نهاية جريمة قتل 438 طفلا لبيياً مثال على حضارة النظام العالمي الجديد

سلمت ليبيا إلى بلغاريا يوم الثلاثاء 24 يوليو 2007 الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المدانين بجرم حقن مئات من الأطفال الليبيين بفيروس نقص المناعة المكتسب، وفور وصول هؤلاء إلى مطار صوفيا على متن طائرة رئاسية فرنسية كانت تحمل كذلك سيدة فرنسا الأولى سيسيليا زوجة الرئيس الفرنسي ساركوزي أصدر الرئيس البلغاري الذي حضر إلى المطار ليرأس استقبال السجناء بالورود وكأنهم أبطال، عفوه عن هؤلاء وبالتالي نجاهم من فرضية قضائهم بقية فترة السجن في معتقلات بلغاريا كما تنص على ذلك الاتفاقيات القضائية الموقعة بين بلغاريا وليبيا منذ سنة 1984 حول تبادل السجناء.
وجاء هذا التطور بعد مسلسل صفقات تسارعت وتيرته بين ليبيا وعدة دول أوروبية في مقدمتها بلغاريا وفرنسا ودول أوروبية أخرى. فيوم الثلاثاء 10 يوليو 2007 أقرت المحكمة العليا في ليبيا حكم الإعدام الصادر عام 2004 بحق 5 ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني، منحته بلغاريا بعد ذلك جنسيتها.
مباشرة بعد هذا الحكم أكدت مصادر حقوقية أن عدة دول شرق أوروبية قررت إعفاء الحكومة الليبية من ديون متوجبة عليها وتعود لفترة ما قبل سقوط الإتحاد السوفيتي، بموجب مقترح للتعويض على أسر قرابة 438 طفلاً ليبيا، وبناء على ذلك تدفع حكومة ليبيا إلى أسر الضحايا الأموال التي كان من المفترض أن تدفعها إلى دول أوروبا الشرقية لسداد ديونها.
وفي حينها صرحت الناطقة باسم الحزب الحاكم في جمهورية سلوفاكيا أن رئيس الوزراء روبرت فيكو كان قد بحث مع المسؤولين الليبيين في فبراير 2007 احتمال إلغاء بعض الديون المتوجبة على ليبيا ضمن صفقة التعويضات. وقالت المتحدثة كاترينا كليزانوفا إن المباحثات في هذا الشأن مازالت قائمة بين الطرفين الليبي والسلوفاكي. وأعلنت أن حجم ديون ليبيا لسلوفاكيا تصل إلى 130 مليون دولار.
وتدين ليبيا بأموال لعدد من الشركات التي تعود ملكيتها لدول من شرق أوروبا إبان فترة الحكم الشيوعي السابق، حيث تدين ليبيا لبلغاريا بـ290 مليون دولار ولجمهورية التشيك بـ قرابة 300 مليون دولار.
إذا كانت سلوفاكيا قد أقرت رسميا بدفع التعويض فإن صوفيا نفت أي توجه مشابه قائلة ان دفعها تعويضات لليبيين يعتبر اعترافا بجريمة مواطنيها، وبالتالي ينسف كل ادعاءاتها ومحاولاتها للتمسك ببراءة الممرضات. البعض اعتبر في حينها تصريحات الحكومة البلغارية نوعا من الكذب الذي تعودت عليه الكثير من الدول لأهداف سياسية معينة.
في منتصف شهر يوليو 2007 انتهت عملية تسليم اسر الأطفال الضحايا التعويضات البالغة في مجموعها حوالي 400 مليون يورو وهي بمثابة “دية” مما يسمح حسب الشريعة الإسلامية بالتنازل عن أحكام الإعدام مقابل التعويض.
مباشرة بعد ذلك تم تحويل حكم الإعدام على المتهمين الستة إلى السجن المؤبد. وفي نفس الوقت تقريبا قررت محكمة اسكتلندية إعادة محاكمة المقرحي المتهم الليبي الوحيد المدان في بريطانيا في قضية تفجير طائرات ركاب أمريكية فوق مدينة لوكيربي وذلك بعد ثبت لديها أن أدلة إدانة المواطن الليبي زورت وحورت من طرف الإدعاء البريطاني.
يوم الإفراج في صوفيا عن المدانين الستة قال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو يوم الثلاثاء ان الاتحاد الاوروبي سيعزز العلاقات مع ليبيا وأضاف باروزو للصحفيين في بروكسل “أبلغنا السلطات الليبية أننا مستعدون للتوسع في تطبيع العلاقات… كان لعدم تسوية قضية الممرضات هذه دور كبير في تعثر علاقاتنا مع ليبيا”.
ولدى سؤاله ان كان لليبيا أن تتوقع مزايا فيما يتعلق بالتجارة أو المساعدة في مشروعات البنية الاساسية أو أي مساعدة مالية أخرى قال باروزو “يمكن أن نتوقع تقدما في المجالات المختلفة للتعاون بيننا”. وتابع “لم نزد من مساهمتنا المالية التي تفاوضنا عليها بالفعل مع الليبيين لفترة غير قصيرة”.
وقال مصدر أوروبي ان مفوضة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي بنيتا فيريرو فالدنر التي زارت ليبيا لمرافقة السجناء البلغار وقعت اتفاقا من صفحتين مع ليبيا يحدد كيفية تعزيز العلاقات ويؤكد عرض الاتحاد الأوروبي تقديم رعاية طبية للأطفال المصابين والمساهمة في تطوير مستشفى في بنغازي. وأكد المصدر “انه يغطي كل شيء.. التجارة وتقديم العون للحفاظ على الآثار والهجرة غير المشروعة والمنح الدراسية وتأشيرات الدخول”. وأضاف أن المفوضية الأوروبية مازالت بحاجة لأن تطلب من حكومات دول الاتحاد الأوروبي تفويضا بإبرام اتفاقات مع ليبيا فيما يتعلق بهذه الأمور. وقالت فيريرو فالدنر في بيان لدى وصولها إلى صوفيا “سيفتح هذا القرار الطريق أمام علاقة جديدة ووثيقة بين الاتحاد الأوروبي وليبيا وسيعزز روابطنا مع حوض البحر المتوسط وأفريقيا بأسرها”.
فرنسا استفادت من العملية ليبرز رئيسها الجديد ساركوزي أنه اكثر نجاحا من غيره من الأطراف المتوسطة ومنها الولايات المتحدة لإنهاء القضية. وكالعادة في مثل هذه الصفقات حاول الرئيس الفرنسي أن يقدم نفسه كبطل لم يقدم تنازلات مثله مثل رئيس بلغاريا. حيث عقد مؤتمرا صحفيا يوم الثلاثاء قبل 24 ساعة من زيارته لليبيا ليتحدث عن انجازه، وردا على سؤال عن الشروط التي طالبت بها الحكومة الليبية للإفراج عنهم قال ساركوزي في مؤتمر صحفي “يمكنني أن أؤكد لكم ببساطة أن لا أوروبا ولا فرنسا قدمت أي مساهمة مالية لليبيا”. ولكنه قدم شكرا إلى قطر لجهودها، مما فتح الباب أمام تكهنات بأن هذه الأخيرة قدمت تعويضات مالية نيابة عن فرنسا، وهنا من الواجب الإشارة إلى أن قطر عقدت قبل أسابيع صفقات مع فرنسا بمليارات الدولارات تتعلق بمعدات عسكرية وطائرات ركاب من شركة ايرباص، ومثل هذه الصفقات تسمح بتحايل في التصرف بالأموال وتوجيهها إلى طرف ما عبر طرق مطولة ومتعرجة مما يسمح بالتلاعب بالكلمات ونفي تقديم تعويضات ومقابل في صفقة المدانات البلغاريات.
ومن المطروح أن تقدم باريس كذلك تسهيلات غير مسبوقة لطرابلس في المجال النووي كنوع من التعويض على صفقة الممرضات، وفي نفس الوقت توفير صفقة ضخمة للصناعات الفرنسية خاصة العسكرية منها. وقد اتهمت شبكة الجمعيات الفرنسية المسماة “التخلص من النووي” الرئيس الفرنسي بأنه قايض إطلاق ليبيا للممرضات البلغاريات بتعهد يسمح بإمداد طرابلس بتكنولوجيا نووية سلمية.
وزيادة في تأكيد حصول ليبيا على تعويضات مالية قال مسؤول في الحكومة الليبية طلب عدم كشف اسمه لوكالة فرانس برس “تمت التسوية. أخذنا ضمانات لعلاج الأطفال وتحديث مستشفى بنغازي وضمان الشروط الليبية لتطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي”.
بينما قال وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم إن الاتحاد الأوروبي وفرنسا “غطيا كل المبلغ” الذي قدمه صندوق بنغازي لمساعدة عائلات الأطفال الليبيين المصابين بالايدز. وأكد خلال مؤتمر صحافي “رجع كامل المبلغ الذي دفعه الصندوق والاتحاد الأوروبي وفرنسا غطيا كل المبلغ بل هناك زيادة بعض الملايين” في الصندوق.
هذه هي الأجزاء الرئيسية من الصفقة التي مكنت تحرير ستة مجرمين مدانين بوضع 438 طفلا ليبيا على درب الموت انتقل منهم حتى الآن 56 طفلا إلى رحمة الله.
جدل كثير يمكن أن يثور حول الصفقة، وبدون الخوض فيه، كان كشف فصول الصفقة كما سبق أمراً ضروريا لإبراز النفاق الغربي حول حقوق الإنسان والتمييز الذي يمارسه تجاه العرب والمسلمين.
ثمان سنوات من الدفاع عن جريمة لا تغتفر
أقام الغرب الدنيا ولم يقعدها على مدى ثمان سنوات حول الممرضات البلغاريات الخمس وتخطى كل القواعد الحقوقية والسيادية وحكم بدون أدلة أن المدانات بريئات وضغط على ليبيا للإفراج عنهن. الرئيس بوش تفضل وهو يتناسى جرائم حكومته وجيشه في العراق وأفغانستان وغيرهما بالتحدث أكثر من ست مرات في خطب ومؤتمرات صحفية رسمية عن المجرمات وضرورة إطلاق سراحهن. رفيقه على درب الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير اختتم فترة حكمه التي دامت عشر سنوات بزيارة ليبيا لإتمام الصفقة والمساومة بقضية لوكربي. الرئيس الفرنسي ساركوزي جعل قضية المجرمات البلغاريات قاتلات الأطفال والمتورطات مع مافيا تجارة الدم الملوث المكتشفة في ايطاليا، جزءاً هاما من حملة انتخابه الرئاسية. الإتحاد الأوروبي ببرلمانه ومختلف دوله سار على نفس الخط للدفاع عن خمس مجرمات.
كل هذه الأطراف وغيرها تمسكت بالدفاع عن أشخاص أدينوا بجريمة قتل عن قصد، وفي نفس الوقت تناسوا 11 ألف أسير فلسطيني في سجون إسرائيل، ومئات في معتقل غوانتانامو الأمريكي في كوبا وتغاضوا بل وغطوا على سجون الولايات المتحدة السرية في أوروبا وغيرها، كما نسوا بسرعة فضائح جرائم سجن أبو غريب في العراق وأكثر من 240 ألف أسير عراقي في معتقلات الجيش الأمريكي والمرتزقة في بلاد الرافدين.
الواقع أن العرب والمسلمين لم يعودوا في نظر المستكبرين في الغرب أكثر من عبيد وحيوانات تجارب لا تستحق سوى الشفقة من حين لآخر بينما هناك جنس بشري فوق الجميع له الحق في كل شيء بينما تنعدم كل الحقوق حتى ابسطها للباقين.
هكذا يتمت القوات الأمريكية ومرتزقتها في العراق 5 ملايين طفل عراقي وقتلت مليون عراقي غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ. وذلك بعد أن قتلت بالجوع والمرض مليون ونصف طفل عراقي خلال سنوات الحصار من 1991 إلى 2003 ورغم ذلك تبقى الولايات المتحدة تتشدق بالدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.
وفي أفغانستان يقتل حلف الناتو آلاف المدنيين وينشر الدمار ويحاول قهر شعب بكامله بدعوى القضاء على ما يسمى الإرهاب ونظام طالبان، فتصفق له أبواق الغرب. وفي القرن الأفريقي تغزو أثيوبيا بأمر من واشنطن الصومال لتحتلها وتطيح بنظام أعاد الاستقرار والأمن بعد 16 سنة من الفوضى وتقتل قوات الاحتلال تساندها قوات البنتاغون 1200 مدني في العاصمة مقديشيو خلال أقل من أسبوع في شهر مايو وتشرد 140 ألفاً آخرين، فيصفق الغرب لقهر الإرهاب.
يجوع الغرب زهاء أربعة ملايين فلسطيني في غزة والضفة الغربية ويحرمونهم من المال والدواء لأنهم انتخبوا ديمقراطيا حركة حماس لتحكمهم ومع ذلك يتشدقون بالقول أنهم أنصار الديمقراطية كل شيء أصبح بالمقلوب وكل القواعد القانونية والأخلاقية سقطت.
هذه هي الحقيقة المرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما نشاهد أكثر من 438 طفلاً يموتون تباعا منذ 5 سنوات في ليبيا بعدما تم حقنهم بدم ملوث بفيروس السيدا أثناء ترددهم للعلاج بمستشفى بنغازي للأطفال سنة، 1998 فهذا بالنسبة للغرب أمر هين سهل ليس من الضرورة نقاشه، ولكن عندما نشاهد الحكم بإعدام الممرضات الخمس فإن هذه كارثة بالنسبة لحكومات لندن وواشنطن وصوفيا وغيرها وخاصة في القارة الأوروبية، وهذا يذكرنا بقول الشاعر: قتل شاة في
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...