ما لون دمنا يا ترى؟

يخطئ كثير من الناس العاديين عندما يعتقدون بأن كل الدماء لونها أحمر وهي متساوية في أصالتها وقيمتها ذلك لأن الدم استقر عند كثير من الشعوب الأوروبية بأن له ألواناً مختلفة . فهناك اللون الأزرق وهو أعلى درجات الدم احتراما وقدسية وأصالة ونبوغا وهناك دم احمر هو دم الشعوب الأخرى التي لا ميزة لها. وكلنا يتذكر أن الألمان كانوا يعتقدون بتفوق دمهم الأزرق على باقي دماء شعوب الأرض حتى أنه يتفوق كذلك على دماء الشعوب الأوروبية التي تنتمي لنفس الجيش.
– ثقافة الغرب ولا شك مبنية على العنصرية وتفوق جنس على آخر وهي مبنية كذلك على مفهوم حتمية الصراع وأن الكرامة كلها للمنتصر ولا رحمة ولا رأفة ولا قيمة أيضا للمهزوم.
وتاريخ أوروبا حافل بذلك وحافل أيضا بالقتل والتقتيل وسفك الدم غزيرا. فهم الذين كادوا يتفانون في الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها ما يزيد عن عشرة ملايين إنسان وهم كذلك الذين أبادوا الهنود الحمر أصحاب الوطن الأصليين في أمريكا وهم أيضا الذين استخدموا لأول ولآخر مرة في التاريخ القنابل النووية ولازالوا يعتقدون بصدق موقفهم وهم كذلك الذين استعبدوا الأفارقة وجلبوهم في سفن نقل الحيوانات من إفريقيا إلي أوروبا وكان يموت في الرحلة أكثر من ثلث المنقولين. هل يوجد أنصع من هذا التاريخ الأوربي؟
اليوم هم يتخلون عن ثقافتهم وزيفهم ويكشفون عن صورتهم الحقيقية التي تفرق بين الدماء الإنسانية فلديهم إن كان القتيل أمريكيا فالتعويض لهذا القتيل بعد الترجي وقبول التعويض يصل إلى ما فوق خمسين مليون دولار أما دم الأفغاني فلا تتجاوز 200 دولار. هذه هي حضارتهم الزائفة التي لا بد وأن تزول عن قريب لأنها مبنية على الظلم والاستكبار والتنكر للقيم الإنسانية.
ما الذي دفعني لكتابة هذا المقال؟
لقد تابعت في الأيام الأخيرة قضية الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المتهمين بحقن 426 طفلا ليبيا بريئا عن عمد بفيروس الإيدز وتوفي كما تناقلت وكالات الأنباء حوالي أربعون منهم ومن الطبيعي بان نستنتج بان الآخرين ينتظرون نفس المصير الكئيب والمحزن ولكن بعد أن تطول معاناتهم وآلامهم وآلام ذويهم.
تم التحقيق في هذه القضية فترة طويلة وقرر القضاء الليبي في درجاته المختلفة بأنهم مذنبون ويستحقون الإعدام جراء هذه الفعلة الشنيعة والبشعة فهم ولا ريب يستحقون العقاب في أشد وأقسى صوره فهم استهانوا بأرواح أطفال المسلمين. أنا شخصيا لا أجد غرابة في هذا الحكم وأؤيده من كل قلبي وعقلي ووجداني.
ولكن بعد صدور الحكم جرت ممارسة ضغوط شديدة هائلة على النظام الليبي للتراجع عن هذا الحكم القضائي الذي أيدته المحاكم الليبية لدرجة أنه تم مراجعة الحكم بعد فترة طويلة وتم تأييده ولم يخفضه إلى عقوبة السجن لمدى الحياة إلا مجلس القضاء الأعلى في ليبيا . وهكذا أصدر القضاء الليبي قرارا بإدانة هؤلاء.
واستمرت الضغوط بشكل أشد وأقسى من ذي قبل . واشترك في هذا الضغط دول الإتحاد الأوروبي كلها أي أوروبا مجتمعة وأمريكا وطالبوا النظام الليبي بإصدار العفو وكأن الدم العربي المسلم لا وزن له ولا لون له بل هو أرخص من الماء المقطر الذي يبيعونه لنا.
في مواجهة هذه الضغوط اضطر النظام الليبي للخضوع والاستجابة لهذه المطالب، ولكن لحفظ ماء وجهه حتى لا يظهر بأنه فرط في كرامة الليبيين الوطنية عرض عليهم تعويض أهالي الضحايا ومعالجة المرضى في المستشفيات الأوروبية وكان التعويض مليون دولار لكل طفل ولكن الثابت أن هذه الأموال لم تدفعها الدولة التي قام رعاياها بهذه الجريمة ولا دول الإتحاد الأوروبي بل دفعتها ليبيا.
إن اللافت للنظر في هذه القضية أمور مخجلة حقا تشكل عارا على جبين أوروبا المتحضرة وعلى جبين العرب المتخاذلين الذين يقبلون الدنية في دينهم وكرامتهم الوطنية ومصالح شعوبهم. وأريد إلقاء الضوء على ما أرى انه أمور مخجلة في هذه القضية :
تدخل أوروبا وأمريكا للضغط على ليبيا للتنازل عن حكم قضائي أدان مجرمين يستحقون العقاب بغض النظر عن جنسياتهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هل لو كان الأمر معكوسا هل يقبلون بتدخلنا في أحكام القضاء لديهم. هم يصرون على احترام قضائهم ونحن نفرط في قضائنا يا للعار.
النظام الليبي استخدم القضية للمناورة والمقايضة ولم تكن مسألة معاقبة القتلة مسألة مبدئية. وهو بذلك قبل تلميحا وتصريحا بأن الدم الليبي العربي يمكن التفاوض عليه حتى وإن بلغ عدد الضحايا 450 ضحية لا عجب أن يفعل ذلك فقد سبق له وأن تخلى طواعية عن برنامجه النووي وفرط في حق وطنه في امتلاك التكنولوجيا النووية والأدهى والأمر أنه قام بشحن المعدات على نفقته الخاصة والمعدات نفسها كانت تقدر بأربعة مليارات دولار.
لم تقبل أوروبا بدفع التعويضات بل دفعها النظام الليبي بصورة غير مباشرة وهم لم يحافظوا على ماء وجه النظام الليبي بأن أعلنوا عبر وسائل الإعلام بأن هذه أموال ليبية وهم لم يدفعوا شيئا ولن يدفعوا دولار واحدا. ألهذا الحد وصل الاستهزاء بدماء المسلمين؟؟!.
لقد منح الرئيس البلغاري العفو عن الممرضات والطبيب بمجرد وصولهم إلى مطار صوفيا وهو بذلك لا يرى بأن الدم العربي يستحق إن يعاقب من يسفكه. ألم ير النظام الليبي بأن أمريكا تسلم معتقلي غوانتنامو إلى حكومات بلادهم بشرط أن يسجنوا في بلدانهم وهكذا فعلت إسرائيل نفس الأمر فسلمت الجنود الأردنيين إلى حكومة الأردن الذي حسب الاتفاق لم يطلق سراحهم بل حبسهم لإكمال محكومتيهم رغم أن الجنود الأردنيين قتلوا جنودا إسرائيليين كانوا يحتلون الأراضي ويقتلون الفلسطينيين ولم يحقنوا أطفالا أبرياء بالفيروس القاتل.
الخلاصة التي أريد الوصول إليها رغم أنها مؤلمة وتجعلني أشعر بالغثيان والاشمئزاز والاحتقار بأن الأنظمة العربية استرخصت دمنا فكيف للدول الأخرى أن تحترم حرمة هذا الدم فإن كان حكامنا يرون في دمنا ماء رخيصا فمن باب أولى أن يرى الأعداء في دمنا سائلا لا لون ولا قيمة له.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...