السبت 10/مايو/2025

المقاومة وحدها هي من تملك الخيارات

وائل كريم
وكأن أيلول أبى إلا أن يُجبل دوماً برائحة التآمر و التفريط .. و كأن للخيانة أشهراً حرماً تنتهي مع بداية كل أيلول .. و كأن الشيطان لا يستيقظ من سباته إلا مع إشراقة أيلول و أي إشراقة تلك .. إنها إشراقة على محطة أخرى من محطات استنزاف ما تبقى من الهيكل العظمي لفلسطين .. ! هكذا يريدها و أرادها عباس ليسجل للتاريخ صفحة أخرى من صفحات الخيانة و التفريط .. 

قبل أسابيع انتهت قمة شرم الشيخ .. و خرج علينا حامي الحمى بالإنجازات العظام التي استطاع بكل مكر و دهاء أن ينتزعها من أنياب أولمرت .. 256 أسيراً فلسطينياً أصبحوا لحظة الإفراج 255 لا أحد يدري لماذا !! إضافةً إلى صرف بعض المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية من عوائد الضرائب و الجمارك التي يجبيها الكيان الصهيوني لصالح السلطة الفلسطينية .. طبعاً و كما يعرف الجميع فالإفراج عن هذه المستحقات المالية جاء على طريقة الأقساط و الدفعات على مبدأ _ كلما برعت في تنفيذ الأجندة كلما ازدادت الدفعات و انتظمت.

الأهم من كل هذا هو انقلاب الموقف الرسمي عقب هذه القمة رأساً على عقب .. فبعد القرارات الانفعالية التي اتخذتها القيادة المصرية عقب معركة التطهير في غزة و ما لاحق ذلك من نقل مقر القنصلية و مقر الوفد الأمني المصري إلى رام الله خرج الرئيس المصري بتصريح دعا فيه الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار و لعل مرجع هذا التغير الجذري يعزوه البعض إلى التطمينات التي تلقتها القيادة المصرية من حماس و أن حماس حريصة على الأمن القومي المصري حرصها على الأمن الفلسطيني التي خاضت لأجله معركة التطهير في غزة .. لكن مصادر في القيادة المصرية أشارت إلى عوامل أخرى مضافة إلى تلك التطمينات أدت إلى هذا التغير الجذري في الموقف المصري ..أهمها المفاجئة المذهلة التي تعرض لها الرئيس المصري في القمة من موقف عباس .. !

باختصار شديد و حسب تسريبات تحدث عنها _ رئيس تحرير مجلة القدس _ التي تصدر في القاهرة قالت له هذه المصادر أن القيادة المصرية و أثناء الإعداد لجدول أعمال القمة مع الطرف الصهيوني كانت تطالب بتقديم دعم مادي و معنوي لعباس لتقويته في المواجهة التي يخوضها مع حماس .. و في سبيل ذلك يجب الإفراج عن كل عائدات الضرائب و عن عدد ” محترم ” من الأسرى بما لا يقل عن 1000 أسير .. أثناء القمة عرض أولمرت الإفراج عن 256 أسيرا و على تقسيط عوائد الضرائب فلم يعترض عباس و لم يلفظ حرفاً واحد مقابل هذا العرض و انتقل مباشرة للحديث عن الضغط الذي يجب على الكيان الصهيوني أن يقوم به تجاه قطاع غزة و تحديداً في موضوع قطع الكهرباء و إمدادات الوقود !!

استشعر هنا الرئيس المصري بالخطر لأن انفجار الوضع في غزة بهذا الحجم من شأنه أن يهدد الأمن القومي المصري سيما و أن الساحة الداخلية المصرية تغلي و لا أحد يمكنه التكهن بالنتائج التي من الممكن أن تترتب على أثر اشتعال قطاع غزة لو أن أولمرت اقتنع بمطالب عباس … طبعاً القيادة المصرية مرتبطة بمصالح و تحالفات مع الولايات المتحدة الأمريكية و لا يمكنها أن تغرد خارج السرب و أن تقاطع عباس و تتحالف مع حماس لذلك لم يكن من سبيل أمامهم سوى الدعوة للحوار و التوافق مع الموقف السعودي الذي كان متفهماً منذ البداية لموقف حماس و اضطرارها للقيام بعملية التطهير ..

أمام هذا الضغط العربي باتجاه طاولة الحوار و أمام غياب أي حراك سياسي من الممكن أن يستغله عباس ليدعم موقفه أمام مناصريه كان لا بد من الدعوة لمؤتمر أيلول القادم لتصوير الأمر على أن هناك أفقاً سياسياً قادماً خلال الأشهر القادمة لسد هذا الفراغ السياسي و للحيلولة دون رضوخ عباس للضغوط التي يتعرض لها و من ثم يقبل الجلوس للحوار مع حماس .. لأن هذا الأمر لو تحقق فسيكون بمثابة الصفعة القوية و الخطيرة للإدارة الأمريكية التي فقدت أهم اللاعبين المحوريين في الساحة الفلسطينية ممن ينفذون أجندتها بكل قوة و اقتدار سواء أولئك الذين انتهى عمرهم السياسي الافتراضي أو الآخرين الذين مُرغت أنوفهم في التراب و أجبروا على الجلوس للحوار، هذا الأمر لو تحقق سيكون انتصاراً مدوياً لحماس على المشروع الأمريكي برمته ..

و فعلاً تمت الدعوة لمؤتمر أيلول القادم و بدأ الإعداد لهذا المؤتمر و بدأ فنانو و ملحنو و مطربو مقاطعة رام الله إعداد أهازيج النصر و التمكين للاحتفال بهذا اليوم المشهود الذي سيقدم لنا أولمرت فيه مفاتيح بيت المقدس و يقدم لنا اعتذاره و اعتذار كل لقطاء العالم عن المآسي التي تسبب الكيان الصهيوني لنا بها .. إلى أن خرجت ” تسيبي ليفني ” و تحدثت عن إعلان مبادئ جاهزة له تمهيداً للحلول المرحلية !! و في نفس الوقت بدأت تتكشف طبيعة المؤتمر و أن من سترأس هذا المؤتمر هي الآنسة كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية و ليس الرئيس الأمريكي بجلالة قدره كما كان متوقعاً !!

هذا الأمر يعني و بكل وضوح و يقين أنه لا يوجد أي أفق سياسي أمام عباس و أن ما دفعه لكتائب _ بيع _ الأقصى من أموال مقابل أسلحة العربدة و الفساد ليظهر بصورة الرجل القوي الذي يملك تنفيذ التزاماته أمام الصهاينة و الإدارة الأمريكية ذهب سدى دون أي مردود .. حتى الرشى الاقتصادية من عوائد ضرائبنا و جماركنا التي يجبيها الكيان لصالح السلطة لا يكفي لدعم عباس عدة شهور لا تتجاوز نهاية هذه السنة ..

أمام كل هذه التطورات و الأحداث لم يبق أمام عباس سوى خيارين أحلاهما بطعم العلقم .. فإما أن يبقى على رفضه و موقفه من الحوار مع حماس و أن يذهب إلى مؤتمر أيلول الذي لن يجني منه شيئاً سوى التأكيد على اعتبار منظمة ” التحرير ” الفلسطينية ممثلاً شرعياً و وحيداً للشعب الفلسطيني .. تماماً كما حدث في مدريد .. و هذا التأكيد و الاعتراف ليس لسواد عيون عباس بل لأن هذا الكيان الفاقد لكل الشرعيات هو السبيل الوحيد لشطب ما تبقى لنا من الحقوق و لتصفية القضية و تمرير التسوية على قاعدة الحلول _ الخلاقة _ التي تحدث عنها قبل أيام عباس لحل مشكلة اللاجئين ..

و إما الخيار الثاني المتمثل في عودة عباس صاغراً لطاولة الحوار وفق الأسس الجديدة و المعادلات التي نشأت عقب معركة التطهير و بذلك سيفقد ود الصهاينة و الأمريكان و سيفقد أيضاً الامتيازات التي تمتع بها أثناء إصراره على مقاطعة حماس و ليس من المستبعد أن يفقد كل شيء بما فيها حياته تمهيداً لصعود وجه جديد يستطيع تحقيق ما عجز عنه عباس أمام حماس …

أعتقد أن عباس لن يغامر بمستقبله السياسي و لن يفكر في خسارة ود الصهاينة و الأمريكان و لذلك من الواضح أن خيارات عباس انعقدت فقط على المضي في إصراره على مقاطعة حماس .. حتى و إن قبل الحوار معها فسيكون من باب كسب الوقت و لن يرمي ثقله سوى على الصهاينة و الأمريكان .. و هنا أعتقد و بكل يقين أن الانتفاضة الثالثة ستنطلق هذه المرة من الضفة الغربية على عكس الأولى التي انطلقت من غزة و الثانية من القدس .. و سيدفع الصهاينة و وكلاؤهم الثمن باهظاً سيما و نحن نمر في هذه الظروف الإقليمية العصيبة ..

حينها سيكون لزاماً على الجميع أن يقدم كشف حسابه لنتحاسب و ليتحمل كل طرف نتاج صنيعه .. خاصةً ” المتماهين ” من قرود فصائل المنظمة و مجلسها المركزي ..و سيكون لنا موعد لنسخر من كل الأقلام الرخيصة و الغبية التي طالعتنا خلال الفترة الماضية بمقالات و كتابات تتحدث عن الأزمة التي تقبع فيها حماس و عن انعدام الخيارات أمام حماس و عن الورطة .. إلخ تلك القراءات الساذجة التي خُيل لها أن خيار المقاومة و الصمود لا جدوى منه و أنه ما من سبيل أمامنا سوى التوافق على البرنامج المتفق عليه مع باقي جوقة التطبيل والتزمير في المنظمة الفاقدة لشرعية التمثيل ..

أبشري يا فلسطين فعهد أيلول الذي حمل دائماً السواد و الألم انتهى و سيكون سواد أيلول القادم من حظ الصهاينة و وكلائهم في مقاطعة الخيانة و التفريط و ستجني هذه الأيادي النجسة جزاء ما كسبت .. إن غداً لناظره قريب …

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات