عالقون بأوامر من رام الله .. ومعاناة الآلاف عند معبر رفح تتفاقم

تتفاقم معاناة العالقين على الجانب المصري من معبر رفح، وقد قابل العالقون باستياء بالغ التلويح الوارد من رام الله، برفض فتح المعبر مهما بلغ الأمر. فما يجري على الجانب المصري من معبر رفح هو مأساة إنسانية بكل المقاييس، تفترس أكثر من ستة آلاف فلسطيني يبيت كثير منهم في العراء.

وقد تدهورت المعاناة الصحية للعالقين من شتى الأعمار، لتسجّل بينهم نحو ثلاثين حالة وفاة، بينما يقاسي الرضع وصغار الأطفال على نحو خاص، وهي حقيقة لن تزيدها الأنباء عن إدخال العشرات من العالقين إلى القطاع عبر معبر صهيوني، سوى تدهوراً، لأنها ستكرِّس الانسداد كأمر واقع لا بديل عنه سوى حراب الاحتلال وممرّاته.

ضحية تلو الأخرى

والضحية الجديدة في هذا السياق هو المواطن الفلسطيني أحمد رمضان دياب الخطيب، البالغ من العمر 44 عاماً، فقد فارق الحياة مساء السبت (28/7)، بعد صراعٍ مع مرض السرطان أثناء مكوثه مع العالقين على معبر رفح.

وبهذا أُضيف اسم المواطن أحمد الخطيب إلى قائمة ضحايا المعبر، الذين يسعى فريق محمود عباس إلى تضييق الخناق عليهم لإرغام قطاع غزة على التحوّل إلى سجن كبير يتحكم السجان الصهيوني بمفتاحه، عبر ترويج فكرة الإدخال عبر معبر يتبع لسلطات الاحتلال مع إبقاء معبر رفح مغلقاً.

إحدى ضحايا الجانب المصري من معبر رفح هي الفلسطينية سناء أحمد علي شنن. فالمواطنة ذات التسع والعشرين عاماً والأم لثلاثة أطفال، قضت نحبها في السابع عشر من تموز (يوليو)، بعد أن علقت بانتظار فتح معبر رفح في طريق عودتها إلى القطاع، إثر زيارة لمعهد ناصر الطبي بالقاهرة للكشف على إصابتها بتليّف الرئتين.

ولم يتمكن أطفال المواطنة سناء من رؤيتها، ليبقى كل من جمال ذي الأربعة أعوام، ومحمد ذي العامين، وعمر ذي الشهور الستة، يعيشون على ذكرى أم انسدت في وجهها المعابر فصعدت روحها إلى بارئها.

لقد اضطرت ضحية إغلاق المعبر إلى المبيت في العراء لأيام عدة، بينما كان زوجها جمال سليم شلحة بانتظارها في قطاع غزة بفارغ الصبر، ليتلقى نبأ الوفاة الأليم الذي أقضّ مضجعه.

“الوضع كارثي على كافة الأصعدة”

ولا تتوقف المعاناة على المتاعب الصحية وتردي الحالة التغذوية، بل تطال الوضع الاقتصادي لهؤلاء الآلاف الذين نفذت الأموال التي معهم منذ أسابيع، واضطروا لبيع مقتنياتهم التي معهم كالساعات اليدوية والهواتف المحمولة وحتى الملابس التي في الحقائب.

ويشير الدكتور عبد الفتاح إسماعيل، رئيس إحدى القوافل الإغاثية التابعة لاتحاد الأطباء العرب، التي توجَّهت إلى العريش ورفح، وأستاذ جراحة الأوعية الدموية بكلية طب جامعة الأزهر القاهرية، إلى أنّ وضع العالقين الفلسطينيين هناك كارثيٌّ على كافة الاصعدة، وحذَّر من تدهور أحوالهم والذى يمكن أن يؤدى الى حدوث حالات انهيار عصبي بين العالقين.

وتشهد حالة العالقين مفارقات متزايدة، منها حالة المواطنة الفلسطينية خولة صلاح، البالغة من العمر 24 عاماً، فقد وضعت الثلاثاء (17/7) طفلة في مستشفى رفح المصري، بينما كانت عالقة بانتظار الدخول إلى القطاع.

متحدثون في القاهرة الرسمية: رام الله هي المسؤولة

وإزاء شكاوى وجّهها متحدثون فلسطينيون صوب الجانب المصري؛ أكد متحدثون مصريون مقرّبون من القاهرة الرسمية، في تصريحات إعلامية أدلوا بها، أنّ إغلاق معبر رفح أمر يعود لمطالب رام الله ومجموعة “عباس ـ فياض”، التي تصرّ على رفض فتح معبر رفح.

ويعلِّل الدكتور جهاد عودة، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلوان وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم في مصر، عدم فتح الجانب المصري من معبر رفح برفض رئاسة السلطة الفلسطينية.

ويقول عودة في هذا الصدد “نحن جاهزون لفتح المعبر، عايزين موافقة فلسطينية”، ويزيد موضحاً “عايزين موافقة فلسطينية، نحن موافقون والأوروبيون موافقون، نحن عايزين موافقة (…) فلسطينية رسمية من الدولة من السلطة الرسمية”، في إشارة إلى رئيس السلطة محمود عباس وفريقه.

ويشرح عودة، في حلقة برنامج “الاتجاه المعاكس” المذاعة على قناة “الجزيرة” الفضائية الأحد (22/7)، قائلاً “طلبنا من “إسرائيل” وطلبنا من أبي مازن نفسهما الاثنين أن يدخلا الفلسطينيين، ما رضوش (لم يوافقوا)، حتى الفريق اللي بعثه أبو مازن، أبو مازن بعث فريق يشوف إيه (يرى ما) أوضاع الفلسطينيين، الفريق رجع يقول والله الأوضاع كويسة ما فيش حاجة طب نحن (الجانب المصري الرسمي) مالنا بالمسألة؟!”، حسب ما ذكر.

تدخلات “دولية” من فريق عباس لإعاقة فتح المعبر

أبعد من ذلك؛ وصل تعنّت فريق عباس وتشدده، حدّ إعاقة أي تحرّك على المستوى الدولي للتحفيف من معاناة العالقين على معبر رفح. 

فبعد أن كانت المساعي الرامية لتشديد الضغوط تجري بشكل متكتم عليه؛ تدخلت البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، الخاضعة لإمرة رئيس السلطة محمود عباس، بشكل علني لعرقلة مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي يطالب بفك الخناق عن المواطنين الفلسطينيين في القطاع، وتمرير العالقين عند معبر رفح، والحيلولة دون تفاقم الأوضاع الإنسانية لسكان غزة، بينما تدخلت الإدارة الأمريكية على التوازي من ذلك لفرض تحويرات على المشروع وتحدثت ضمنياً عن تشجيعها لدور تلك البعثة.

جاء ذلك في محاولة من جانب تلك البعثة لاحتواء مشروع قرار تقدمت به قطر وإندونيسيا الخميس (26/7) بشكل رسمي، إلى أعضاء مجلس الأمن، يتعلق بتدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في قطاع غزة.  فقد وزّعت قطر وإندونيسيا على أعضاء المجلس مشروع بيان بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين في القطاع، وهو ما قوبل بمعارضة مفاجئة من جانب البعثة الفلسطينية.

وتذّرعت البعثة التابعة لعباس في اعتراضاتها تلك على التحرك لتخفيف الضغوط على أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع، بأنه كان يتوجب “التشاور معها حول المشروع قبل تقديمه”، وقد عبّرت البعثة الأمريكية في تصريحات صحافية عن تشجيعها لدور ما لتلك البعثة الفلسطينية.

ولم ترحب البعثة التابعة لعباس بالتحرك الذي يتضمنه مشروع البيان، وأبدت تذمرها إزاءه، رغم أنّ مشروع القرار المقترح يقضي بأن يُعرِب مجلس الأمن الدولي عن قلقه تجاه الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل على الجانب المصري من الحدود مع قطاع غزة، وأن يدعو المجلس إلى حل سريع لحالتهم وضمان عودتهم الى القطاع.

وتأتي اعتراضات رئاسة السلطة الفلسطينية، عبر بعثتها في الأمم المتحدة، لعرقلة مشروع القرار، بشكل متزامن مع الانتقادات الواسعة الموجهة في الساحة الفلسطينية لرئيس السلطة محمود عباس وفريقه، بشن موجة تحريض خارجية واسعة لتضييق الخناق على قطاع غزة وتشديد الحصار الإنساني والاقتصادي المفروض عليه، بما في ذلك إغلاق معبر رفح، المنفذ الوحيد بين القطاع والأراضي المصرية، رغم وجود أكثر من ستة آلاف فلسطيني عالق هناك.

تضامن شعبي مصري

وتتزايد مشاعر التضامن الأخوي في صفوف الشعب المصري مع العالقين، وقد عبّرت عن ذلك قوافل الإغاثة المتتابعة، خاصة التي تقوم بها لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب.