السبت 10/مايو/2025

الخبث السياسي

أ. حسن القطراوي

ربما الخبر لم يكن غريباً بتاتاً لأن الشرعيين يثقون بشرعيتهم ، ولأن القانونيين يعرفون بأن القانون أقوى من أن ينكسر أمام العربدة القانونية واستفحال غول الانفلات الأمني المقصود ، وأن الشرعية ليست كلمات بل ممارسة وفعل واثبات ، هذا ما يثبته الطلب الذي تقدم به السيد فياض للمجلس التشريعي لتنال حكومته غير الشرعية من وجهة نظر من يمتلكون الأغلبية في المجلس التشريعي الثقة .

اليوم اثبت هؤلاء والذين كانوا قد سحبوا الشرعية من حماس بأنها مازالت شرعية بل تمتلك أم الشرعيات والتي من خلالها تعطى الثقة لحكومات لكي تصبح شرعية وآهلة للقيام بالواجبات الوطنية التي تكلف بها الحكومات المختلفة بعد أن تحصل على الثقة ، لكن اليوم وبعد تقدم السيد فياض بطلب لرئيس المجلس بالإنابة السيد احمد بحر لعقد جلسة للمجلس التشريعي لكي تنال من خلالها حكومته الثقة يثبت أن الأمر فيه نوع من الخبث السياسي يكمن في قصد السيد فياض والرئيس عباس سحب البساط من تحت أقدام المجلس التشريعي الفلسطيني لأنهما يعرفان سلفاً رد المجلس على هكذا طلب وبأنه لن تعقد جلسة من أجل أن تنال حكومته ثقة من أعضاء معظمهم ينتمون إلى حركة ترفض الاعتراف بحكومة فياض وبما أن السيد فياض يعرف ذلك فالخبر يحتاج إلى قراءة ما وراءه لمحاولة التعرف على أهدافه المستقبلية مادام الجميع يعرف بأن السيد فياض لن يحصل على ثقة حماس.

ولكي لا تؤخذ الأمور على عواهنها علينا أن نرجع بالذاكرة قليلا للوراء لنتعرف أيضا على سبب طلب السيد محمود عباس من إسرائيل السماح لخمسة من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية وأعضاء لجنتها المركزية بالدخول للضفة الغربية من بينهم السيد نايف حواتمة وفاروق القدومي ” أبو اللطف ” والذي رفض الدخول مؤخرا متعللاً بأنه يرفض الموافقة الصهيونية، ولن يذهب إلى رام الله  من خلالها ، هذا ما كان أكده مدير مكتبه، وعلى أي حال فإن وافق أو رفض القدومي الدخول فإن المؤامرة تحاك وإسرائيل لاعبها الأساس وهذا يتبين من خلال ربط الأمور ببعضها، ولأن الرئاسة تعرف موقف التشريعي مسبقا فإنها وعلى ما يبدو بصدد رفع الأهلية عنه وانه مجلس غير قادر على القيام بأدواره التشريعية والقانونية في الأراضي الفلسطينية وبالتالي فإن الحياة السياسية لا يجب أن تتعطل لذلك فسيكون المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطيني هو المرجعية بعد فقدان المجلس التشريعي للأهلية التي تؤهله القيام بواجباته.
 
وهنا قد تبدأ المشكلة القانونية الأكبر والأقسى في تاريخ السلطة الوطنية الفلسطينية لأنه لم يحصل وان سبق في تاريخ سلطتنا وان رفعت الشرعية أو الأهلية من المجلس التشريعي وحل محله المجلس المركزي لمنظمة التحرير هذا لم يحدث حتى حين استمر المجلس التشريعي السابق لعشر سنوات كاملة بدون انتخابات وبالتالي فان صح تقديرنا وتم تخطيطهم فإن القضية الفلسطينية ستمر في منعطف خطير وانقسام غير طبيعي وواضح يتجه إلى حالة من الهرج السياسي والتخبط القانوني تكون نتائجه خطيرة على كل المستويات أهمها.

1- المستوى السياسي :

إن ذلك يؤسس لحالة من الانقسام السياسي الخطير والذي يوشك على أن يصبح معضلة تضر بالحالة الفلسطينية ككل على مستوى العلاقات الوطنية الفلسطينية بعضها ببعض خصوصا أن حالة الاستقطاب الحاصلة بين قطبي السياسية الفلسطينية ” فتح وحماس ” قد تجاهل بوضوح ما تبقى من المجتمع الفلسطيني بكل فصائلة وأطيافه السياسية وبالتالي فإن القضية الفلسطينية السياسية والتي يعمل المجتمع الفلسطيني ككل لتكون رائدة وفي أوج عنفوانها لمحاولة الحصول على حقوقنا الوطنية الفلسطينية قد ذهبت أدراج الرياح وان الشعب الفلسطيني اليوم ككل أصبح غير آهل من أجل الحصول على دوله مادام هو يتقاتل على سلطة مهشمة مدمرة مفتتة بمعنى أنها أنقاض سلطة إن صح التعبير وان الحالة الفلسطينية اليوم تنذر بانخفاض حالة التأييد التي تتمتع بها القضية الفلسطينية عربيا وإقليميا ودوليا وبأن المجتمعات الداعمة للقضية الفلسطينية ستجد انه لا فائدة من دعم حركات قد نأت بنفسها عن التحرر واتجهت إلى التناحر على سبل إنما هي في حقيقة الأمر قنوات للمرور إلى دولة حقيقة وان الحركات الفلسطينية غير كفؤ لقيادة الشعب على الأقل سياسيا .

2- المستوى الاقتصادي :

لا شك في أن الاقتصاد عصب المجتمعات بشكل عام وانه لا يمكن بحال من الأحوال إن يزدهر وضع بلد ما من دون ازدهار اقتصادي لذلك فإن الحالة الفريدة التي يعيشها الشعب الفلسطيني قد تزيد من الحالة الاقتصادية المتردية في الأراضي الفلسطينية خصوصا في قطاع غزة  وبالتالي فإن ذلك قد يؤسس لحالة انقسام اجتماعي بين الشعب الفلسطيني المنقسم جغرافيا أصلا في كل من غزة والضفة الغربية وذلك يعد بحالة من التدهور الإنساني والتماسك المجتمعي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني خصوصا بعد وجود سلطتين في كل من الضفة وغزة، ويؤسس لوضع اقتصادي كارثي وقد نحتاج لسنين لإعادة الوضع الاقتصادي إلى أفضل حاله هذا إن قبلت الحالة الاقتصادية إلى إعادة تأهيل أصلا .

3- المستوى الأمني :

لربما أن الحالة الأمنية غير المستقرة قبل حالة الحسم في قطاع غزة هي الأساس الذي أخذت الأمور إلى ما ذهبت إليه من حالة اقتتال داخلي في قطاع غزة لم سبق لها مثيل في تاريخ فلسطين، وما قد يزيد الأمر سوءا هو حالة الانقسام الحاصلة بين قطبي الأراضي الفلسطينية قطاع غزة والضفة الغربية بمعنى انه إذا ما استمرت الحالة الفلسطينية على ما هي عليه من سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة وسيطرة قوى الأمن الفلسطينية على أراضي السلطة في الضفة الغربية فقد تتعزز حالة الاستقطاب الداخلي الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح وقد تسير الأمور إلى بقاء حالة من الشعور بحقد كل طرف على الآخر وعدم اللجوء إلى العفو، لذلك فإنه لابد من الانتقال إلى حالة حوارية فلسطينية جديدة تقوم على أساس من الحوار الفلسطيني الفلسطيني الجاد وفق معطيات جديدة بعيدة عن فرض الوقائع على الأرض وتأسيس جيش فلسطيني موحد غير مسيس، ووطني غير قابل للتفتيت يتبع مباشرة المؤسسة الأمنية الحكومية وفق ما ينبثق عنه الحوار ليكون جيشاً قادراً على ضبط الحالة الأمنية في الأراضي الفلسطينية ككل انطلاقا من قاعد العمل الوطني المشترك بما يضمن حالة من الأمن للمواطن الفلسطيني وتوفير أسباب الحياة الكريمة له لإمكانية الانطلاق بمسار وطني سليم للملفات الوطنية العالقة ذات الاهتمام الفلسطيني المشترك .

* كاتب وباحث فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...