الجمعة 09/مايو/2025

إلامَ ستبقى الضفة مستباحة؟!

لمى خاطر

مع هذا التسارع المحموم للحكومة الطارئة في رام الله نحو تجاوز الحالة السياسية التي أفرزتها نتائج انتخابات التشريعي، ومحاولة اجتراح المسوغات القانونية – الباطلة في جوهرها – للقفز على الواقع الحالي وتثبيت أركان سلطة جديدة تنفيذية وتشريعية، نجد أن أدوات هذه الحكومة من أجهزة أمنية وما تفرع عنها من أجهزة أمن وعصابات استرزاق ماضية في تطبيق الشق( الأمني ) على الأرض لتهيئة المناخ المناسب للواقع السياسي الجديد الذي يجري العمل على فرضه عنوة، وهو واقع يراد له أن يكون (نظيفاً) من الحالة الحمساوية مهما كلف الثمن حتى لو تطلب ذلك اغتيال القانون وطعن الشرعية وشطبها علناً.

فبعد شهر على عملية تطهير غزة، وإنشاء الحكومة الطارئة في رام الله، لا زالت مدن الضفة تعاني حالة غير مسبوقة من البلطجة الممنهجة والإجرام المنظم الذي طال حماس مؤسسات وأفرادا، حتى وصل الأمر مؤخراً إلى الاعتداء على طلبتها في الجامعات بالاعتقال والضرب وحرق المقرات، كما حصل قبل أيام في جامعة بيرزيت، حيث يبدو أن أشاوس (الشبيبة) قد أعطوا لأنفسهم حق استهداف أبناء الكتلة الإسلامية في الجامعات ونصبوا أنفسهم أوصياء على النشاطات الجامعية في تعدٍ سافر على أدنى المعايير الأخلاقية التي يفترض أن تسود رحاب جامعاتنا.

وهذا على كل حال لا يبدو غريباً على السلوك الفتحاوي في عدائه التاريخي لحماس، ولا على عقلية العصابات التي تحكم فئة غير قليلة من منتسبي فتح هذه الأيام ممن يرون أن وصول حماس للنظام السياسي لم يكن سوى (غلطة) تمت في غفلة من الزمن ولا بد من تصحيحها بأي ثمن، على اعتبار أن فتح لا مكان لها إلا في موقع السيطرة والهيمنة وأنه لا يليق بها إلا أن تفرض مشاريعها وأجندتها شاء من شاء وأبى من أبى!!

واللافت هنا هو أن تلك الحكومة الطارئة التي تقدم نفسها كحكومة خبراء وتؤكد ألا علاقة لوزرائها بفتح (تنظيمياً) تبدو في أدائها – خطاباً وسلوكاً – أسوأ من أسوأ حكومة فتحاوية سابقة، فهي لا تكتفي فقط بتجاهل جرائم الاعتقال والتعذيب التي تمارس في سجون الأجهزة الأمنية بحق نشطاء حماس، ولا بالتغاضي عن حالة التسيب الأمني العام في الضفة، بل إنها تمارس دور سلطة قمعية دكتاتورية بامتياز!

ويا ليت هذا القمع وجه ضد عناصر الفوضى والفلتان الحقيقي في الضفة، أو طال زعران التخريب والقتل ممن يحملون اسم تشكيلات فتح العسكرية وهم لم يتجاوزوا كونهم مشبوهين وطنياً وشلل من المرتزقة والمنتفعين عبر تقنعهم ببرقع المقاومة!!

ولكن كما هو معلوم فإن الضحية الأولى والأخيرة لكل إجراءات ومراسيم الحكومة الطارئة هي حماس في الضفة على اختلاف مستويات حراكها، العسكرية والسياسية والدعوية والطلابية، مما يعني أن هذه الحكومة جعلت من رأس حماس قرباناً للرضا الصهيوني عنها وضمانة لاستمرار شريان حياتها، ولنا أن نفسر بناء على هذا الخلفيات الحقيقية لرفض التقارب مع حماس أو إدارة حوار معها.

والغريب في الأمر ومثار الاستهجان إزاء ما يجري في الضفة هو غياب صوت مؤسسات المجتمع المدني الاحتجاجي ودور منظمات حقوق الإنسان في رصد تلك التجاوزات الخطيرة وكشفها، وكذلك الحال بالنسبة للنخب المثقفة التي هي شريك حقيقي في الجريمة عبر صمتها وغضها الطرف عن ساحة الضفة وتصديرها الأزمة نحو غزة ونواحها على (الحريات) عبر افتعال الأكاذيب أو تضخيم أحداث ثانوية فردية لا وزن لها!

لكن الغرابة من موقف هذه النخب ستنتفي حين نضع في اعتبارنا أن نفراً من (أركانها) هم الآن وزراء في الحكومة، ويمارسون كل هو مضاد للمبادئ والقيم المحترمة التي يفترض أن تكون ديدن المثقف وموجهه حيثما كان موقعه، ولنا في الوزير العجرمي خير دليل الذي لم يتورع عن تلفيق أبشع التهم للوزير السابق وصفي قبها، ومثله الوزير رياض المالكي (وزير العدل والإعلام) الذي نرجو ألا يظن أن حديثه عن عقاب (الخارجين عن الشرعية) والمنقلبين عليها يمكن أن ينطلي على عاقل، أو أن تغنيه بقيم النظام والقانون سيفلح في إقناع أحد بصدق نواياه!

فالسيد المالكي هذا لمن لا يعرف لطالما نظر للحكم الصالح ودولة المؤسسات والنظام والقانون، ولطالما أدان الانفلات وحكم العصابات وأخذ القانون باليد، لكنه ما إن وضع موضع التطبيق حتى صار عراباً لاستباحة الحرمات ومنظراً لقيم الفوضى ومسوغاً لدوافعها في مدن الضفة، ويكفي أن عهده الميمون قد وسم بضروب من الانفلات غير مسبوقة كسرقة أسئلة امتحانات التوجيهي في نابلس على يد أبناء (الغلابة) الذين نصبوا أنفسهم حكاماً في كل مكان فطردوا من شاؤوا من الموظفين وعينوا مكانهم من وافق مزاجهم، واعتدوا على البلديات (الحمساوية) المنتخبة ودمغوها باللون الفتحاوي قسرا، هذا عدا عن اقتحام المساجد وخطف أئمتها والاعتداء على دور القرآن وحرق الممتلكات العامة والخاصة ونصب الحواجز داخل المدن جرياً على عادة نظرائهم المطرودين من غزة الذين كانوا يخطفون الناس على اللحية والانتماء!

وعلى كل حال، فيبدو أن حفنة الطارئين الممسكين بزمام الأمور في الضفة وقطعان الزعران من مقارفي الجرائم على وقع أنغام العبث القانوني والسياسي لحكومتهم اللاشرعية، يحسبون أن الأمر قد استتب لهم وأنهم في طريقهم للقمة ما دامت أكفهم تطبق على خناق حماس، غير أن ليل الضفة لن يكون أطول من ليل غزة التي ظن الكثيرون في وقت ما أنها وصلت إلى الهاوية، وكما انتفضت غزة في وجه من راموا ذبحها، وقطعت دابر المفسدين، فإن الضفة ستكون أيضاً بإذن الله على موعد مع فجرها القريب، لأن الظلم على هذه الأرض لا يعمر طويلا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...