السبت 10/مايو/2025

عندما تُصبح المقاومة في قاموسهم…عارا !!

أ. حسن القطراوي

ليس غريبا فالسيد سلام فياض رئيس حكومة رام الله من الساسة الفلسطينيين الذين لا يجدون حاجة ولا مبرراً للمقاومة المسلحة بتاتاً، وبلا شك في أن حذف كلمة المقاومة المسلحة من برنامج حكومته ليس مستهجنا، والدليل انه لقي ترحيبا إسرائيليا وأمريكيا على الفور وربما ستتوالى الترحيبات الدولية على هذا القرار بمعنى أن الأمر لربما منسق، ولكن المثير للغرابة أن السيد فياض أنهى بهذا النهج الجديد لحكومة فلسطينية تلغي من برنامجها مشروعية المقاومة عقوداً مضت من النضال الفلسطيني الشرعي التي لم تستطع أي حكومة فلسطينية سابقة من إلغاء هذا الحق الأخلاقي والشرعي بذكره مباشره أو الإشارة إليه ضمنياً، وكذلك دول عربية ذات علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل لم تستطع الاستهتار أو نبذ المقاومة بأي حال من الأحوال.

اليوم بشطب المقاومة من قاموس البرنامج الحكومي للسيد فياض يكون قد أعاد الشعب الفلسطيني ستين عاماً إلى الوراء، ناهيك عن تجاهل ستة ألاف شهيد فلسطيني سقطوا لأجل المقاومة الشرعية الفلسطينية التي شرعتها حتى المواثيق الدولية مع خمسة وأربعين ألفا من الجرحى، وأحد عشر ألف معتقل لا زالوا يتجرعون ألم الذل في سجنهم متجاهلين ابسط حقوقهم الإنسانية، قد لا يفسر ذلك ببساطة لأن في هكذا موقف معلن من قبل حكومة السيد فياض إنما يعني ذلك تنكراً واضحاً وحقيقياً لثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني.

بهذا باتت العلاقة الفلسطينية الفلسطينية على مفترق طرق خصوصا بين من يطلق عليهم ” الفلسطينيين المعتدلين ” أي الذين ينظرون إلى عملية التسوية مع إسرائيل كخيار استراتيجي وبين الفريق الآخر الذي ينظر إلى المقاومة كثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني والذي يعتبر انه لا يحق لأي كان التفريط به أو التنازل عنه بأي شكل من الأشكال والذين يعتبرون التنازل بمثابة خيانة للشعب والتاريخ.

لا شك في أن السيد فياض لم يقدم على هكذا خطوة بدون تفكير بل أقدم بعد تفكير معمق ومدروس على ما يبدو لأجل إحداث اختراقة في مواقف الفلسطينيين المتصلبة تجاه ذلك لأن السيد فياض يدرك تماماً بأن المقاومة الفلسطينية بما تمثله من حالة فريدة في نظر الفلسطينيين والعالمين العربي والإسلامي وبأنها ثقافة تتوارثها الأجيال وليست كلمة تلغى من برنامج حكومي هنا وبرنامج حكومي هناك لكن السؤال الكبير لماذا السيد فياض هو من أقدم على ذلك ؟ وهو مستقل لا يتبع لتنظيم ، وهل أدرك بحساباته جيدا عواقب ذلك ؟ أم أن هناك فريقاً معيناً قد اتخذ من السيد فياض جداراً سياسياً ليستتر خلفه من اجل تحقيق رؤى تخدم أجندة سياسيين معينين في الداخل الفلسطيني كانوا غير قادرين على شطب ثقافة المقاومة من برامج حكوماتهم المتتابعة لما يشكله ذلك من اهانة لتاريخ منظماتهم النضالي ؟

قد لا يعرف الكثيرون أن السيد سلام فياض وهو صاحب الجنسية الأمريكية من كبار الساسة الفلسطينيين المقربين من الإدارة الأمريكية بزعامة ” بوش الابن ” ناهيك عن العلاقات المتميزة التي تربطه بكبار الساسة الإسرائيليين والذين ينظرون إلى السيد فياض صاحب الشخصية الأكثر براغماتية في فلسطين خصوصاً بعد السيد دحلان والذي تلقى ضربة قاسية أخيراً بعد الحسم العسكري التي أقدمت عليه حركة حماس في غزة وبالتالي فإن الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية باتوا ينظرون إلى رئيس حكومة رام الله على انه الرجل المناسب الذي يمكن لهما الاعتماد عليه من اجل الحديث معه والجلوس إليه باستمرار لمناقشة سبل تفعيل العملية السياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويكون قادرا على ذلك بما يتماشي وسياسة الرئيس الفلسطيني صاحب الإجماع الدولي والذي يحظى بالقبول من أمريكا وإسرائيل بدرجة لا تقل عن فياض وبالتالي فإن المعنيين بعملية التسوية على كل المستويات شعروا أنهم بحاجة إلى رئيس حكومة بمواصفات السيد فياض لسببين اثنين الأول:  ليكون بمثابة السند لرئيس السلطة لاتخاذ مواقف جريئة تتعلق بالحياة اليومية للشعب الفلسطيني ولربما أشياء مصيرية أيضا والأمر الثاني: لأجل عزل حركة حماس المنقلبة على الشرعية كما يصفونها في غزة وزيادة الضغط عليها لمحاولة إنهاء دورها السياسي في المجتمع الفلسطيني.

الآن باتت الأمور تتضح أكثر فأكثر فالشعب الفلسطيني المنهك خرج للتو من حصار لم يسبق له مثيل على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمدة عامين هي كافية لكي تكون بمثابة الفزاعة له بمعنى أن مساحة الخيار المتروكة له أصبحت ضيقة فإما الحصار إذا ما أصر على التمسك بما يسميه الثوابت وإما التنازل للحصول على أسباب العيش المحترم إن كان العيش في ظل الاحتلال يدنوه شيء من الاحترام، مع ذلك بالاعتقاد أن الأمور لا يمكن أن تسير وفق ما يرتأيه رئيس حكومة أو حتى فصيل سياسي، كبيراً كان أم صغيرا لأن الشعب الفلسطيني بات يدرك أن ما يجري اليوم إنما هي حرب برامج سياسية لإيصال الصورة بأنه ما كان بالإمكان أكثر مما كان وان البرنامج السياسي التي طرحته حركة حماس هو برنامج سياسي غبر قابل للتطبيق وفق المعطيات الدولية الحالية وان البرامج القابلة للتطبيق الفعلي على الأرض هي تلك البرنامج التي يتخللها التنازل والتفريط والتي تسمى في قاموسهم البرامج ” المقبولة دوليا ” والسؤال المهم : هو هل كنا نحن كفلسطينيين ننتظر من إسرائيل وأمريكا أن تتعامل مع برنامج سياسي يعتبر المقاومة خياراً استراتيجياً؟ من البديهي جدا والمعروف بأن إسرائيل ومن ورائها أمريكا لن يقبلوا بهكذا برامج بل سيحاربونها بقوة مع شركائهم الفلسطينيين أصحاب البرامج المقبولة دوليا.

وعلى أي حال فإن الأمور لن تقف عند هذا الحد لأن حماس وحركة الجهاد الإسلامي واللتين خرجتا ببيان مشترك لأول مرة منذ سنين يندد ويستنكر برنامج حكومة فياض التنازلي إنما يشكل بداية تشكيل جبهة لإسقاط البرنامج بكل الوسائل قد تصل إلى زيادة وتيرة المقاومة وربما معاودة العمليات الفدائية هناك في قلب إسرائيل.
 
* كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات