السبت 10/مايو/2025

أيلول لا زال يلوح بالأفق

وائل كريم

ارتبطت فكرة تهجير و توطين العرب خارج فلسطين بالمشروع الصهيوني منذ بداياته حيث تذكر لنا الوثائق أن فكرة التهجير خارج حدود الوطن تناولها ” هرتزل ” في فترة مخاض المشروع الصهيوني حين أسس لفكرة التهجير في كتاباته الأولى التي سبقت عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا .. و في هذا السياق كتب ” هرتزل ” في العام 1895 “سنحاول طرد المعدمين خارج الحدود بتدبير عمل لهم هناك. وفي نفس الوقت سنمنعهم من العمل في بلدنا ” .

لم تكن فكرة التهجير و التوطين خيالاً يداعب مُنظري المشروع الصهيوني الأوائل فقط بل تجاوزت ذلك حيث أصبحت منهجاً قائماً في كل سياسات المشروع الصهيوني منذ بداياته حتى الآن .. و هنا نذكر أن تأسيس عصابات الإجرام الصهيوني كالأرغون و شتيرن و الهجانا جاءت لتلبية متطلبات المشروع الصهيوني القائم على تفريغ الأرض من سكانها الأصليين تمهيداً لقيام الكيان المزعوم ..

كان القتل و الترويع سبيل تلك العصابات للوصول إلى مبتغاها و بدأت سلسلة المجازر و النكبات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني و لازال يتعرض لها حتى الآن على أيدي جيش الاحتلال الصهيوني الذي نشأ و ترعرع من رحم هذه العصابات الدموية .. جاءت النكبة الأولى في العام 1948 ليتحقق جزء كبير من الحلم الصهيوني الذي لطالما داعب خيال هرتزل و إسرائيل زانغويل و بن غوريون و أمام تآمر الدول الكبرى و ضعف و تهتك البنيان العربي و عجزه عن التصدي لذلك المشروع السرطاني الخبيث بدأت سلسلة مشاريع التسوية و المقايضة و التقسيم التي هدفت لتصفية القضية و شطب حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه و مقدساته ..

أمام هذه المؤامرات الدولية و استشعاراً بالخطر الذي يستهدف الحق العربي الفلسطيني في أرضه و مقدساته و تاريخه و مستقبله بدأ الكفاح الفلسطيني يشق دروب الظلام نحو فلسطين و العودة و انتزاع الحقوق إلى أن وصلنا إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كإطار يجمع أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف ألوانهم و مشاربهم للتنسيق و التعاون في معركة التحرير و العودة و استرداد الحقوق السليبة .. و في سبيل التحرير و العودة كان لا بد من ميثاق يجمع الفلسطينيين يمثل الحد الأدنى من المرتكزات المتوافق عليها بين الفصائل الفلسطينية المختلفة …

إلى أن جاءت أوسلو و اعترفت منظمتنا العتيدة بدولة الكيان ليأتي بعد ذلك استحقاق العام 1996 و تُشطب بنود الميثاق الذي ينص على فلسطين التاريخية و الكفاح المسلح و العودة حقنا المقدس الذي لا يقبل التأويل أو التفريط !!

أمام حمى الاستخذاء و التفريط التي عصفت بمنظمتنا العتيدة شخوصاً و مؤسسات و هنا لا أستثني أحداً ممن ينطوي تحت لواء هذه المنظمة كان لا بد أن يخرج أبناء فلسطين الأطهار مرةً أخرى كي يتصدوا لكل مشاريع التفريط و التصفية لتبقى صفحات الصراع مشرعة إلى أن نسترد حقوقنا و أرضنا و مقدساتنا مهما كلف الثمن ..

و بدأت إرهاصات مشروع التحرر و العودة بالظهور مع اندلاع انتفاضة الأقصى و يسحق الشعب الفلسطيني تحت أقدامه أوسلو و إلحاقاتها القذرة إلى أن صعد تيار التمسك بالثوابت و العودة و التحرير سدة الحكم في فلسطين عقب انتخابات 25 / يناير / 2006 و تبدأ بعدها مؤامرة التجويع و التركيع لكسر هذه الإرادة الصلبة التي رفضت التماهي مع متطلبات المرحلة و أصرت على التمسك بالحقوق كل الحقوق التي قضى في سبيلها شهدائنا البررة ..
سقطت مؤامرة التجويع و التركيع و استطاع شعبنا الفلسطيني العظيم أن يصمد و أن يسحق تحت أقدامه هذه المؤامرة كما سحق سابقاتها على طول عمر ثورتنا الفلسطينية بدءاً من مشروع التقسيم مروراً بأوسلو البائدة و انتهاءً عند مؤامرة التجويع و التركيع التي شارك في صياغتها و تطبيقها ” جابوتنسكي ” بنسخته الفلسطينية .. هذا الوغد القابع في مقاطعة الفجور و التفريط برام الله آثر إلا أن يستمر في مسلسل شطب الحقوق الفلسطينية الذي بدأه بأوسلو البائدة .. و أطل علينا أخيراً بحلقة أخرى من حلقات الخنا و التفريط التي لطالما لعب دور البطولة فيها ..

جابوتنسكي فلسطين الذي استمد شرعية وجوده من انتخاب 400000 فلسطيني من أصل 10000000 فلسطيني أي ما نسبته 5% تقريباً يرى أنه ( ما من قوة على وجه الأرض تملك فرض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي هُجروا منها و أن حل مشكلة اللاجئين لن يأتي إلا من خلال طاولة الحوار مع الصهاينة و عبر الحلول _ الخلاقة _ ) و كأن حق عودتنا إلى أرضنا التي هُجرنا منها يمكن لهذا الوغد أن يشطبه هكذا و بكل بساطة و كأن دماء شهدائنا الأبرار الذين قضوا في سبيل حقوقنا و أرضنا من الممكن أن تذهب سدى لأن وغد رام الله يرى أنه لا أحد يملك فرض الحلول على الكيان الصهيوني !!

لا أدري إن كان هذا الوغد يعي ما يقول أم أن حذاء أولمرت قد ذهب بما تبقى من عقله الآثم .. هل لا يقرأ التاريخ و لا يعرف أن كل من تآمر على حقوقنا و مستقبلنا قد ذهب أدراج النسيان و بقيت حقوقنا متجذرة في عقولنا و أفئدتنا إلى حين يقضي الله عز و جل أمره ..

الأدهى و الأمر من ترهات جابوتنسكي فلسطين هو موقف بهلوانات السياسية الفلسطينية من يسارنا و يميننا العتيد الذين لم يجرؤ أي منهم أن يأخذ موقفاً يتناسب مع عظم و خطورة المؤامرة .. هذه الكائنات الهلامية التي لا تخرج من سباتها إلا كي تتحدث عن مفترقات الطرق و الأزمة التي خلقتها حماس جراء معركة التطهير في غزة لم نسمع صوتها تتحدث عن عهر جابوتنسكي فلسطين .. أخشى ما أخشاه أن يكون يسارنا العتيد يعتقد أن شطب حق العودة الذي يتحدث عنه رئيسنا الشرعي بنسبة 5% من مجموع الشعب الفلسطيني يتعلق بعودة الصهاينة إلى ( أرض الميعاد ) ..

لكن المصيبة أنني على ثقة أنهم يعلمون أن ما يجري إنما يستهدف القضاء على حقوقنا و شطبها إرضاءً للحذاء الصهيوأمريكي .. تماماً كما كانوا يعلمون أن المنظمة ستعترف بحق الكيان الصهيوني على أرضنا و مع ذلك تقزم دورهم التاريخي العريق في بيانات الشجب و التنديد دون أن يجرؤوا على اتخاذ موقف يناسب حجم المصيبة أنذاك .. لم يجرؤوا حينها أن ينسحبوا من عضوية منظمة ” شطب الحقوق ” الفلسطينية .. لا أدري ما الدافع لوجودهم في هذا الكيان المشبوه الذي أصبح دوره ينحصر في التآمر و تمرير صفقات الخيانة و التصفية .. !

مع كل ذلك فنحن على ثقة بالله عز و جل و بأن هذه الأرض الطاهرة المقدسة ستبقى كما هي قبلة المسلمين الأولى و معراج سيد الخلق صلى الله عليه و سلم إلى السماوات العلا و مهد السيد المسيح عليه السلام .. و ستبقى حقوقنا و ثوابتنا كما هي متجذرة غير قابلة للبيع و المقايضة .. و ستمر سحابة الصيف هذه كما مرت كل سُحب أيلول السوداء قبل ذلك ..

أما جابوتنسكي فلسطين و شرعية الـ 5% فليذهب بها صوب الجحيم هو و كل جوقة الخنا و التآمر و المقايضة من سلسلة البهلوانات التعيسة طراطير اليسار و اليمين .. و ليعلموا جميعاً أن الشرعية في فلسطين لن تكون سوى للبندقية و للرجال التي تُجيد رسم دروب العودة نحو فلسطين كل فلسطين …

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات