الجمعة 09/مايو/2025

ناجحون وراسبون في النجاح

رشيد ثابت

عند الامتحان يكرم المرء أو يهان؛ ومنذ يومين انعقد في جامعة النجاح الوطنية في نابلس اختبار صعب للضمائر رسب فيه وسقط وتساقط سياسيون وفصائل وفعاليات إعلامية وأكاديمية فلسطينية عديدة.

لم يكن مستغربا على “شبيبة فتح” الانتفاض قهرا وصراخا لمجرد قيام طلاب الكتلة الاسلامية بتلاوة بيان تضامن مع ثلاثة من زملائهم ممن اعتقلوا على يد الصهاينة…ففتح أثبتت أنها تحولت لحاضنة للخراب والفساد بكل معانيه وأبعاده؛ والشبيبة بعنفوان الشباب وميعة الصبا تقدم أوضح صور هذا الخراب وأشد أشكال الإنفلات الضميري والأخلاقي عتوا وفجورا.

ومع ذلك فإن تطور الأحداث على نحو سارع فيه مسلحو فتح للدخول للجامعة على نحو مبرمج ومخطط له– بمن فيهم أبطال بيع السلاح الذي استردوا رجولتهم فجأة ولكن على أبناء شعبهم وحسب – وقيام هؤلاء بإطلاق النار في حرم الجامعة و على عشرات الطلاب؛ وقيامهم بتنفيذ إعدام ميداني لابن الكتلة الإسلامية الشهيد محمد رداد – هذا التطور سجل فتحا جديدا في كتاب الثالوث القرمطي البربري التتري الذي يحكم أسلوب حياة فتح. فهل يصدق أحد أن جامعة في فلسطين تشهد إعداما ميدانيا لطالب يسحب من قاعة المحاضرات لأنه نهى المسلحين عن المس بأخواته الطالبات؟ وتطلق النار عليه من مسافة الصفر والمسدس مصوب إلى رأسه؟ وفوق ذلك لا يكون القاتل يهوديا؟!

إن ما حدث كان شهادة سقوط دامغة لهيئات جامعة النجاح ومجلس أمنائها وكل كادر إداري وأكاديمي شاهد ما حصل أو سمع به ولاذ بالصمت طلبا للسلامة أو تواطؤا مع المجرم! هذا بخصوص الشياطين الخرس وشهود الزور؛ أما رئيس النجاح المدعو “رامي حمدالله” والذي كان موجودا في الساحة؛ وكان ينظر لأفاعيل الشبيبة وهو يبش ويضحك لهم فلا شك أنه يتحمل مسؤولية شرعية ووطنية وجنائية عن دم الشهيد؛ ويتحمل هو وكل زبانية فتح في القطاع التعليمي مسؤولية محق كرامة التعليم في هذه البلاد والإطاحة بقيمة العمل الأكاديمي في فلسطين. فهل خلت البلاد من جهة رقابية مسؤولة واحدة تتابع ما يجري وتدين هذه العربدة المرعية من رئاسة الجامعة؟

أما إعلاميا فحدث عن السقوط ولا حرج. فعلى مستوى أكبر المؤسسات حضورا ومهنية على مستوى الاقليم والعالم غابت الجزيرة غيابا عجيبا! فهل الجزيرة التي لم تخش من القصف في بغداد وكابول وجنوب لبنان ترتعد فرائصها من زعران فتح؟ أو هي تخاف من ضابط في الوقائي؟ كيف تسنى للجزيرة ان تغيب عن فعالية استمرت منذ الصباح حتى الصباح الباكر في اليوم التالي – موعد انتهاء اعتصام الطالبات في مبنى الإدارة؟! هناك الكثير من الأسئلة التي لا تجد أجوبة بخصوص الأجندات السياسية لمراسلي الجزيرة وغيرها من الفضائيات في فلسطين؛ أو حقيقة سقوطهم رهائن لصلف وانفلات وارهاب جمال نزال وأبو علي “طحين”.

 على أية حال إن كان هذا موقف الكبار فلا حرج بعد ذلك ان قام الصغار بالكذب؛ وتبنوا روايات حزب دايتون عما جرى ويجري؛ واستخدموا أشد صيغ التضعيف في نقل رواية الكتلة الإسلامية! ولا عجب إن ظن المحررون في وكالة “معا” أن الشعب الفلسطيني عبارة عن مجاميع من المغفلين الذين يسكنون كوكب القردة؛ أو هو كله معتقل في صف فتحوي للتعبئة والتنظيم؛ يتلقى فيه غسيل دماغ يجعله يسوغ الاستهبال؛ ويجعله يصدق أن العميل وطني؛ وأن المنفلت الأزعر الذي فجر في الجامعة بسلاحه وتحت أعين النظام انسان مسؤول وراشد؛ وأن الشهيد محمد الرداد ضرب الرصاصة برأسه!

وبعد طي الصفحة الأكاديمية والإعلامية يجيء دور السياسة. هنا أيضا كان الرسوب حادا ودون معدل النجاح بمراحل فلكية الاتساع… فبينما كان لعب دور الشيطان الأخرس خيار بعض أحسن الفصائل؛ اختارت طفيليات النضال الفلسطيني أن تنافق وتجاهر في النفاق وتصر عليه؛ فأصدرت الجبهتان بيانا حمل الكتلة الإسلامية مسؤولية ما يجري قولا واحدا! فهل من قدم شهيدا وتلقى عشرات من أولاده الرصاص في حرم الجامعة يكون هو المعتدي؟ وهل صار في عرف الرفاق أن بيان تضامن مع معتقلين في باستيلات العدو هو عدوان يستحق فاعله القمع والإقصاء؟ أم أن الحقد على الإسلام والإسلاميين يبرر كل الخطايا والكبائر الوطنية؟

لكن في غمرة هذه الظلمات كان هناك ناجحون متفوقون…كان هناك رواد لم يركنوا للمنطق الانتهازي الذي وقعت فيه أكثر الفصائل؛ ووقع فيه الحقوقيون والاعلاميون في أغلبهم. لقد اختار الرواد من أبطال الكتلة الإسلامية والرائدات الماجدات من شقائق الرجال فيها أن يكونوا جميعا رافضين لمعادلة الاستخذاء والخضوع والقبول بسقف منهج التفريط الواطيء وعقيدة باعة السلاح في الاستسلام. لقد أنحاز هؤلاء لحق الطلاب البديهي في أن يكونوا ضمير الشعب وقلبه النابض؛ ورفضوا أن يكون العمل الوطني للشباب الجامعي مادة للمساومة؛ وضرب صمودهم واعتصام فتيات الكتلة الإسلامية حتى ساعات الصباح الباكر مثلا على الطاقة الهائلة التي يمتلكها الجسم الطلابي؛ وقدرة هذا الجسم على ريادة وقيادة العمل الإسلامي بخاصة؛ والعمل الوطني الملتزم بعامة. لقد أثبتوا أنهم قادرون على لعب دور طليعي في تحرير الضفة من فجرات تيار دايتون وقواعدهم الجديدة في اللعب.

أمام  شباب جامعة النجاح وباقي جامعات الضفة فرصة عظيمة لانتزاع دور كبير وموقع تاريخي؛ وهم إن ثابروا على استغلال اللحظة التاريخية وأحسنوا قراءتها واستثمارها فستنساق لهم رتبة الزعامة والقيادة. ولا عليهم في جهدهم هذا بتساقط المتساقطين من المناضلين الثوار الذين تحولوا إلى “ترزيّة” تبريرات تسوِّق فجور فتح وتتأول له بالدفوع الواهنة والحجج الداحضة! ولا عليهم أيضا من بعض الاجتهادات الباهتة الواهية لبعض من يريد أن يمارس دورا وسطيا لا يلتزم بأجندة ولا بثوابت ولا بأساس فكري واضح؛ فينتهي به الحال وهو يحاول أن يوفق بين كل المتناقضات – ينتهي به لأن يكون ذا وجهين؛ وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها!

تنضج في الضفة الغربية الآن إرهاصات حرب فكرية سياسية جماهيرية كبيرة؛ والله نرجو أن تكون الغلبة فيها لفريق الشباب والفتية الذين آمنوا بربهم. وكلنا ثقة بأن ورثة الفتى داود عليه السلام قادرون بإذن الله على تهشيم رأس باطل وضيع لم يكن يوما بخسته وهوانه عدلا بجالوت وجبروته!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...