الأربعاء 07/مايو/2025

أكذوبة هيكل سليمان.. والحملات الصهيونية لتهويد القدس

أكذوبة هيكل سليمان.. والحملات الصهيونية لتهويد القدس

القدس مدينة عربية مقولة يقرها التاريخ ويعلمها كل يهود العالم، وعلى الرغم من ذلك تسعى وسائل الإعلام الإسرائيلية لشن هجمات مسعورة للنيل من عروبة هذه المدينة، لكي ترسخ بأذهان العالم كله كذبا وتدليسا أن دولة يهودية كانت بالقدس منذ قرابة 2000 عام وبداخلها هيكل سليمان، لكن الإمبراطورية الرومانية دمرتها عن آخرها، وأن العرب استغلوا الفرصة وجاءوا إلى القدس وأسسوا مدينتهم الكائنة حاليا بمسجدها الأقصى الذي بني على انقاض معبد سليمان، ومن ثم يحق لليهود أن يستعيدوا ما سلب منهم بتهويد القدس وإعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، وهذا ما حدا ببعض الجماعات اليهودية المتطرفة المدعومة رسميا إلى السعي وراء تحقيق الهدف رغبة في القضاء على أحد رموز الوحدة الإسلامية والاستيلاء على مدينة عريقة في تاريخ الاسلام، وبالفعل تجلت هذه المخططات المتطرفة في إعلان بدء بناء الهيكل على مقربة أمتار من بهو المسجد الأقصى انتظارا لرد الفعل الإسلامي، ثم السعي في استكمال المخطط.

أمور تخالف الحقائق: هكذا كتب أحد أهم أساتذة الآثار في جامعة تل أبيب د. زئيف هيرتزوج في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية قائلا: إنه بعد سبعين عاما من البحث والحفريات المكثفة في إسرائيل توصل العلماء لنتيجة تؤكد أن حكايات الآباء مجرد أساطير ولا يوجد شيء على الإطلاق، وعلى الرغم من ذلك يصر اليهود على تكملة المسيرة ربما لما وجدوه من ردود أفعال ضعيفة صادرة عن بلدان العالم الإسلامي، فوجدوا أن السعي لإدراك الهدف الاستعماري الذي حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بن جوريون عندما قال قولته المشهورة: لا معنى لإسرائيل من دون القدس ولا معنى للقدس من دون الهيكل. وحول تفاصيل المخططات الصهيونية للنيل من عروبة القدس، وكذب ما يعتمدون عليه من أساطير، تبحث «وكالة الصحافة العربية« مع المتخصصين في تاريخ مدينة القدس هذه المزاعم، وما يجب على البلاد الإسلامية أن تفعل لوقف هذه المخططات، التي تهدد القدس العتيقة وما تحويه من مقدسات إسلامية ومسيحية.

د. عبدالمقصود باشا استاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر يشير الى أن هذا الهيكل لا أساس له ولا وجود له في الحقيقة، إلا أن الحركة الصهيونية المتطرفة تهدف من وراء ادعاءاتها اضفاء الشرعية على احتلال القدس والأقصى وتكريس الاحتلال على الأماكن المقدسة مسيحية وإسلامية، لازالة هذه المقدسات وتخريبها، ففد صرح ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قبل تأسيس الكيان الصهيوني بستة وخمسين عامـًا بقوله: إذا حصلنا يومـًا على القدس وكنت لاأزال حيـًا وقادرًا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسـًا لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مر عليها قرون.
 
ويؤكد أن إسرائيل تعد اليوم مخططـًا عنصريـًا بحق وذلك لتشجيعها مجموعات يهودية متزمتة من أجل تهديم وقصف الأقصى ومنع لجنة الأوقاف المشرفة عليه من إجراء أي ترميمات لازمة أو صيانة للحرم القدسي الشريف، وسلطات الاحتلال هي المسئولة اليوم عن انهيار أحد جدران الأقصى المبارك الواقع قرب المتحف الإسلامي الذي جاء جراء سياسة الشر والظلم المتبعة ضد الفلسطينيين والأقصى بشكل خاص، ومازال المحتلون الغزاة ينقبون في أرجاء منطقة الحرم كلها وما حوله من دون جدوى واعترف الإسرائيليون باخفاقهم في العثور على أي أثر لهذا الهيكل، وإنما أزالوا التراب وهم ينقبون عن الآثار الأموية والعباسية الموجودة في محيط الأقصى وتحت أساسه، فالصهيونية أطلقت تسمية حائط المبكى على حائط البراق الشريف متجاوزة الحقائق التاريخية ومتعدية على الحق القومي في فلسطين، وللحقيقة فإن قصة حائط المبكى قصة ابتدعها زعماء الصهيونية حديثا لربط اليهود من جميع أنحاء العالم بأي أثر مقدس لهم في فلسطين، لإثارة مكامن الشعور فيهم بغية تجميعهم لإعادة بناء هيكل سليمان مكان الأقصى، وزعموا أن هذا الجزء من حائط البراق الشريف هو في الأصل جزء باق من هيكل سليمان ويجب الكشف عنه والحاقه بالممتلكات الدينية اليهودية.
 
ويضيف د. عبدالمقصود أن الدلائل الواقعية توضح أن قضية حائط المبكى هي قضية مستحدثة بدليل أن الموسوعة اليهودية التي نشرت عام 1901 لم تشر من قريب أو من بعيد الى أي مادة تتعلق بالحائط المذكور مع اسمه اليهودي حائط المبكى، بينما تلك التي نشرت عام 1939 تضمنت مادة تتعلق بالحائط مع اسمه اليهودي وعلى أنه من بقايا هيكل سليمان، وحين اشتد ساعد اليهود في فلسطين العربية بدعم من القوى الاستعمارية أخذوا يتقربون من الحائط لإضفاء الصفة اليهودية عليه وتغيير وضعه التاريخي وصفاته الإسلامية، فبدأوا يتسللون إليه ويضعون حوله الستائر ويضيئونه بالمصابيح ويتجمهرون حوله أيام السبت مما أثار حفيظة المواطنين العرب ضد المحاولات اليهودية الرامية إلى اقرار حقوق ثابتة لهم في حائط البراق الشريف.

أصل الحكاية

المفكر الإسلامي فهمي هويدي يكشف تفاصيل أسطورة الهيكل الذي وضع متطرفون يهود حجر الأساس له قائلا: إن الأسطورة الصهيونية تروي أن هيكل سليمان قد دمره الرومان في عام سبعين بعد الميلاد، وأنه لن يبنى على الأرض وإنما سيهبط من السماء كامل الأوصاف وبه كل التجهيزات حتى الذبائح وملابس الكهنة، تلك الكذبة التي يضمها «سفر الخروج« وبعد سقوط القدس في يد الصهاينة عام 67 ارتفعت دعوات المتطرفين من حاخامات اليهود تنادي بإعادة بناء الهيكل الثالث، من دون الانتظار لهبوطه من السماء، تلك النظرية التي أطلقوا عليها «إعمال يد الله«، فإذا ما نفذوا مخططهم بنسف الأقصى لاعادة بناء الهيكل وثار المسلمون للانتقام منهم، لا يكون أمام الرب خيار آخر غير الدفاع عن شعبه المختار وبذلك – كما يقولون – يكونون قد ورطوا الرب في الدفاع عنهم.
 
ويضيف هويدي أن هدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث تحول في نظر اليهود الى تكليف وأمر إلهيين، وهناك ما يقرب من خمس عشرة منظمة صهيونية متطرفة تنتشر في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تعمل لاتمام هذه المهمة، وكان تنظيم احياء الهيكل لا يتجاوز عددهم العشرات من النشطاء الموزعين على منظمات ليس لها نفوذ إلا أنه في السنوات الخمس الأخيرة تنامى دورها في الحياة السياسية تزايدًا كبيرًا، كما تنامى التعاطف الجماهيري الصهيوني مع فكرة تدمير الأقصى وقبة الصخرة وأننا لا نستطيع أن نطالب الفلسطينيين بأكثر مما يفعلون، لكن الذي نطالب به هو ماذا سيفعل الرب؟ فحينما احترق جزء من المسجد الأقصى عام 69 هبت الأمة الإسلامية واجتمع قادتها في الرباط، لكن في عام 2001 فشلوا في الدعوة إلى قمة طارئة ينظرون فيها ما يجري على أرض فلسطين وممارسة ضغوط قوية لارغام العالم على الوقوف في وجه إسرائيل.
 
جمعية حراسة الأقصى
 
د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف وصف المزاعم التي تدعي أن بقايا هيكل يهودي توجد تحت المسجد الأقصى في القدس بأنها مزاعم كاذبة وتهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي، وبالغة الخطورة إذ قد تؤدي لعواقب وخيمة لأن المسلمين لن يتخلوا أبدًا عن المسجد الأقصى بوابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء، مطالبا المتطرفين الصهاينة بالابتعاد عن المقدسات الإسلامية وأن يكفوا عن التطاول على معتقدات الآخرين.
 
ويضيف الإمام الأكبر أن الهيكل عند اليهود هو بيت الاله ومكان العبادة المقدس، وطوال الفترة بين عهد النبي موسى إلى عهد النبي سليمان عليهما السلام لم يكن لليهود مكان عبادة مقدس ثابت، وكانت لوحات الوصايا العشر توضع في تابوت أطلق عليه «تابوت العهد« ولم يثر اليهود موضوع البحث عن هيكل سليمان وإعادة بنائه إلا في القرن التاسع عشر في ظل البحث عن مزاعم تاريخية لليهود في فلسطين وإصدار وعد بلفور الشهير والبدء في إقامة دولة قومية لهم على الأراضي الفلسطينية، وواصل اليهود مزاعمهم وحدثت ثورة شعبية عارمة في عام 1929 أسفرت عن جمعية «حراسة المسجد الأقصى«، وشكلت عصبة الأمم لجنة دولية للتحقيق أثبتت أن حائط المبكى والأماكن التي ادعى اليهود أن بقايا الهيكل بها ملك للمسلمين.

ويوضح د. عبدالوهاب المسيري الاستاذ بجامعة عين شمس أن الفترة الأخيرة شهدت توسعـًا كبيرًا في نشاط المنظمات الصهيونية التي تدعو لبناء الهيكل الثالث، كما شهدت تنسيقا فيما بينهم لدرجة أن حاخامات بني صهيون قد غيروا في التشريعات الدينية التي تحويها كتبهم من أجل بناء هذا الهيكل المزعوم، فقد حرمت الكتب اليهودية عليهم دخول جبل الهيكل خوفا من أن تطأ أقدامهم «قدس الأقداس«، إلا أن حاخامات منظمة «بيشا« قد أصدروا فتوى وقعها عدد من الحاخامات تسمح بدخول جبل الهيكل على أن يذهب كل حاخام بنفسه ويرشد أفراد طائفته إلى كيفية دخول المنطقة، تلك الفتوى التفصيلية إحدى خطوات «صهينة اليهودية« لنتفق مع الرؤية الصهيونية، فالأرثوذكسية اليهودية التقليدية تحرم عودة اليهود إلى فلسطين وتعتبر من يفعل ذلك كافرًا ويرتكب الهرطقة والخطيئة أو التعجيل بالنهاية، فاليهود الحاخامية كانت تطلب من اليهود أن ينتظروا حتى يرسل الله المسيح المخلص اليهودي ليقود شعبه إلى أرض الميعاد، وكانت متتالية الخلاص تأخذ شكل «منفى – انتظار – مجيء المسيح المخلص – عودة اليهود«، لكنهم غيروا هذه المتتالية لتتناسب مع الأفكار الصهيونية، فأصبحت «منفى – انتظارا – عودة، للإعداد لمجيء المسيح المخلص ثم مجيء المسيح المخلص اليهودي.

ويشير د. المسيري إلى أن الصهيونية المتمثلة في دولة إسرائيل لا يعنيهم بناء الهيكل أو إحياء الديانة اليهودية، لكنهم فقط يستخدمون هذه التحركات من أجل قياس رد الفعل العربي والإسلامي تجاه مخططاتهم، فإذا كان رد الفعل عنيفا توقفوا، وهذا ما دفعهم لوضع حجر أثاث الهيكل المزعوم بعيدًا عن المكان الذي حددوه بمسافة مائة متر، أما إذا كان رد الفعل متخاذلا فسيواصلون تنفيذ مخططهم الاستيطاني، والاسرائيليون أنفسهم متأكدون أن جماعة أمناء الهيكل مجموعة من المجانين، وذلك كما حكم عليهم عدد من الصهاينة في أمريكا وإسرائيل وليس من العرب والمسلمين، ولجوء الكيان الصهيوني لمثل هذه الجماعات يعد فقدا للعقل ودليلا على اليأس وقرب النهاية.
 
ويقول د. نصر فريد واصل – مفتي مصر الأسبق إن اعتزام إسرائيل بناء معبد الهيكل اليهودي في موقع الحرم المقدس خطوة قد تشعل حرب عالمية ثالثة، وذلك لا يمكن حدوثه أبدًا لأن المسلمين لن يسمحوا لليهود بتدنيس حرمهم المقدس، واعتقد أن هذه الأقاويل التي تتردد هي من قبيل الصلف والغرور الإسرائيليين. ويطالب د. نصر حكام الدول الإسلامية بضرورة السعي الجاد لتوحيد الصفوف العربية والإسلامية، وخاصة بعد صدور القرار الأمريكي منذ عدة سنوات الذي يقر مدينة القدس العربية عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، لأن ذلك من شأنه ردع القوة والغرور الصهيوني والأمريكي الزائف.
 
مخالفة دولية
 
بينما يؤكد د. جعفر عبدالسلام أمين رابطة الجامعات الإسلامية أن وضع حجر أساس الهيكل المزعوم يخالف كل ما تعارفت عليه العلاقات بين الدول، حتى أنه يخالف قانون الاحتلال الحربي الدولي الذي يضع نظامـًا للتعامل مع المواقع المحتلة، يتضمن ألا تنتقل السيادة على الأرض للمحتل وأن الاحتلال حالة مؤقتة، وإسرائيل دولة محتلة للأراضي الفلسطينية ولها سلطات إدارية فقط حددها القانون في حفظ النظام والأمن، من دون أن تغير نظامـًا أو تكتسب حقا، إلا أنها تزعم أن لها حقوقا في أرض فلسطين وتقوم بتغيير سكاني وفي الأماكن المقدسة التي لا يجوز المساس بها.
 
ويضيف أن هذه المخالفات القانونية يترتب عليها مسئولية دولية أهمها، ضرورة إعادة كل تغيير تم أثناء الاحتلال إلى ما كان عليه، وعلى المجتمع الدولي إعانة الذي أضير في استعادة حقه، وإن نظرة اليأس التي تشيع أن القانون الدولي والمنظمات الدولية والأساليب القانونية لن تعيد حقا يحتاج إلى إعادة نظر، لأن ما حدث من محاكمة شارون في بلجيكا ولجوء شارون لمحام ليدافع عنه يؤكد أن الوسائل القان

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات