السبت 10/مايو/2025

من أين لك هذا ؟

ناهض منير الريس

أقر الاتفاق بيننا وبين إسرائيل وجود خمسة أجهزة أمنية ، كان الأمن الوقائي بقيادة محمد دحلان أهمها . واتضح منذ الاطلاع على بنود ذلك الاتفاق عام 1994 أن معظم مواده (( أمنية )) إجمالا .

وكانت أهمية الأمن الوقائي تنبع من كونه الجهاز الذي استوعب فيه دحلان صقور فتح أي خيرة أفراد الجيل الذي مارس المقاومة المسلحة في العام السابق على إقامة السلطة ، والذي كان أفضل أفراده مطاردين لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية . 

ولم يغب ذلك عن حسابات الأجهزة الإسرائيلية . وكان وجود هذه العناصر داخل جهاز أمني يؤدي دورا شرطيا أفضل وأكثر أمانا لإسرائيل من بقائهم عناصر خطر خارج المراقبة .

وكان دحلان يظهر أحيانا في مقر الرئيس ظهورا سريعا . أو يظهر في نقطة إيرتز الفاصلة بين القطاع وأراضي 48 بسيارة من سيارات الجيب اليابانية وهو ذاهب إلى داخل فلسطين أو وهو خارج منها مع مرافقيه .

وقد تناقلت الألسن في قطاع غزة شائعات تقول إنه كان وراء اغتيال الفتحاويين الثلاثة الأبرز في مدينة غزة قبل وصول السلطة وهم كل من أسعد الصفطاوي ومحمد هاشم أبو شعبان وماهر كحيل رحمهم الله وأكرم مثواهم . كما تناقلت الألسن في وقت مبكر من ذلك العام الأول أنباء حملات الاعتقال الواسعة التي شملت منتسبي حماس والجهاد الإسلامي وتعذيبهم في أقبية الأمن الوقائي .

وأذكر أننا في المجلس التشريعي شكلنا وفدا للاطلاع على ما يجري في مقر الأمن الوقائي بتل الهوى وعلى أحوال الموقوفين فيه وذهبت برفقة الأخ الكبير الدكتور حيدر عبد الشافي وعضو ثالث لم أعد أتذكره . وكنا قد أبلغنا مقدما عن حضورنا ، ولكننا حين وصلنا إلى هناك لم يستقبلنا أحد من قادة الجهاز ، وإنما ضابط غير ذي أهمية لم نستطع أن نستخلص منه أية فائدة . وقد تبنينا توصيات عديدة في المجلس لإخلاء سبيل جميع الموقوفين فورا أو توجيه لائحة اتهام لهم وتقديمهم للمحاكمة ، ولكن جميع تلك التوصيات ذهبت هباء .

وفي العام الأول من أعوام السلطة اعتاد الرئيس أن يعقد كل أسبوع تقريبا اجتماعا أطلق عليه اجتماع القيادة : وهو عبارة عن تشكيلة يرأسها الرئيس نفسه ويحضرها رئيس المجلس الوطني ورئيس المجلس التشريعي وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء مجلس الوزراء وأمين الرئاسة وأمين مجلس الوزراء وكبير المفاوضين ( رئيس لجنة المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ) صائب عريقات .

ثم بدأ الرئيس رحمه الله يوسع دائرة المجتمعين فإذا منهم خالد اسلام أحيانا وفي الفترة نفسها تقريبا دحلان وغيرهما باعتبار هؤلاء من الوفد المفاوض . وفي تلك المرحلة صار معروفا أن السيد محمود عباس ينزل لدى حضوره لقطاع غزة في بيت محمد دحلان . وشوهد وإياه يسهران على شاطئ بحر غزة .

وأصبح لدحلان حضور عرضي في بعض اجتماعات مجلس القيادة التي ستتناول تقارير مفاوضات ، وهو وإن كان عرضيا فإن له دلالته لأن ذلك لم يتح لغيره من العسكريين .

لكن آثار دحلان وقيادة الأمن الوقائي بدأت تتجلى في نفوذه القوي على ديوان الموظفين وفي الأعداد الكبيرة من الأفراد الذين جرى توظيفهم في السلطة بواسطته وواسطة رجله الموثوق رشيد أبو شباك ، سواء بالحصول على موافقة الرئيس أو بالتعامل المباشر مع رئيس الديوان . وكانت حاجة الناس للحصول على وظائف في السلطة تتزايد خاصة مع الإغلاقات المتكررة التي مارستها إسرائيل على عمال القطاع العاملين داخل الخط الأخضر والذين انتقلوا بالتالي ـ كل حسب واسطته وقربه من دحلان وأبو شباك ـ إلى وظائف السلطة .  

وفي الوقت نفسه بدأت تفوح روائح التجارة والمال والأعمال من الاثنين عن طريق وضع اليد المباشر على المعابر . ولما كان القطاع قد شهد في بدايات عهد السلطة ميلا كبيرا عند الناس نحو الإنشاءات العقارية ، فقد أصبح احتكار الاتجار بمواد البناء من اسمنت وحصمة وحديد وخلافه وسيلة مضمونة للإثراء الفاحش السريع . ويقول العارفون بالوقائع إن طن الحصمة الذي كان المواطنون يشترونه قبل السلطة بخمسة عشر شيقلا قفز سعره بعد احتكار دحلان عدة قفزات حتى بيع بخمسة وخمسين وأحيانا بستين شيكل . وهناك مقارنات عديدة ذات بال في شأن سلع أخرى احتكرها خالد اسلام وهو شريك دحلان بجميع معاني الكلمة .

هذا كله غير المبالغ التي دفعها الأمريكيون ( كوندوليزا ) له عندما صار وزيرا للداخلية ذات مرة وقال الرئيس ياسر عرفات إنها بلغت أربعة عشر مليون دولار جرى تسديد ثلاثة ملايين تقريبا بالفواتير . أما الباقي فلم يعثر له على أثر !!!

فهل الاستقالة وحدها كافية ، أم أن جميع أنواع هذا الكسب غير مشروعة ولذا ينبغي استعادتها إلى الخزينة العامة ؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات