السبت 10/مايو/2025

قراءة في تقرير حركة فتح لتقصي الحقائق في أحداث غزة

د. حسن أبو حشيش

قبل أن احدد معالم القراءة في مضامين ما تم نشره من التقرير الذي صدر عن اللجنة الفتحاوية التي شكلها الرئيس أبو مازن للتحقيق في أحداث قطاع غزة ، فإنني أقرر بشفافية واضحة أن المحاسبة والمراجعة والتقييم والتقويم شيء جميل، ودليل صحة، وذلك في سياق الفلسفة المتبعة والمنهج القائم، لا أن تكون بشكل عفوي، أو اضطراري،أو مدخلا لتصفية حسابات حزبية داخلية مع المتصارعين على المناصب أو الكراسي والنفوذ، أو يأتي الحساب في سياق تصفية حسابات مع المجتمع وقواه الحية وبرامجه المزعجة والمقلقة. في هذا السياق والمناخ ننظر إلى تقرير فتح، ونقرأ مضامينه المعلنة من زوايا عديدة أهمها :

أولا : المدة الزمنية التي جرى فيها التحقيق قصيرة وغير كافية لمخرجات شافية ودقيقة، فعلى سبيل المثال، فإن الإحتلال مكث شهورا طويلة وهو يحقق في هزيمته في جنوب لبنان، ومازالت النتائج الكاملة لم تظهر، فكيف في شهر ونصف نحن نقدم تقريرا كاملا بالوثائق والشهود والإفادات، وبنود سرية تمس الأمن القومي، وأخرى علانية (علينا مراجعة أقوال على مهنا نقيب المحاميين وعضو اللجنة، والذي تحدث عن سيف الوقت لوكالة معا يوم الاحد 29-7-2007م )( كذلك أقوال نبيل عمرو عضو اللجنة في مؤتمره الصحفي وبعده، والذي وضح ان هناك قرارات كانت تخرج للتطبيق خلال التحقيق )مما يشير إلى عدم الجدية، ويدلل على الرغبة في صياغات مسبقة ضد أطراف معينة من داخل التنظيم وخارجه .

ثانيا : طبيعة الأشخاص الذين تولوا مسئولية هذه المهمة، هل هم على قدر المسئولية لهذه المهمة الكبيرة ؟! وهل مثلوا الجانب الرسمي أم التنظيمي ؟! فالصورة غائبة عن الواقع، ولا يدري الرأي العام مستوى تمثيل هذه اللجنة، ورغم أنني لا أحيط بكثير من المعلومات عن كل أعضاء اللجنة بنفس مستوى المعرفة، إلا أن قراءة الأسماء  تؤكد أنه لا يوجد من بينهم من يمثل غزة، وتعاملوا مع ساحة غزة من خلال الذين هربوا منها، أو عبر الهاتف، وكأن قطاع غزة بعدد سكانه المليون ونصف عجز عن فرز من يمثله في هذه اللجنة المصيرية حسب الإدعاء، ولا أدري هل نتائج هذه الطرق لها نصيب من الشفافية والصدق والواقعية ؟! ثم عندما سمعتُ أقوال أحد أعضاء اللحنة وهو المحامي على مهنا (مع الإحترام له ولمنصبه) في قناة الحوار من لندن بعد يوم أو يومين من إعلان التقرير، وقرأتُ له ما نشره في بعض وسائل الإعلام، شعرتُ أنني أستمع وأقرأ لرجل أمن لا لمحامٍ منصف، ووجدتُه قد مال ميلا خاطئا، وهجم هجمة شاملة على حماس وعلى قطاع غزة، بشكل مذهل أصابني بدهشة كبيرة، وتشككتُ إذا ما كنتُ أنا أعيشُ في هذه المنطقة التي يتحدث عنها، وأراقبُ وأشاهدُ أزقة وميادين وشوارع ومرافق القطاع، لقد صور عضو اللجنة قطاع غزة وحماس بصور مظلمة لا تليق بمهنته ولا بالوطن، ولم يكن منصفا ولو نسبيا، والأخطر كان  في معلوماته المغلوطة والمقلوبة والمنسوجة والتي استقاها عن بعد،أو زوده إياها التنظيم من خلال كتابة التقارير المرتبطة بالراتب والمناصب . كذلك هناك ثلاثة أسماء في اللجنة هم جزء من صناعة وصياغة السلطة وأجهزتها على مدار السنوات الماضية، بل وارتبط شخصهم بالأحداث والتحريض والنفوذ والعلاقة بالقرار في غزة والضفة، وخاصة الأجهزة الأمنية، و هم السادة : الطيب عبد الرحيم ورفيق الحسيني ونبيل عمرو، فكيف سيُحقق هؤلاء بحدث هم شركاء في صناعته ؟! ومن سيحقق معهم على علاقتهم بالواقع الأمني والسياسي السيء ؟! أم ( هناك خيار وفقوس ).

ثالثا : إن النتائج التي رشح ملخصها تشير إلى معاقبة تنظيم فتح في القطاع، لسماحه لحماس بالتمدد والقوة، وتشير إلى تصفية حسابات بين تيارات في التنظيم، لتمهيد الطريق للرئيس عباس ومستشاريه، وتفيد بوجود كبش فداء صغير وكبير لصالح الإمبراطور المتنفذ، وهذا طبيعي في الأمور الخطأ، والتي تصدر عن الكبار فكبش الفداء والقربان مطلوب، كذلك فإن التقرير جاء متأخرا كثيرا وبعد فوات الأون في إدانة الأجهزة الأمنية، ولو أن فتح أصلحت من أمرها ومن أجهزتها الأمنية لما وصل الشعب الفلسطيني لما وصل إليه.

رابعا : إن الثواب والعقاب في التقرير لا علاقة له بالواجب الوطني وعدمه، ولا بنظافة السلوك وعكسه، بل هو بمدى الإلتزام بأوامر قيادة الفلتان الأمني، وهذا قمة الخطيئة، والتناقض بين الإصلاح وتكريس الخطأ بشكل مختلف، فهو يُوصي بمنح “نوط القدس” لشخصيات أمعنت في الإرهاب والقتل والحرق وتعذيب المواطنين، ويُوصي بعقاب الضباط والجنود الذين رفضوا المشاركة في الفلتان الامني والقتال ضد حماس. وهذه القضية هي تحد لمشاعرنا، وأحاسيسنا، وتشجيع على القتل والإرهاب والحرق والنصب والنهب والتنكيل ومشاركة الناس في ممتلكاتهم وأرزاقهم وأمنهم، فمن حق كل المتضررين ممن منحهم أبو مازن  “نوط القدس” رفع قضية ضد هذه اللجنة بل وضد الرئيس نفسه.

وبنظرة عامة على التقرير وعلى ما يحدث في الضفة تحت سمع أعضاء اللجنة وخاصة ممن ذكرناهم، ندرك الهدف التوظيفي للتقرير،وندرك هشاشته، لأن العبرة في الضفة غير مستوحاة، فكيف يريدون الإصلاح وتجربة الإفساد في القطاع تتكرر في الضفة وتحت نفس اليافطة والعباءة .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات