى الترحيب اليوم بالانسحاب من 90% من الضفة مع تأجيل التنفيذ الى الوقت المناسب. ومن ثوابتنا بعودة اللاجئين الى النظر في حل مناسب لمشكلتهم.
 
وهذا الانحدار يدفعني للتساؤل: هل تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية لتحرير فلسطين من الاحتلال أم لتحرير (إسرائيل) من التزاماتها بموجب القانون الدولي؟ إن ما تنادي به المنظمة اليوم إنما يفضي الى تحرير (إسرائيل) من قرارات الأمم المتحدة ومنها قرار رقم 181 والقاضي بتقسيم فلسطين وحصولنا على 51% من أرضنا ، كما يحرر (إسرائيل) من قرارات مجلس الأمن 242 و 338 والتي تقضي بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967 ، كما يُحرر (إسرائيل) من قرار الجمعية العامة رقم 194 وعشرات القرارات المؤكدة له والقاضية بعودة اللاجئين الى ديارهم ، كما يحرر (إسرائيل) من مسئوليتها عن تهويد القدس وزرعها للمستوطنات وبنائها للجدار وقضمها للأرض وتحويل حياة المواطنين الى جحيم ، كما يحرر (إسرائيل) من عقابها على جرائمها بحق أبناء فلسطين في دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا ومخيم جنين وغزة وغيرها، وأتساءل أيضاً هل من المنطق أن نستمر في وصف هذه المنظمة بالتحرير؟ وأي تحرير يقصدون؟.

يقول الأستاذ شفيق الحوت، ممثل منظمة التحرير الأسبق في لبنان وأحد المؤرخين للحركة الوطنية الفلسطينية في حلقة النقاش العلمية التي أقامها مركز الزيتونة في الذكرى الثانية والأربعين لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في مايو 2006 ببيروت ما نصه: “في الميثاق 33 مادة آخر ثلاث منها تنظيمية أي بلا مدلول سياسي وطني لها أما الثلاثون المتبقية فكلها سياسية وطنية ومن النوع الذي لا يتفق مع تعهدات عرفات لرابين الواردة في رسالته أو مع اتفاقية أوسلو وما تلاها، أي أن المطلوب تعديله في الميثاق يتجاوز 90% من بنود الميثاق الوطني ، مما يعني فعلياً الغاؤه برمته وهذا ما حدث بالفعل”.   

وما يزال الشعب الفلسطيني على قناعة تامة بأنه يجب أن تكون منظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني وذلك لأسباب موضوعية، لكن ليس بصورتها الحالية التي ساومت وتساوم على حقوق شعب فلسطين، وإنما تلك التي يجب أن نبنيها على أسس جديدة وبمشاركة الجميع، لكي تكون بالفعل رأس حربة التحرير وممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات