لا خيار سوى الانسحاب وبسرعة

هل يمكن تسمية ما يحكم الفلسطينيين اليوم نظاماً سياسياً؟ وإن كان فما هي ضماناته؟ وكيف يعطي رئيس هذا النظام الحق لنفسه بالتصرف في مصير هذا الشعب ضد رغبة أبنائه الذين اختاروا ممثليهم في انتخابات حرة ونزيهة؟ وهل فقد نواب الشعب، الذين اعتقلهم الاحتلال، شرعيتهم كنواب وممثلين؟ وبأي حق يتم تجاهلهم واستغلال اعتقالهم لتمرير قرارات ضد رغباتهم؟ ألا يعني ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر التواطؤ بل والتآمر مع الاحتلال؟ لقد أتعبتنا يا سيادة الرئيس فتارة تنعت المعتقلين بأبهى الصفات فهم “درة هذا الوطن وأكرم منا جميعاً” كما أشرت في خطابك حول وثيقة الأسرى ، وتارة أخرى تعطي لنفسك الحق بسحق إرادتهم فتسلبهم حرية الرأي كما سلبهم الاحتلال حرياتهم العامة.
وأتساءل: إذا كنا حريصين على الديمقراطية ونرفض تدخل الاحتلال بتزويرها عن طريق الاعتقالات فما الذي يمنع أن يتم إيجاد الآليات اللازمة لإشراك المعتقلين في ممارسة حقهم ومهامهم التي أوكلهم بها الشعب؟ لماذا أجيزت آلية الفيديو كونفرنس بين معتقل غزة الكبير ومعتقل الضفة العظيم بينما لم يتم اعتماد آليات مناسبة لسجون أصغر من ذلك بكثير؟ أو حتى لماذا لا نترك للقائمة التي ينتمي إليها النواب المعتقلون لتصوت بالنيابة عنهم … مثلاً؟ ولو كان الاعتقال أمراً طارئاً وخاصاً بهؤلاء لطالبنا بانتخابات تكميلية ، ولكن من الواضح أن الانتخابات تحت الاحتلال هي ممر الوطنيين إلى السجون ، وهي ساحة اللعب لدى إسرائيل للتحكم بالتوازنات السياسية بما يخدم أهدافها. ولو كان الأمر غير ذلك فهل يستطيع أحد أن يجيب ما الذي فعله الدكتور دويك والشاعر وزملاؤهم؟
أيها الفلسطينيون الشرفاء: أناشدكم بالله هل تقبلون بنظام سياسي يتحكم الاحتلال فيه بمن يمثلنا ولا يقبل إلا بمن هو على مقاسه؟ وهل يمكن تفسير قرارات السيد الرئيس إلا بأنها اختباء وراء الاحتلال ، فلولاه ما تمكن من فعل شيء لأن حزب الرئيس هم أقلية في المجلس التشريعي؟ وهل تقبلون أن يُرتهن مستقبلكم السياسي بمن تعتقله أو تطلقه إسرائيل؟ وإلى متى سيبقى البلهاء – الذين لم يجلبوا للشعب الفلسطيني سوى الدمار والخراب والتراجع والذين لا يمثلون أحداً – يحركون السلطة في الاتجاه الذي يريدون وشعارهم دائماً “لا للحوار” أو بمعنى آخر “نعم للفتنة والاقتتال”.
وفي ظل عدم قدرة المجلس التشريعي على الانعقاد ، وفقدان حماس للأغلبية النيابية في حالة انعقاده ، وبالإشارة إلى استغلال الرئيس عباس لصلاحياته أحياناً واتخاذه إجراءات خارج نطاق تلك الصلاحيات أحياناً أخرى ، أصبحت قضية انسحاب حماس من السلطة ومؤسساتها مطروحة وبقوة. ولتوضيح الصورة الحالية للوضع الفلسطيني يمكن الإشارة إلى بعض المحددات:
1. هناك فصل جغرافي وأمني وسياسي واضح بين الضفة وغزة. ففي حين أن الأمور تكاد تكون مستقرة تماماً في غزة فإن الضفة تعاني من اختلال الأوضاع الأمنية والسياسية فيها.
2. لم تتمكن حماس من ممارسة أي دور سياسي يُذكر في الضفة – بالرغم من فوزها الساحق في الانتخابات – وذلك لأن إسرائيل قامت باعتقال نوابها ووزرائها من جهة ولمحاربة أوسلو لها من جهة أخرى.
3. لا فائدة من أية انتخابات مبكرة أو غير مبكرة يتم إجراؤها في الضفة ، إذ من البديهي أن إسرائيل ستقوم باعتقال قادة ونواب حماس هناك كما فعلت سابقاً. فتأثير الانتخابات تحت الاحتلال سيكون عكسياً على حماس وبالتالي ليس من مصلحتها الدخول في أية انتخابات سياسية في الضفة.
4. بسبب وقوع الضفة تحت الاحتلال فإن المعادلة الحالية بتحكم أوسلو في مصير القضية وتهميش حماس ستستمر ، وليست هناك أية فوائد ترتجى من هكذا وضع يمكن أن تجنيها حماس حتى تعمل للمحافظة عليها.
5. إذا استمرت الحالة الحالية التي تتلخص في فوز حماس في الانتخابات بينما تتحكم الرئاسة في كل الأمور فلا معنى لهذا الفوز الذي يعتبر في هذه الحالة تغطية لجرائم أوسلو وفساد زمرته.
6. من المتوقع ألا يتمكن التشريعي من الانعقاد للمرة الثانية على التوالي بعد دعوة الرئيس عباس لبدء دورة جديدة ، وعليه ستعتبر قرارات عباس وكأن لها حكم القانون كما في النظام الأساسي ولن تستطيع حماس الوقوف ضد قانونية تلك القرارات.
في المحصلة: حماس حركة مقاومة لا يمكنها العمل السياسي تحت الاحتلال ولن تستفيد من السلطة في الضفة على الإطلاق. كما لن يكون بمقدورها إحداث أي تغيير في النظام السياسي الفلسطيني نتيجة للانتخابات بغض النظر عن حجم الأغلبية التي تحققها ، وعليه لا فائدة من دخولها أصلاً.
أما القوة الحقيقية لحماس والتي هي قادرة على استغلالها فتتمثل في غزة المحررة وسيطرتها عليها بعد أن طردت العصابات منها ، وتستطيع أن تناور فيها وتتحرك لبناء نظام سياسي غير مرتبط بالاحتلال أو الخارج وغير مرتهن بإجراءاته على الأرض.
لهذا ليس لحماس أية مصلحة بالاستمرار في السلطة ومنحها شرعية تمثيل الفلسطينيين في الضفة وغزة.
ولكن ماذا يمكن أن تجني حماس من انسحابها؟
· من الممكن لحماس أن تنزع الشرعية عن سلطة أوسلو كاملة والادعاء بأن الانتخابات تحت الاحتلال لا تأتي بأية وجوه مقاومة ، وذلك كما حدث في الضفة. وهذا بحد ذاته انتصار لمنهج وفكر حماس في رفضها لأوسلو أصلاً.
· من الممكن أن تدعي حماس عدم شرعية السلطة الحالية حيث إنه بانسحابها وهي تشكل حوالي 60% من الناخبين فإن السلطة بالضرورة تفقد تمثيلها للشعب ، فمما لا شك فيه أن السلطة في هذه الحالة ستفقد شرعيتها.
· من الممكن أن تستمر حماس بالاحتفاظ بالسيطرة على قطاع غزة – وليس هناك مبرر لأي تصرف آخر- وعليه ينتهي أوسلو إلى الأبد حيث إن الاختلاف بين السلطة والإسرائيليين لم يكن قط على قطاع غزة ، ولكن الإسرائيليين لم يقبلوا إعادة الحقوق الفلسطينية في الضفة والقدس وهذا الموقف سيستمر بالتأكيد ، وبالذات في حالة وجود قيادة ضعيفة للسلطة. وما دامت السلطة لن تتمكن من تحقيق اختراق على ساحة الضفة والقدس فهذه نهايتها.
· ستبقى نظرة العالم لحماس على أنها الشرعية والأغلبية وأنها ليست هامشية يمكن تجاوزها.
· يمكن لحماس أن تؤسس لحكم صالح ونزيه في غزة يقوم على مبدأ التعددية السياسية وحكم المؤسسات ، وتسوده قوانين عصرية تضمن الحقوق والحريات واحترام القضاء.
· سيكشف انسحاب حماس مدى هشاشة سلطة أوسلو وعجزها ، وستفقد دعم العالم السياسي كونها أصبحت ورقة ساقطة لا تمثل الفلسطينيين.
· في حال تجاوزات السلطة ضد أبناء حماس واضطرار الأخيرة للدفاع عن نفسها فسيعتبر الجميع موقف حماس مبرراً.
وأعتب على حماس التي لم تحسم أمرها بعد ، وأتساءل: أليس أهم شرط في أية عملية سياسية أن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة؟ أبعد ما حدث لنوابكم في الضفة وإفشال إسرائيل لنتائج العملية كلها بالاعتقالات تعتقدون بإمكانية الاستمرار في هذا النهج؟ يا أبناء وقادة حماس بعد هذه التجربة المريرة ليس أمامكم إلا ترك هذه السلطة المصنوعة في إسرائيل وعلى مقاسها وبشروطها اليوم قبل الغد ، حتى تنالوا مزيداً من الاحترام وتحتفظوا بإنجازاتكم ، ولا تضخوا مزيداً من الدماء في هذا الجسم المتعفن.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...