في حوار مع المركز الفلسطيني للإعلام عن أزمة نهر البارد

في العشرين من شهر أيار (مايو) الماضي، كان اللاجئون الفلسطينيون في مخيم نهر البارد على موعد مع كارثة مروِّعة تماهت في قسوتها مع ما حلّ بهم خلال النكّبة عام 1948.
سبعون يوماً والقذائف والصواريخ تنهمر على المخيم وتتساقط المطر، العشرات من أبناء المخيم استُشهدوا والمئات أُصيبوا، المنازل دُمّرت والأهالي شُرّدوا في معركة لا ناقة لهم بها ولا جمل. لا ذنب لهؤلاء سوى أنهم يقيمون في مخيم اختارته مجموعة مسلحة لا تمت للمخيم وأبنائه بصلة، اختارته مكاناً ليقيم فيه عناصرها.
هل كانت هذه المعركة أمراً لا مفر منه، أم كان من الممكن تجنبها؟، ما هي الأهداف الحقيقية من وراء هذه المعركة، خاصة وأنّها مستمرة على الرغم من أنّ جماعة “فتح الإسلام” قد أعلنت مؤخراً استعدادها لتسليم قيادييها إلى السلطات اللبنانية، والتعاطي بإيجابية مع شروط الحكومة اللبنانية؟.
ما هو واقع النازحين من المخيم بعد سبعين يوماً على التشرد؟ ما هي السيناريوهات المحتملة بالنسبة لوضع المخيم بعد أن تتوقف الأعمال العسكرية؟ هل من خطر بات يتهدد وجود المخيمات الفلسطينية في لبنان على ضوء ما حصل ويحصل في مخيم نهر البارد؟
“المركز الفلسطيني للإعلام”، وفي إطار البحث عن أجوبة لتلك التساؤلات؛ أجرى حواراً مع الشيخ محمد الحاج، عضو “رابطة علماء فلسطين” بلبنان، هذه الرابطة التي بذلت جهوداً حثيثة بحثاً عن مخرج لأزمة نهر البارد، يجنِّب أهالي المخيم الموت والدمار ويحفظ للجيش اللبناني هيبته، ويضمن للدولة اللبنانية سيادتها على كافة أراضيها، وفي هذا الإطار قال الشيخ الدكتور فيصل مولوي، رئيس الجماعة الإسلامية في لبنان، “إنّ مساعي احتواء أزمة نهر البارد قامت بها جهةٌ وحيدةٌ هي رابطة علماء فلسطين”.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، مع الشيخ محمد الحاج، عضو “رابطة علماء فلسطين” بلبنان.
مساعي رابطة علماء فلسطين
ـ منذ بداية أزمة مخيم نهر البارد، برز دور رابطة علماء فلسطين في لبنان في الوساطة ومحاولة نزع فتيل الأزمة. هل يمكن بإيجاز استعراض المساعي التي قامت بها الرابطة في هذا الشأن؟
الشيخ محمد الحاج: قبل اندلاع الاشتباكات في مخيم نهر البارد بين جماعة “فتح الإسلام” والجيش اللبناني؛ قامت رابطة علماء فلسطين بدورٍ بارزٍ لنزع فتيل الأزمة قبل تفجّرها، فقد طرحت الرابطة، قبل بدء الأعمال العسكرية بشهر ونصف الشهر، مبادرة عرضتها على الفصائل الفلسطينية وقيادة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية، كما تم عرض المبادرة على جماعة “فتح الإسلام”، وكان الهدف من وراء المبادرة تجنيب المخيم ما كنا نراه أمراً واقعاً، وأثناء تحركنا في إطار تلك المبادرة، وبعد أن كنا قد توصلنا إلى حلول متقدمة مع جماعة “فتح الإسلام”، فوجئنا باندلاع الاشتباكات بين الجيش اللبناني و”فتح الإسلام”.
وبعد بدء الأحداث؛ قامت الرابطة بأكثر من تحرّك، فقد رعت إخراج الجرحى المدنيين من أبناء المخيم وإدخال المؤن والمياه والأدوية إلى المخيم، وإخراج الأهالي الذين دُمّرت منازلهم وتشردوا في أزقةِ المخيم، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق على هدنة لأربع ساعات تم تمديدها لعدة أيام.
وبعد أسبوعين على اندلاع الأحداث؛ أطلقت الرابطة مبادرة جديدة، وقامت بتحركات مكثّفة من أجل تطويق الأزمة ومحاصرة تداعياتها.
مقدمات الأزمة
ـ ذكرت أنّ رابطة علماء فلسطين أطلقت قبل اندلاع الأحداث في نهر البارد مبادرة لتجنيب المخيم مخاطر الأعمال العسكرية، ما هي المقدمات التي أنبأت باندلاع الأحداث؟ وماذا تضمنت تلك المبادرة؟
الحاج: نحن في رابطة علماء فلسطين تعاملنا مع “فتح الإسلام” انطلاقاً من مساعينا لتجنيب المخيم ما كنا نخشى منه، فقد شهد المخيم ومحيطه حالة توتر ارتفعت حدتها مع قيام الجيش اللبناني بنشر الحواجز في محيط المخيم، كما تركّزت تحركاتنا حينذاك للحيلولة دون اندلاع اقتتال داخلي بين الفصائل من جهة وجماعة “فتح الإسلام” من جهة أخرى، وذلك بالنظر إلى أنّ إشكاليات كثيرة قد وقعت بين الفصائل والجماعة على مدار الأشهر التي سبقت الأحداث الأخيرة في المخيم.
وتضمنت تلك المبادرة: إقرار جماعة “فتح الإسلام”، بعدم التدخل بالشأن اللبناني الداخلي، وتعهدها بعدم المساس بأمن لبنان واستقراره، وعدم افتعال المشكلات الداخلية لا مع الموالاة ولا مع المعارضة (اللبنانيتين)، والامتناع عن نشر مراكز للجماعة خارج المخيم، وإيجاد آلية لإخراج المقاتلين العرب، والذين كان يبلغ عددهم حينها قرابة 35 شخصاً من جنسيات عربية مختلفة.
وبالفعل؛ تم الاتصال مع الأطراف المعنية كافة؛ لبنانياً مع الأجهزة الأمنية والقوى السياسية في المولاة وفي المعارضة، وفلسطينياً مع كافة الفصائل بدون استثناء.
وجرت الأمور، على ضوء المبادرة بشكل إيجابي، باستثناء فقرة واحدة من المبادرة، وهي المتعلقة بإخراج العناصر العرب من المخيم؛ فقد أصرت جماعة “فتح الإسلام” على أن تقوم هي بإخراج العناصر العرب من لبنان بطريقتها الخاصة، بينما أصرّ الطرف اللبناني على أن يقوم هؤلاء العرب بتسليم أنفسهم للسلطات اللبنانية لتقوم هي بإخراجهم من البلاد.
مبادرة الرابطة
ـ بعد اندلاع الاشتباكات بين الجيش اللبناني وجماعة “فتح الإسلام”؛ تقدّمت رابطة علماء فلسطين بمبادرة لوقف الأعمال القتالية والتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة؛ ما هو الأساس الذي قامت عليه هذه المبادرة وما هي أبرز بنودها؟
الحاج: بعد أن اندلعت الأعمال القتالية تحركت الرابطة للوساطة بين جماعة “فتح الإسلام” والجيش اللبناني، انطلاقاً من حرصها على أمن لبنان الشقيق واستقراره، وعدم زعزعة أمنه، وأيضاً الحفاظ على حياة المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم في مخيم نهر البارد، والتأكيد على دور الجيش اللبناني والحفاظ على أرواح جنوده باعتباره جيشاً وطنياً، وتحت هذه العناوين الثلاثة مفردات تحقِّق ذلك، أما بنود المبادرة، فهي:
أولاً: إعلان وقف إطلاق النار.
ثانياً: دخول القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة إلى مخيم نهر البارد بمهمة حفظ الأمن والتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية.
ثالثاً: قيام جماعة “فتح الإسلام” بتسليم السلاح والمواقع للقوة الأمنية الفلسطينية.
رابعاً، إعلان القيادة الجديدة لـ “فتح الإسلام” (بعد أن تولى القيادة شاهين شاهين، عقب إصابة شاكر العبسي واختفائه) حلّ التنظيم على الساحة اللبنانية.
خامساً: يتولى القضاء اللبناني بالتنسيق مع القوى الأمنية الفلسطينية المشتركة متابعة وملاحقة من تثبت إدانته في الأحداث الأخيرة.
وقد قمنا بسلسلة لقاءات مع الفعاليات السياسية الرسمية والشعبية اللبنانية والفلسطينية لشرح بنود هذه المبادرة، التي تصبو إلى تجنيب لبنان الشقيق، وليس فقط المخيمات، خطر تكرار ما حدث ويحدث في مخيم نهر البارد.
مواقف الأطراف من المبادرة
ـ وكيف تعاطى الطرفان مع هذه المبادرة؟
الحاج: وافقت جماعة “فتح الإسلام” على هذه المبادرة، وأعلنت تجاوبها مع رابطة علماء فلسطين، ولقيت تلك المبادرة تأييداً لبنانياً وفلسطينياً، باستثناء الحكومة اللبنانية التي أصرّت على الاستمرار بالمعركة لحسم الموضوع عسكرياً، واشترطت لوقف أعمالها العسكرية أن يقوم عناصر “فتح الإسلام” بتسليم أنفسهم للسلطات اللبنانية.
موقف الحكومة اللبنانية كان متوافقاً مع توجّهات طرف فلسطيني خرج عن الإجماع الفلسطيني على الساحة اللبنانية، هذا الإجماع الذي طالب بضرورة التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة، فقد تمسك هذا الطرف الفلسطيني بموقفه الرافض للحل السياسي وأخذ يلقي بالاتهامات الباطلة على دعاته وفي مقدمتهم رابطة علماء فلسطين، وادّعى أنّ كل من يطالب بالتوصل إلى حل سياسي في أزمة نهر البارد يعمل لتحقيق أهداف خارجية، وأصر هذا الطرف على مطالبته بالحسم العسكري دون النظر إلى ما قد تؤول إليه الأمور، وخاصة المتعلقة بتهديد العلاقة الأخوية اللبنانية الفلسطينية وربما أيضاً الوجود الفلسطيني في لبنان.
ونقول: للأسف إنّ الانقسام السياسي في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، تُرجِم عملياً على الأرض في قضية نهر البارد.
ـ ما هي الأطراف الفلسطينية واللبنانية التي أعربت عن تأييدها ودعمها لمبادرة الرابطة؟
الحاج: كما ذكرت، لقيت المبادرة تأييداً واسعاً وتسهيلاً لمهام الرابطة في تحركاتها، وتم تحشيد الطاقات من أجل إنجاح المبادرة على أرضية الحفاظ على العلاقة الأخوية اللبنانية ـ الفلسطينية، ورفض توصيف ما يجري في نهر البارد بأنه معركة بين المخيم والجيش اللبناني، أو بين اللاجئين الفلسطينيين والشعب اللبناني، وهذه مسألة حساسة جداً يجب التنبّه إليها وعدم الوقوع في منزلقها.
ويأتي في مقدمة الأطراف الفلسطينية التي دعمت المبادرة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “القيادة العامة”، إضافة لباقي فصائل قوى التحالف الوطني الفلسطيني.
أما الأطراف اللبنانية التي اتصلنا بها وأعلنت تأييدها للمبادرة فهي: الجماعة الإسلامية (يرأسها الشيخ فيصل مولوي)، جبهة العمل الإسلامي (يرأسها الداعية فتح يكن)، حزب الله، حركة أمل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، تجمع العلماء المسلمين (يضم علماء مسلمين من السنة والشيعة ويرأسه الشيخ حسان عبد الله)، سماحة مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان، العلامة محمد حسين فضل الله، مفتي عكّار الدكتور أسامة الرفاعي، غبطة البطريرك نصر صفير، شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، وعدد كبير من النواب، بالإضافة إلى الرئيس عمر كرامي (رئيس الحكومة اللبنانية الأسب
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...