الأحد 11/مايو/2025

سلموا سلاحهم فاهتزت جوانبنا فلما عرفناهم قلنا: المقاومة بخير

أمين راشد
اهتزت الأرض من تحت الأقدام ومالت الجبال في كل فلسطين، وضج الفلسطينيون حين أورِد خبر أن هناك من سلّم سلاحه الطاهر وباع بذلك مبادئه والأرض والقضية ، فهل وصل بنا الحد أن يباع الأقصى علناً ؟!! فراح الكل ينظر يميناً وشمالاُ علّ أحداً ينفي أو يأتي بشيء ما، فما أن شاهدنا صور “المعفو عنهم” “المسلّمين لسلاحهم” على شاشات التلفزة وعرفناهم؛ تنفسنا الصعداء، وقلنا : المقاومة بخير!!

ليس غريباً أن نسمع كل يوم ما يفاجئنا، بعد الارتماء العباسي في الأحضان الأمريكية والتهافت الفاحش والهبوط الأخلاقي والسياسي والأدبي والحضاري، ومن يظن أنني أشتم أو أتعرض لأحد؛ فهو بالتأكيد لم يسمع – ولا أقول يستمع- لخطاب “الرئيس” محمود عباس يوم الأربعاء الثامن عشر من تموز لهذا العام ، أمام المجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير -الذي مات من أعضائه أكثر ممن بقي-. وكما قلنا فالأيام القادمة ستكون ملأى بالمفاجآت المخزية التي سيتحفنا بها محمود عباس ؛ فقد رضي لنفسه أن يكون أضحوكة وألعوبة بيد أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني الفاقد للشرعية بين أبناء شعبه اليهودي.

لن نستغرب بعد اليوم من شيء ، فكأن ما حدث كان الفرصة التي لاحت لأبي مازن والتي ينتظرها من قديم الزمان ليعلن خلالها البيعة الأمريكية الصهيونية على الملأ الأعلى ، غير ملتفت لأصوات عربية أو إسلامية هنا أو هناك مسجلاً رقماً قياسياً في سلم التنازلات والخيانات الوطنية والحضارية وضارباً بعرض الحائط كل أبناء شعبه الفلسطيني بجميع أطيافهم ، حتى أبناء فتح أنفسهم الذين سيرمي محمود عباس من بقي منهم كما رمى النازحين من غزة إلى رام الله ممن هاجروا خوفاً على حياتهم -ولا يدرون بأنهم فروا من الحياة إلى الموت؛ فحماس ليست كفتح- وكأن قول الله تعالى ينطبق عليهم: “ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم …” ومن أراد التثبت فليسأل من استجاب لأبي مازن وغادر غزة إلى رام الله وهو الآن في رام الله نفسها ينتظر أن ينظر إليه أحد، أو حتى يستطلع أن هناك من رماه عباس على قارعة الطريق يوماً ما.

من الواضح أن محمود عباس قد ضاق ذرعاً بالقضية الفلسطينية وبشعبه الفلسطيني بعد مسلسل الفشل الذي حملته له الأيام فشلاً تلو آخر وهذا حصاد نسيجه المهترئ ، فها هو اليوم بعد المرحلة السرية في الدعوة الانهزامية آن له أن يصدح علناً وبأعلى صوته .. فالمسلسل الذي سيسقطه أبو مازن على أرض الواقع؛ انتقامي بالدرجة الأولى يتضمن القضاء على كل المواريث المعنوية والمادية للشعب الفلسطيني -وأقولها هكذا بكل صراحة- وهدم جميع المقومات الحضارية أو مقومات الصمود، وهذا ما كان قد بدأ به حين سمح لعمليات الغش وتسريب أسئلة الثانوية العامة في الضفة ، واليوم يطلع علينا بانجاز جديد يتمثل في قائمة يعفو بها الصهاينة عن مجموعة ممن أعلن أنهم “مطاردون” -حاشاها المقاومة أن تلحق بأسمائهم- مقابل تسليم سلاحهم. حكاية فكاهية حقاً، لا أعتقد أن الصهاينة أنفسهم يولونها أي اهتمام أو جدية، فأولمرت يدرك تماماً من الذين سلم سلاحه، هم أبطال الفلتان الأمني الذين ما “عتبت” عليهم في يوم من الأيام مؤسسة من نهبها أو حرقها أو التعدي عليها.
 
ومع أن ما حدث يدركه تماماً الشارع الفلسطيني الذي لا زال يعض بالنواجذ على المقاومة ويحفظها بماء عيونه ولا يرضى لها بدلاً إلا أن المسألة بذاتها تجعلنا نتساءل؛ ما المعنى من هذا التوجيه الإعلامي على مسألة العفو وربطها بتسليم السلاح ؟؟ وهل أولمرت وإسرائيل بهذا الغباء لتصدق ذلك أو تشارك بهذه المسرحية؟؟

باعتقادي، المسالة برمتها لا تعدو عند الصهاينة أكثر من كونها تؤدي غرضاً إعلامياً ، قد يضعف العمق العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية ويزرع شيئاً من اليأس في النفوس، باعتبار اسم “مطارد” ارتبط بكل تضحية وفناء وثبات وجهاد وغيرها من المعاني فهي تشويه للمقاومة الفلسطينية وتقزيم لها ، وهي في حسابات الصهاينة -بالحد الأدنى- تعزز من الشرخ في المعادلة السياسية الفلسطينية، فبعد أن كانت المقاومة حداً مسلمّاً به، أصبحت في مرمى التبني والرفض، فالهدف الصهيوني من ذلك لا يتجاوز الأصداء الإعلامية وحصادها ، وبرأيي لم تحصد إسرائيل شيئاَ من ذلك لأن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام حملت لنا معرفة بـ”المطاردين” الذين سلموا سلاحهم، فوجدنا ما هنالك من تناقض بين المصطلح والصورة، وحسب القاعدة “فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء” فعلى سبيل المثال فتح مع رفعها لشعار “حامية المشروع الوطني” إلا أن الشعب لم يصدقها ولم ينتخبها بل رماها لأبعد ما أمكنه. وهذا ما حدث حين حملت شاشات التلفزة الصور لأولئك “المطاردين”، فبانت البسمات على وجوهنا مطمئنة على المقاومة، ضاحكة على مهزلة العفو عن “المطاردين”.

والأمر الآخر في هذه المسألة بالتحديد يعكس مستوى الانحطاط العباسي في المفاوضات ، فهو أثبت بذلك عباطته واستهتاره بالعقول الفلسطينية وتلاعب الجانب الصهيوني به ، فلا زال يضع نفسه في وهم مرحلة أوسلو السابقة التي هبطت بمستوى التفكير وربطت العقل بالشهوات والملذات بعيداً عن القضية وهموم الأمة، وهو لا يدرك أن أصغر طفل فلسطيني بات يحيط بأبعاد اللعبة ولا يضيع في دهاليزها، الأمر الذي يؤكد ما ذكرناه في كون عباس ينتقم من الشعب الفلسطيني وكيف لا يبدأ بصب غضبه على المقاومة الفلسطينية ، وليس غيرها من أقض مضجعه ووقف أمام مشاريعه التنازلية المتواصلة.

إن الشكر كل الشكر للمقاومة الفلسطينية في غزة التي أسقطت القناع عن محمود عباس على حين غفلة منه ومن حيث لا يحتسب، فلو لم تفعل ذلك، لأتى ذلك اليوم الذي يسقط فيه قناعه لكنه قد يكون في الوقت الضائع حين لا ينفع الندم.

وليطمئن عمقنا العربي والإسلامي؛ فالمقاومة بخير، ولم ولن تسلم سلاحها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات