الإثنين 12/مايو/2025

الأسرى الفلسطينيون واللعبة الإسرائيلية

الأسرى الفلسطينيون واللعبة الإسرائيلية

صحيفة الخليج الإماراتية

لم يكن إقدام الكيان الصهيوني على إطلاق 255 أسيراً فلسطينياً نتيجة حسن نية، بقدر ما هو غرض خبيث يفضي في استهدافه إلى اللعب على الخلاف الناشب بين حركتي فتح وحماس، مع التأكيد في نفس الوقت على بذل الجهود وبشتى الوسائل من أجل إطلاق أكبر عدد من هؤلاء الأسرى الأبطال، كما أن إطلاق أي معتقل فلسطيني من السجون والمعتقلات   “الإسرائيلية” يجلب الفرح والسرور لنا جميعاً عرباً وفلسطينيين، لكن ما نريد قوله هو إن عملية إطلاق الأسرى المحدودة جاءت في وقت راحت فيه أمريكا و”إسرائيل” تعملان على تغذية الخلافات الفلسطينية، كي يُسفك الدم الفلسطيني بأيادٍ فلسطينية، حتى تكون “إسرائيل” مقنعة في ذريعتها التي فحواها هو عدم وجود طرف فلسطيني مؤهل وقادر على مشاركتها في صنع السلام. هذا أولاً، وثانياً إن الإمعان في إراقة دماء الفلسطينيين هو هدف استراتيجي للكيان الصهيوني، فما بالك إذا ما قام الفلسطينيون أنفسهم بهذه المهمة؟

لاشك أن الخطوة “الإسرائيلية” المحدودة في هذه المرحلة يمكننا تفسيرها من خلال وضوح استهدافاتها، مع أنها في حقيقة الأمر لا تشكل خطوة كبيرة، خصوصاً وأن هذا العدد الصغير والضئيل من الأسرى المفرج عنهم، جاء من بين عدد كبير من الأسرى مازالوا يرزحون في سجون الاحتلال، وهو عدد يقارب ال 12 ألف أسير حسب المصادر الفلسطينية، موزعين على 27 سجناً ومعسكراً ومركز توقيف وتحقيق وسجون سرية كشف عنها مثل السجن السري الذي يحمل رقم (1391)، مع الإشارة إلى أن ثلث الشعب الفلسطيني دخل السجون “الإسرائيلية” منذ الاحتلال، ولم تترك “إسرائيل” أية وسيلة حربية ونفسية إلا واستخدمتها في عمليات الاعتقال العشوائية والجماعية، ودون تمييز بين كبير وصغير وبين ذكر وأنثى.

والمتابع لملف الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات والسجون “الإسرائيلية” يرى أن حجم المراوغة الذي يبديه الكيان الصهيوني أصبح كبيراً وسافراً، حتى إن دراسة جانبية تناولت الأسرى الفلسطينيين من مدينة القدس، أظهرت سماجة هذه المراوغة وتعقيداتها إذ قالت الدراسة إنه، منذ احتلال الشطر الشرقي للقدس عام 1967، فرضت سلطات الاحتلال على سكان القدس قيوداً متعددة، وأعطتهم تصنيفاً قانونياً شاذاً يستهدف شطبهم من سجل الوجود وهم أحياء، فتعاملت معهم على أنّهم مقيمون دائمون لديها، فلا هي اعترفت بانتمائهم للأراضي المحتلة عام 1967، ولا هي منحتهم مواطنة الكيان كبقيّة المواطنين الفلسطينيين في أراضي ال48، وهذا الوضع القانوني المبهم والظّالم، تمتدّ آثاره لتشمل الأسرى المقدسيين في سجون الاحتلال الذين يعاملون كفلسطينيين حين يطالبون بحقوقهم، ويعامَلون كمواطني دولة الاحتلال حين تكون هناك صفقات لتبادل الأسرى أو امتيازات تُمنح للأسرى الفلسطينيين نتيجة إضرابهم عن الطّعام وغيرها من الخطوات الاحتجاجيّة.

ومن الأساليب التي اتبعها الكيان الصهيوني حيال الأسرى، سياسة التجزئة وتصنيف المعتقلين حسب التهمة والانتماء ومكان السكن، وتحكم طوال الوقت بنوعية وأسماء المفرج عنهم، حيث استخدم هذا الكيان عمليات الإفراج كبالونات اختبار وبشروط سياسية وأمنية هدفها المساومة والمقايضة وعدم الاعتراف بمشروعية وقانونية نضال وكفاح المعتقلين الفلسطينيين الذين يطالبون بتوفير الحماية الدولية والحقوقية لإنسانيتهم وكرامتهم داخل السجون والمعتقلات.

المطلوب هو أن تكون قضية الأسرى من أهم القضايا الفلسطينية التي يجب على السلطة الفلسطينية والأطراف الإقليمية والدولية والمعنية أن تضعها على سلم الأولويات قبل الدخول في أية مفاوضات سياسية أو اتفاقات مرحلية، من واقع أنها من ضمن القضايا الكثيرة التي تم إهمالها في المفاوضات التي جرت سابقاً، بل ولم تضعها السلطة الفلسطينية ضمن شروطها عندما تفاوضت مع الكيان الصهيوني، ما حدا بالأوساط الفلسطينية إلى المطالبة بإخراج ملف الأسرى من جموده وجعله ضمن القضايا التي تجب إثارتها في أي مفاوضات قادمة.

إن “إسرائيل” بأساليبها وممارساتها حيال الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب، تنطلق من الموقف الأيديولوجي الصهيوني في الاحتلال والاغتصاب والعسف، وهي بموقفها هذا ترفض الاعتراف بالصفة القانونية للأسرى باعتبارهم أسرى حرب وجنود مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، خاصة أن ممارساتها تشير إلى ضربها عرض الحائط بكافة الاتفاقيات الدولية والإنسانية وقرارات الأمم المتحدة واتفاقيتيّ جنيف الثالثة والرابعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وبالتالي ظلت قضية الأسرى الفلسطينيين والعرب من القضايا التي تم ركنها في اللقاءات الفلسطينية – “الإسرائيلية” وبغض النظر عن الإثارة الإعلامية في هذا الجانب، وقد حان الوقت كي تكون قضية الأسرى في الصدارة أو على الأقل أخذها في الحسبان عند حصول مفاوضات أو لقاءات بين الطرفين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات