السبت 10/مايو/2025

المبادرة العربية تعاني من كساد في أسواق القدس

أ.د يوسف رزقة

تكليف لا تمثيل:

وأخيراً وصل وفد مكلف من جامعة الدول العربية إلى القدس المحتلة لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي (أولمرت)، وغيره من المسئولين بغرض تسويق المبادرة العربية بحسب قرارات قمة الرياض الأخيرة (مارس 2007م). وصل الوفد بعد أن اجتازت الجامعة نقاشاً وجدالاً بين أعضائها حول (توصيف الوفد): هل هو (ممثل) لجامعة الدول العربية، أم أنه (مكلف) من الجامعة العربية بمهمة التسويق؟!! الفرق بين (التمثيل والتكليف) قضية تتجاوز اللغة إلى السياسة والمواقف، وهي تعكس انقسام أعضاء الجامعة إلى تيارين وموقفين. في (التمثيل) لابد أن يرتفع علم جامعة الدول العربية في أثناء زيارة الوفد (أحمد أبو الغيط ـ وعبد الإله الخطيب) إلى جانب علم إسرائيل، بحيث تخلّد الصور التذكارية هذا المشهد، وهو أمر تتشوق إليه القيادة الإسرائيلية فهو شكل من أشكال الاعتراف والتطبيع بالمجان!! لم يرتفع علم الجامعة العربية واقتصر الموقف على علم مصر وعلم الأردن وعلم إسرائيل، وهو موقف يعني أن الجامعة العربية حسمت الجدال لصالح التيار الذي يرى أن (التمثيل) عملية مبكرة، وأن في (التكليف) ما يغني ويكفي(؟!!).

الجامعة العربية محبطة:

(التكليف) بديلاً عن (التمثيل) هو شكل من أشكال الإحباط الذي تشعر به الجامعة العربية وأمينها العام السيد عمرو موسى من الموقف الإسرائيلي والدولي، وليس في هذا الشعور غرابة رغم الهرولة العربية باتجاه (المبادرة ـ والتسويق) ذلك أن الموقف الإسرائيلي لم يتعاط مع مبادرة التسوية بجدية، ولم يرحب بها بوصفها مبادرة (كل العرب). الموقف الإسرائيلي ما فتئ ينظر إلى (المبادرة) على أنها تمثل الرؤية العربية أو الموقف العربي؟!! إنها تخلو من عناصر الرؤية الإسرائيلية، أو بلغة دبلوماسية أنها تفتقر إلى (التوازن). الأمين العام عمرو موسى توصل إلى قناعة غير عادية بأن إسرائيل تتهرب من التسوية، الموقف الإسرائيلي ـ في نظره ـ يبحث عن التطبيع!! بينما يبحث الموقف العربي عن السلام!! إسرائيل تضع العربة قبل الحصان لأنها لا تؤمن بالسلام ولا بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في يونيو 1967م.

المبادرة العربية تعرض (التطبيع) مقابل (السلام)، وهي بهذا أكثر من موقف وأكثر من رؤية، إنها مبادرة كبيرة فيها إقرار بمطالب إسرائيل الرئيسة (الاعتراف ـ والتطبيع ـ وإنهاء حالة الحرب) وفيها مطالب عربية هي الانسحاب إلى حدود عام 1967). المبادرة العربية نزلت بالسقف العربي من معادلة (الأرض مقابل السلام) بحسب ما جاء في مدريد إلى معادلة (الأرض مقابل سلام وتطبيع وإنهاء حالة الحرب، ومع ذلك فإن إسرائيل تتهم المبادرة بفقدان التوازن؟!!

الغرض من الزيارة:

الغرض المباشر من زيارة ممثل الخارجية المصرية وممثل الخارجية الأردنية إلى القدس المحتلة بتكليف من (الكل العربي ـ الجامعة العربية) هو (تسويق) المبادرة العربية، والتسويق هنا يعني تشجيع إسرائيل على شرائها لأن فيها ما يخدم المصالح الإسرائيلية، وهو ما أعلن عنه الوزيران كلاهما في المؤتمر الصحفي الذي انعقد في القدس بصحبة وزيرة الخارجية الإسرائيلية (ليفني) حيث قالا : ثمة فرصة تاريخية أمام إسرائيل إذا ما قبلت بالمبادرة العربية.

القيادة الإسرائيلية (ليفني ـ أولمرت) رحبت بالوفد الزائر، ولم تقدم موقفاً جديداً من مبادرة الكل العربي، ولم تطور موقفها باتجاه إنجاح مهمة (التسويق)، وإنما استنسخت موقفاً قديماً وقف عنده براك في كامب ديفد الثانية حيث أعلن أولمرت أنه يعرض على العرب الانسحاب من 90% من أراضي الضفة الغربية، مع إحداث تبادل أراضٍ وتعديلات في الحدود ونفق تواصل بين الضفة وغزة. ويبدو أن القيادة لم تنظر باحترام كافٍ لمقولة (الفرصة التاريخية) التي رددها وزيرا الخارجية العربيين!!!

(الزيارة) لم تحدث اختراقاً في الموقف الإسرائيلي، ويبدو أن عملية التسويق تعاني من كساد في أسواق القدس، والإحباط سيد الموقف، وعلى جامعة الدول العربية مسئولية البحث في الأسباب. الثمن الذي ستجنيه الجامعة من نجاح عملية التسويق لا يتجاوز الحدّ الأدنى من سعر التكلفة؟! ولكن إسرائيل ليست في عجلة من أمرها، فإما أن تخفض الجامعة العربية السعر إلى ما دون الحد الأدنى وإما أن تسلم المبادرة إلى الفساد والعفن؟!

الرياض تعدل موقفها:

يبدو أن ملامح الإحباط التي أشرنا إليها آنفاً ظهرت بتأثيراتها في الرياض بعيد القمة العربية بأيام قليلة، حيث لم تظفر المبادرة بالترحيب (الإسرائيلي ـ والدولي) الذي كان متوقعاً، وظهرت كتابات وتحليلات تتحدث عن تراجع (الرياض) عن عملية التسويق، وعن (تمثيل) الوفد للجامعة واكتفت (بالتكليف)، وتحدثت عن أسباب التراجع هذا وذكرت أسباباً عديدة منها:

1.  إن إسرائيل لم تبد اهتماماً بالمبادرة يكشف عن قبول مبدئي بها، وإنها ظلت تبحث عن التطبيع وعن لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز، ويبدو أن القيادة الإسرائيلية تراجعت عن وعود سرية قدمتها لشخصية سعودية مهمة في لقاءات خاصة (؟!!) مما ولد استياء لدى القيادة السعودية.

2.  ومهما تطور موقف بعض القيادة السعودية القائلين بأن الظروف الدولية التي أنشأت المبادرة نفسها بعيد أحداث (11 سبتمبر 2000م) لم تعد قائمة وأن العالم يشهد اليوم خروج (توني بلير) من الحكم، وقريباً ستشهد خروج (جورج بوش) من البيت الأبيض، وتطورات العراق وأفغانستان تتجه نحو مواقف مضادة للمصالح الأميركية، مما يستدعي توازناً ما في الجزيرة العربية يستوعب هذه التغيرات ويخفف من تأثيراتها السلبية.

3.  ومنها تعاظم نشاط (القاعدة) في الجزيرة العربية، والأقطار الأخرى، بعد أن تمكنت القاعدة من الساحة العراقية. وحيث إن القاعدة ترفض المبادرة العربية، وتحمل السعودية مسئولية خاصة، وحيث إن حفظ الجبهة الداخلية مقدم في السياسة السعودية على الدبلوماسية الخارجية، فإن السعودية تكتفي بما قامت به، وليست في عجلة من أمرها لإضافة خطوات أخرى أي أنها تتجه نحو الانتظار؟!

4.  ومنها توجه الخطاب الإيراني (أحمدي نجاد) نحو الإسلامية الثورية، ورفض وجود إسرائيل، واستعداده للتعاون مع ما يسمى جدار الممانعة، ومن ثمّ الدفع باتجاه البحث عن بدائل المبادرة العربية والاتجاه نحو الانتظار؟!

5.  غير أن ما هو أهم من ذلك كله هرولة الرئيس محمود عباس إلى استباق المبادرة العربية، واكتفت باستجابة غير مسبوقة لمقتضيات الرؤية الإسرائيلية ومراحل الحل، مستثمراً الخلاف مع حماس وأحداث غزة، والحماية الأمريكية له من النقد العربي وهذا المتغير الفلسطيني أقوى مما تقدم كله لتبطئه الموقف السعودي وتراجعه عن مقعد القيادة.

سلام مقابل سلامتك

في مؤتمر مدريد عرض العرب معادلة (الأرض مقابل السلام)، غير أن هذه المعادلة ظلت (عربية بحتة) فلم تحظ بشراكة دولية حقيقية (؟!!) ظلت مقولة باهتة لسببين على الأقل: الأول: أن العرب لا يملكون بديلاً لها عند رفضها؟! والآخر لأن إسرائيل تملك الأرض وتملك السلام معاً.

تمكنت إسرائيل من خلال الاستيطان، ومن خلال اجتياحات الأراضي الفلسطينية المتكررة من أن تجعل العرب يطالبون بمعادلة (السلام مقابل السلام)، وقف الصواريخ من غزة ومن جنوب لبنان في مقابل وقف إسرائيل للاجتياح وللقتل.

منذ مدريد وحتى اليوم لم يبلور العرب بديلاً عن الأرض مقابل السلام في حال رفض إسرائيل للسلام، وتعاظمت قوة الفعل الإسرائيلي المستند إلى التفوق العسكري والتأييد الأميركي، وتنازعت الموقف العربي (رؤية المعتدلين ورؤية المتشددين بحسب التصنيف الأميركي. واقع الحال الإسرائيلي – الأمريكي يطرح على قادة النظام العربي معادلة (السلام مقابل سلامتك). على حد تعبير الصحفي المصري الكبير عبد الحي قنديل وهي المعادلة التي يمكن بها تفسير إجراءات الرئيس محمود عباس بعد أحداث غزة في يونيو 2007م.
 
* وزير الإعلام السابق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات