قراءة في تقرير لجنة غزة

تقرير لجنة غزة الذي أصدرته فتح مؤخرا يعطي فرصة نادرة للتعرف إلى حجم الإفلاس والهزيمة الأخلاقية التي يتخبط فيها قادة الحركة والذراع التنفيذية لمشروع دايتون. إفلاس هؤلاء ليس طبعا شيئا جديدا؛ لكنه هذه المرة يسجل بشهادة رموز التيار نفسه. فالتقرير الذي صنع على نحو موجه لخدمة الأغراض السياسية لتيار دايتون وحسب – تركيز الاهتمام وحصره في بحث السرعة التي انهار فيها جيشه في غزة أمام كتائب القسام – وضح منذ البداية نوع الاهتمامات غير الوطنية للقائمين عليه. أما النظر في حيثيات المعلن من هذا التقرير فيقطع بوجود فساد ضميري عميق؛ ويؤكد استيلاء الكِبر الأجوف على عقول أفراد عصابة الحكم في المقاطعة.
كان لافتا في ما قاله نبيل عمرو ملاحظة نوع ما وصلت له فتح من نتائج حين ذهبت سكرتها ولو جزئيا؛ وجاءتها الفكرة ولو في صحوة عابرة. في الحقيقة لقد وصلت فتح لنتائج هي في كثير منها لا تعدو أن تكون إلا إعادة استنساخ لنفس ما بُحَّ صوت حماس وهي تطالب به على مدى شهور طويلة قبل حملة تطهير غزة؛ بل إن نبيل عمرو وجد نفسه مضطرا لإعادة إنتاج الكثير من هذه المطالبات بنفس المفردات الحماسية. ويمكن بسهولة قراءة كيف أنه كان مضطرا للتقاطع مع حماس في كثير من القضايا وإن رغم أنفه؛ وإن من أجل أهداف غير نبيلة بطبيعة الحال؛ وبكل تأكيد دون الاستناد لنوايا حسنة.
فقد تحدث نبيل عمرو موجها انتقادا حادا للأجهزة الأمنية وأسس تشكيلها وطريقة أدائها؛ وحمل في ذلك على قادة الأجهزة هذه وعلى قادة في فتح؛ وكان مثيرا للسخرية أنه أقر دون أن يرف له جفن بالمعطيات المركزية للخراب والانفلات الأمني في غزة وكما كانت حماس تقول ولا تزال على الدوام! فمستشار الرئيس يرى هو الآخر أن الأجهزة الأمنية لم تكن إلا إقطاعيات للوردات الإجرام والفساد؛ وهو يقر بأنها كانت مخترقة (سنعود لهذه الجزئية لاحقا للحديث عن مخترقي هذه الأجهزة من حماس و”غيرها” كما وارب نبيل عمرو وخادع). وهكذا وبعد لائحة انتقادات نسخها تقرير لجنة فتح من كتاب حماس لم يَفُت أصحاب اللجنة التجمل بتوصيات مكتوبة أيضا بلغة حماس – مثل الدعوة لتشكيل أجهزة أمنية على أسس وطنية – وإن ترك المعنى الذي يقصده أبناء تيار دايتون لصفة الوطنية في بطن “توفيق الطيراوي” وأمثاله…وبحسب ما يسعف هؤلاء فهمهم لقضية وطنية الأجهزة مقابل فهم حماس لهذا المصطلح!
ألا يمكن القول بين يدي هذه المعطيات أنه لو سلمت نوايا فتح وأقرت فتح ببعض – وليس حتى كل – أوجه النقد أعلاه قبل حملة تطهير غزة فإننا كنا سنتجنب المواجهة والصدام الحتمي؟
لكن “لو” حرف امتناع لامتناع؛ ولأن النوايا الحسنة غائبة عن أجندة دايتون وأيتامه؛ فلا عجب أن يهتدي هؤلاء للفضيلة بعد الغرغرة؛ ولا عجب أن يكون استخدامهم للفضيلة فقط لغرض الدعاية والتجميل على مستوى القشور؛ هكذا فيما الباطن لا يزال يغلي بالمعاني اللاوطنية والاستئصالية والمتآمرة على فلسطين وأهلها من أجل عيني دايتون وأولمرت وكل غريب غاز طامع في المنطقة!
ولحسن الحظ فإن التقرير يسهب في شرح آيات الخداع الفتحوي؛ ويؤكد غياب النوايا الحسنة عند هذا الفريق. وإلا؛ فكيف يمكن لنبيل عمرو وشلته أن يكونوا الخصم والحكم؟ وأين التحقيق مع فتح من وجهة نظر ما أجرمت وفرطت في جنب الله والوطن؟ وأين التحقيق مع من أنشأ ورعى الأجهزة لتصل إلى ما وصلت له الآن من وضع مافيوي عصابي إجرامي؟ إن الرشوة الإعلامية الرخيصة عن الحديث عن “الاستماع” لشهادة عباس أمر لا ينطلي على أحد. عباس يجب أن يكون على كرسي التحقيق ليسأل عن سر إصراره على بقاء لوردات الأجهزة وقادة الجزر الأمنية في مواقعهم؛ وإصراره على سحب الصلاحيات من يد وزير الداخلية وتركيزها في يد كل “مافيوزو” من هؤلاء. هل يظن أننا نسينا المناكفة ونسينا تحديه لسعيد صيام وهاني القوامسة من بعده من خلال رشيد أبو شباك وباقي شلة من صاورا الآن غرضا لانتقادات مستشاريه ولجانه التحقيقية؟
وما ينسحب على عباس يجري أيضا على مستشاريه وطاقمه السياسي. فالأجهزة الأمنية كانت أولا وأخيرا تعمل وفق مظلة سياسية وفرها هؤلاء؛ وكل خطاياها يجب أن تجد مرجعية سياسية تتحمل المسؤولية. أما التضحية بكبش فداء مثل رشيد أبو شباك فهو تدليس معيب وخداع مكشوف؛ فأبو شباك صار الآن مَيْتَة سياسية ولا خطر عمليا تبقى من وجوده. الخطر هو في بقاء المؤسسة السياسية التي أنتجت الخراب والتدمير وتستطيع إنتاجه الآن مرة أخرى وتزمع ذلك؛ ولو قالت أنها حريصة على إنشاء أجهزة أمنية وطنية لا فصائلية هذه المرة! فهل فجأة سيصبح فاقد الشيء قادرا على أن يعطيه؟!
ولأن الخداع ديدن فتح فإن التقرير لم يفته أن يكون خفيف الظل؛ فتحدث عن دولة كنا قاب قوسين أو أدنى منها لولا انقلاب حماس على إقطاعيات الأمن ومربعات “آل كابوني”! هكذا بكل خفة؛ وكأن تاريخ ما قبل حملة التطهير يعود لأزمان سحيقة لم يقرأ أسفارها إلا نبيل عمرو وباقي زمرة المستشارين! الأمر نفسه ينسحب على حصر تهمة اختراق الأجهزة في حماس؛ والتدثر بكلمة “وغيرها” كمظلة تستوعب المخترقين الحقيقيين من الغربيين والصهاينة؛ وكما قال وزير فتحوي – نصر يوسف – في مواقف سابقة؛ وكما وضحت حماس بالأدلة والمواثيق من ميراث جهاز الوقائي الساقط في يدها في غزة!
ولأن التقرير سياسي غير مهني وغير موضوعي فأنا أشك في أن هناك أدلة حقيقية على اختراق حماس للأجهزة وأشك في وجود شهادات مسجلة بذلك. وبجميع الأحوال فإن اختراق أجهزة تخللها الصهاينة حتى النخاع هو فريضة وطنية بل واجب شرعي على حماس وكل شرفاء فلسطين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ وليس في هذا أي تهمة أبدا. تلك إذا تهمة فارغة؛ وكذلك هو الحال مع تهمة سحل “سميح المدهون”. فهذا المجرم الذي وثق شخصيا اعترافا بجرائمه على أثير إذاعة الشباب استحق كل ما جرى له وأكثر؛ ولم يكن هناك من خطأ في بث شريط إعدامه على التلفزيون إلا في كون ذلك غير لائق إعلاميا؛ وإلا فلدى حماس من الأدلة والقرائن ما يكفي للحكم عليه بعدة إعدامات وأمام أي قضاء عادل نزيه!
أما آخر التهم الجوفاء فكانت تهمة “استلاب ذكرى عرفات” التي لا أعرف لها معنى في القوانين أو الدساتير. هل المقصود هنا اقتحام بيت عرفات الذي لم يحصل؟ أم الانقلاب على المؤسسة الأمنية التي تقرون باختراقها؛ وأقر عرفات من قبل بأنها تدار من قبل عملاء ومتصهينين وبرر ذلك بقوله أنهم “جِزم” – جيم قاهرية بطبيعة الحال – يعبر بهم الوحل؛ فتحمل في نهاية المطاف ثمن هذه البراغماتية من دمه شخصيا؛ وحمل غزة والضفة والفلسطينيين الأثمان الباهظة أضعاف أضعاف ذلك!
فإن كان هذا أكثر ما عند فتح لتتهم به حماس فهي تقدم لحماس الشهادة بالبراءة والطهارة ونظافة الكف والإزار؛ وتكون قد قدمت لحماس – دون قصد وبكل تأكيد – دليلا يدين فتح من فم فتح؛ وشهادة على مشروعية وصوابية بل ضرورة حرب تطهير غزة التي حسمتها حماس في الرابع عشر من حزيران من العام ألفين وسبعة!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...