سلام بوش تكرار خدعة مؤتمر مدريد لتمرير الحروب القادمة ودفن القضية

يظهر أن ساسة الولايات المتحدة قد فقدوا إدراكهم للواقع وقرروا مواصلة سياسة الكذب والخداع على نطاق واسع، خاصة وأنهم يعتبرون أن حكومات دول المنطقة الشرق أوسطية والعديد من دول العالم المرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط مجرد دمى يتحكم البيت الأبيض فيها كما يشاء. وفي نطاق سباحتهم ضد التيار يتوهم المحافظون الجدد في البيت الأبيض وحلفاؤهم الصهاينة، أن الشعوب في المنطقة العربية وقوى مقاومتها ليست قادرة على كسر وإفشال المخططات التي يضعونها وذلك رغم النكسة الخطيرة التي تواجهها قوات الاحتلال في العراق وأفغانستان.
فقد دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم الاثنين 16 يوليو 2007 إلى عقد اجتماع دولي للسلام تشارك فيه إسرائيل والسلطة الفلسطينية وعدد من الدول العربية في الخريف المقبل، من اجل إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط.
وطالب الرئيس الأمريكي، في كلمة له بمناسبة الذكرى الخامسة لطرح رؤيته بشأن دولة فلسطينية، الدول العربية التي لم توقع السلام مع إسرائيل حتى الآن إلى “وضع حد لوهم عدم وجود إسرائيل” وفتح حوار مع الدولة العبرية.
كما دعا دول الجوار إلى إبداء الدعم القوي لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس وحكومة سلام فياض. كما قال: “علينا أن نضمن أمن إسرائيل وأن الدولة الفلسطينية قابلة للوجود والاستمرار.. وأن هذه الدولة لن تقوم بالإرهاب.. ويجب تفكيك البنى التحتية للإرهابيين وتسليم أسلحتهم وإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الموجود حاليا بين الإرهابيين.
إملاءات على الشعب الفلسطيني
وفي تدخل سافر في الشأن الفلسطيني الداخلي والتنكر للاختيارات الديمقراطية للشعب الفلسطيني، ذكر بوش أن الفلسطينيين أمام لحظة خيار حاسم محذرا من أن الوقوف إلى جانب حركة حماس سيقضي على إمكانية قيام دولة فلسطينية. وفي المقابل ذكر أن دعم محمود عباس سيسمح للفلسطينيين بـإعادة تأكيد كرامتهم والسيطرة على مستقبلهم وإقامة دولة لهم .
ودعا حركة حماس إلى نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل و بالحكومة الفلسطينية “الشرعية”. ودعا بوش الدول العربية التي لم توقع على السلام مع إسرائيل حتى الآن إلى وضع حد لوهم عدم وجود إسرائيل وفتح حوار مع الدولة العبرية. وقال إن في وسع الدول العربية المساعدة على تشجيع عملية السلام من خلال وضع حد لوهم عدم وجود إسرائيل ووقف التحريض على الحقد في إعلامها وإرسال زائرين بمستوي وزاري إلى اسرائيل .
ولم ينس بوش في خطابه مهاجمة حزب الله اللبناني والمقاومة في العراق وحركة طالبان في أفغانستان التي نعتها بالإرهاب والظلامية، متجاهلا كل الجرائم التي ترتكبها قوات بلاده التي قتلت مليون عراقي وعشرات الآلاف من الأفغان والصوماليين لمجرد انهم يرفضون وجود استعمار جديد مموه بحكومات عميلة جاءت على متن الدبابات الغازية، كما نسي أنه وحلفاؤه الصهاينة يقتلون يوميا لبنانيين وفلسطينيين وغيرهم ليسهل تنفيذ مخطط إعادة رسم حدود الشرق الأوسط الجديد.
واذا كان بوش قد كثف الإملاءات على الجانب العربي فقد كان لطيفا مع الكيان الصهيوني، فاكتفى بأن طلب من رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت إيصال الأموال المجمدة إلى حكومة فياض وألا يواصل احتلال الضفة الغربية ويوقف بناء المستوطنات وإزالة المستوطنات غير الشرعية.
الأمر لا يتعدى وعوداً كاذبة ومناورة فارغة المحتوى من شخص تعود على الكذب منذ توليه الرئاسة سنة 2000، حيث تابع وطور سياسة والده الذي قدم الوعود الفارغة للعرب لكي يجرهم إلى مشاركته في مؤامراته على اخوانهم كما حدث في حرب الخليج الأولى سنة 1991 عندما فرخت الآلة السياسية الأمريكية فكرة مؤتمر مدريد، الذي انتهى بوعود لم تنفذ وبيانات لم تغادر أرفف وزارات خارجية الدول المشاركة.
وقد تناسى بوش الابن وهو يطلق فكرة مؤتمر جديد حول القضية الفلسطينية، انه هو كذلك تعهد بإقامة دولة فلسطينية قبل عام 2005 ووضع خريطة طريق تؤدي إلى هذا الهدف، وشكل لجنة رباعية تضم اوروبا وروسيا والأمم المتحدة إلى جانب بلاده للعمل على تطبيقها وحصل على تنازلات عربية مقابل هذا الوعد، وفي السنوات التي تبعت “الوعد السراب” الأمريكي تمكن الكيان الصهيوني من توسيع الاستيطان واستولى على المزيد من الأراضي الفلسطينية وشرع في بناء جدار الفصل العنصري وتكثيف عملية تهويد القدس، والآن مضى على الأجل المحدد عامان، والأوضاع في الأراضي المحتلة تزداد سوءا وتدهورا على كل الأصعدة، والمؤتمر الجديد الذي ستوجهه وزيرة الخارجية الأمريكية رايس سيسعى لبدء بحث الموضوع من البداية، وبكلمات أكثر وضوحا منح إسرائيل فسحة جديدة من الوقت لتنفيذ مخططاتها في ظل تنازلات عربية جديدة وانزلاق نحو التطبيع ومحاولات قولبة العقلية العربية لتكون خانعة قابلة للتعايش مع كيان غاصب.
كذبة فارغة المضمون
وقد اعتبرت حركة حماس ان دعوة بوش خدمة للعدو الصهيوني، وأكدت أن تصريحات الرئيس، “تأتي في سياق الحملة الأمريكية لتجديد الدعم لرئيس السلطة محمود عباس في مواجهة الشرعية التي فازت بها حماس”.
وقالت الحركة على لسان الناطق باسمها الدكتور سامي أبو زهري: “إن الوعود التي أطلقها بوش خلال تصريحاته بإقامة دولة فلسطينية، هي كاذبة وفارغة المضمون، فالحديث عن دولة فلسطينية أو ما يعرف باسم “وعد بوش” هو حديث يعود إلى سنوات طويلة، حيث يتم استحضار هذا الوعد من حينٍ لآخر للتضليل وتخدير الرأي العام وخاصة الفلسطيني”.
وجدد أبو زهري رفض الحركة “الاعتراف بالاحتلال الصهيوني أو التخلي عن المقاومة رداً على دعوة بوش”.
وأعلن رفض “حماس” لتهديدات بوش”، مؤكدا أن مثل هذه التهديدات “لا يمكن أن تخيف الحركة أو أن تغير من مواقفها أو قناعاتها، وستواصل حماس دورها المقاوم في مواجهة الاحتلال وستسقط بإذن الله تعالى كل المشاريع الأمريكية الغربية لإجهاض حركة حماس أو مشروع المقاومة، مثلما نجحت في إسقاط مخطط دايتون الأمريكي وكل المخططات المماثلة”.
وأشار أبو زهري إلى أن تصريحات بوش “تفضح حقيقة موقف قيادات السلطة التي قبلت أن تكون جزءاً من مشروع أمريكي صهيوني ضد شعبنا الفلسطيني، إلا أن هذا التواطؤ لن يفلح في كسر إرادة شعبنا الفلسطيني الذي سيستمر بالتمسك بحقوقه وثوابته، والمضي في مشروع المقاومة حتى إنهاء الاحتلال بإذن الله تعالى”.
ودعت حركة “حماس” الأمة العربية والإسلامية إلى “الاستنهاض، لدعم قضية فلسطين في مواجهة الحملة الصليبية التي يقودها بوش ضد فلسطين أرض الإسراء والمعراج”، مشيرة إلى أن الحكومات العربية “أمام اختبار دقيق في مواجهة هذه التحديات التي تستهدف الأمة العربية والإسلامية وشعبنا الفلسطيني”.
من جانبه قال اسماعيل رضوان المتحدث باسم الحركة لوكالة “فرانس برس” ان حماس “لا تعول خيرا على هذه المؤتمرات التي ندينها لأنها تخدم العدو الصهيوني والضغط على الطرف الفلسطيني والعربي لتقديم مزيد من التنازلات”. وأضاف “ندين هذا التدخل الأمريكي بالشأن الفلسطيني الداخلي الذي يهدف إلى ترسيخ الانقسام والخلاف على الساحة الفلسطينية”.
خدعة مؤتمر مدريد 1991
في 30 أكتوبر 1991 نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في جر العرب إلى فخ مؤتمر مدريد في عملية تغطية وتبرير ومكافأة لحرب ال38 دولة ضد العراق. وقد استطاع التعنت الصهيوني والتعسف الامريكي ان يفرضا شروط انعقاد مؤتمر مدريد تحت شعار السلام ارتكازاً على قبضة الهيمنة الامريكية التي اصبحت بعد حرب الخليج مطلقة اليد. وعلى الرغم من تظاهر واشنطن بالضغط على الكيان الصهيوني، في مسألة ضمانات فرض مواجهة متطلبات الهجرة اليهودية، الا ان الصهيانية استطاعوا ان يفرضوا معظم شروطهم وان يطمسوا معظم الاسس والثوابت الفلسطينية. فالمشاركة المباشرة لمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد، تحولت إلى شكل من الاشراف الأمريكي غير المباشر على الإرادة الفلسطينية.
إن صيغة مدريد قامت على اطارين: مفاوضات مباشرة، ذات طابع ثنائي. ومفاوضات متعددة الأطراف، ذات اختصاصات وظيفية هي: التسلح، والمياه، والبيئة، والتنمية الاقتصادية واللاجئين الفلسطينيين. الإطار المباشر، أفضى إلى صيغة أوسلو الفلسطينية الاسرائيلية، التي صارت من الماضي بشهادة شارون وحتى الأطراف الفلسطينية التي حاولت أن تقدم نفسها كوريث لعرفات الذي اغتاله الموساد، وبدليل وجود خريطة طريق لم تنفذ إلى اليوم بعرقلة إسرائيلية معلنة. لقد صارت خريطة الطريق من الماضي أيضا، أما إطار المفاوضات المتعددة فقد تجمد كذلك منذ زمن بعيد.
المؤتمر الذي طرح فكرته بوش خدعة جديدة، فالرجل لم يبق له في البيت الأبيض بعد الخريف القادم إلا أقل من سنة في البيت الأبيض وبالتالي لن يكون في إمكانه تحقيق تقدم حتى ولو كان مخلصا، بوش يريد تحقيق عدة أهداف من مناورته. فالرجل المحاصر بهزيمته في حربه في العراق وانتكاسة مخططاته في فلسطين بعد فشل مشروع الانقلاب على حماس وتصفيتها والمتعثر في الزج بلبنان في حرب داخلية يريد كسب الوقت في بلاد الرافدين، وإيهام العالم أنه يريد حل أزمات الشرق الأوسط، وتحركه قد يكون كذلك مجرد غطاء لحرب إسرائيلية جديدة في لبنان او ضد سوريا، او حرب أمريكية أوسع ضد إيران، ففي كل مرة يدعو فيها الرؤساء الامريكيون لمثل هذه المؤتمرات تبدأ الاستعدادات للحروب.
يمكن لبوش أن يطبل ومعه طاقمه المحلي والإقليمي لأساطير كثيرة على شاكلة مؤتمر مدريد الأول أو أنماط أخرى، ولكنه لا يجب ان يتوقع النجاح، لأنه لا يمكن قهر الشعوب المقاومة، فهو كما يذكر طبل للنصر في العراق قبل أربع سنوات والآن يحصد الهزيمة التي تنذر بأن تكون آخر مسمار في نعش الإمبراطورية الأمريكية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...