السبت 10/مايو/2025

تسييس الإعلام والانحياز في الصحف الفلسطينية لصالح الرئيس وفتح!

د.طارق عبدالباري

يفترض أن يكون الإعلام مرآة حقيقية للمجتمع والبيئة التي يصدر عنها وفيها، ينقل هموم الناس وآمالهم ويعالجها، وهو ما لا نجده في صحفنا الفلسطينية لسبب بسيط جدا أن المصالح والأموال هي التي تتحكم في الكلمات والصور التي تنشرها الصحف الثلاثة الصادرة في القدس ورام الله .

فالمراقب للصحف الثلاثة منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية يناير 2006، يفهم بوضوح طبيعة تحول السياسة التحريرية للصحف التي جميعنا يدرك الارتباط الواضح لرأس الهرم فيها مع مكتب رئيس السلطة الفلسطينية.

والسياسة التحريرية لأي صحيفة يمكن قراءتها من طبيعة العناوين ونوعية الأخبار المنشورة وحجمها ومكانها والصور وحجمها ومقالات الرأي، بالإضافة إلى جوانب أخرى لست بصدد الحديث عنها.

الصحف الفلسطينية الثلاثة التي تتنوع في عملها ما بين صحيفة إعلانات وعلاقات عامة وأخرى تزعم أنها للنخب ويسيطر اليساريون على هيئة التحرير والمراسلين، وثالثة حكومية تابعة للرئيس اتخذت منهجا بعيدا عن المعايير المهنية والأخلاق الصحفية وما يسمى بالاستقلالية ، وكان منهجها مناوئا لحركة حماس وكل ما يتعلق بها من أخبار ونشاطات.

على أية حال فإن هذه الصحف حرة فيما اتخذت من مواقف، لأن من يدفع الأموال لهذه الصحف بالتأكيد يجبرها على تبني مواقفه مهما كانت بعيدة عن الواقعية والمصداقية والأمانة الصحفية، أما قصة الاستقلالية – كما القرار الفلسطيني المستقل – فهي كذبة لم يعد يصدقها مواطن ساذج أو طالب جديد في الصحافة لأنها غير موجودة أصلا على أرض الواقع .

ما دفعني إلى السطور السابقة هو تغطية صحف القدس والأيام والحياة الجديدة لحادثة الاعتداء على جامعة الأزهر في غزة (المحسوبة على فتح) ، وابتداء نقول إن المؤسسات التعليمية لها حرمة خاصة محظور المساس بها مهما كانت الأسباب ، ولذلك فان اقتحام أي مسلح لأي مدرسة أو كلية أو جامعة مرفوض جملة و تفصيلا ، وحادثة الاعتداء هذه لم تتضمن حرقا أو تدميرا للجامعة ، وإنما كما ذكر رئيس الجامعة جواد وادي هدفها هو الاستيلاء على أكياس من السماد الكيماوي .

في الأول من شهر شباط /فبراير 2007 تعرضت الجامعة الإسلامية (المحسوبة على حماس) لهجمة وحشية من قبل حرس الرئيس شملت عمليات الحرق والسرقة لدرجة أن جهاز الحاسوب – المسروق – بيع بمبلغ 200 شيقل، هذه الجامعة التي تشكل منارة للشعب الفلسطيني أصبح طلابها يهيمون على وجوههم غير مصدقين ما جرى لجامعتهم ، يبحثون عن الأسباب فلا يجدون !!.

هذه الجريمة ماذا كان نصيبها من وسائل الإعلام الفلسطيني خاصة الصحف الثلاثة التي لم تتعرض للحدث بأي حال من الأحوال، وكأن شيئا لم يحدث للجامعة الجريحة ، إلا بعد ثلاثة أيام من وقوعها، صحيفة القدس نشرت بتاريخ 3-2-2007 خبرا في (الصفحة 11) لم يتحدث عن الجريمة بل عن نتائجها، وحتى الإعلانات المدفوعة الأجر التي نشرت بصحيفة القدس تم حذف أجزاء كبيرة منها.

إعلام السلطة وفتح بدأ يروج عن كذبة بوجود جثث إيرانيين بينهم فتاة داخل الجامعة الإسلامية، بالإضافة إلى وجود كميات من السلاح في محاولة فاضحة لتبرير الهجوم على الجامعة ، الأمر الذي لم ينجح واضطروا إلى نفيه بعد أيام .

صحيفة الأيام اكتفت بنشر صورة لحريق يتصاعد من الجامعة الإسلامية وخبرين (الصفحتان السادسة والثامنة ) بعد ثلاثة أيام من الجريمة دون ذكر من هاجم الجامعة رغم أن المجرمين كتبوا داخل جدران الجامعة ( حرس الرئيس مر من هنا ) .

صحيفة الحياة الجديدة نشرت صورتين للجامعة المدمرة وخبرا صغيرا (الصفحتان الخامسة والسابعة ) في اليوم الثالث للهجوم.

وبعد أيام بدأت الصحف الثلاثة تغطية زيارات مسئولين وشخصيات مجتمعية للجامعة الإسلامية ولكن على استحياء، حيث كانت الأخبار والتقارير مختصرة وفي صفحات داخلية وكان المجرم الفاعل (حرس الرئيس) مبنياً للمجهول في الأخبار دون ذكر له، بالإضافة إلى عدم تغطية عشرات النشاطات والفعاليات التي نظمت تضامنا مع الجامعة.

هذا كان موقف الصحف الفلسطينية المذكورة من تدمير الجامعة الإسلامية التي بلغت خسائرها ملايين الدولارات ، حيث تركز على التغاضي والإهمال ثم التنفيس بنشر أخبار صغيرة في صفحات داخلية .

في المقابل ماذا كان موقف الصحف من حادثة الاعتداء على الأزهر التي وقعت في 7-7-2007 ، صحيفة القدس نشرت بتاريخ 8-7 الخبر ضمن العناوين الرئيسية على الصفحة الأولى (أربعة أعمدة) يتضمن اتهام القوة التنفيذية بالهجوم .

والأيام نشرته على الصفحة الأولى أيضا (3 أعمدة) يتضمن اتهام القوة التنفيذية بالهجوم، والحياة نشرته على الصفحة الأولى أيضا (3 أعمدة) يتضمن اتهام القوة التنفيذية بالهجوم ، ونشرت تقريرا في الصفحة الرابعة، وتبرع المتهم بالاختلاس حافظ البرغوثي رئيس تحرير الحياة بكتابة مقال بالصفحة الأخيرة حول الحادثة.

أما في اليوم الثاني 9-7 فقد نشرت القدس خبرا على 3 أعمدة في الصفحة الثانية، ونشرت الأيام تقريرا على خمسة أعمدة يتضمن صورة على الصفحة الرابعة عن الاعتصام واستنكار الحادثة ، ونشرت خبرا بتاريخ 10-7 في الصفحة الرابعة.

ونشرت الحياة تقريرا عن الاعتصام على أربعة أعمدة مع صورة في الصفحة الثانية ، وتقريرا موسعا على 6 أعمدة عن الاعتصام واستنكار الحادثة في الصفحة السابعة .

ما ذكرته في هذا المقال هو مقارنة بسيطة تظهر حجم تعاطي وانحياز الصحف المحلية القدس و الأيام والحياة إلى جامعة الأزهر في تعاطيها مع الحادثة المدانة بالاعتداء عليها، مقابل ليس اعتداء وكسر حرمة الجامعة من أجل مجموعة من أكياس السماد، بل تدمير الجامعة وحرقها عن سابق إصرار وترصد، وتفاخر وقح بالجريمة، والغريب أن الصحف المذكورة ورغم قيام مدير القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية بإقالة مسئول القوة التي داهمت الأزهر وتجميد الجنود لم تقم بنشر أي خبر لهذا الحدث المهم، بينما لم تستطع أي منها ذكر – ولو بالإشارة – مرتكب جريمة تدمير الجامعة الإسلامية.

الأمر تكرر في حادثة اعتداء الميليشيات الأمنية والفتحاوية على اعتصام أهالي المعتقلين من أنصار حماس أمام سجن جنيد في نابلس بتاريخ 11-7 ، والاعتداء على اعتصام الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت بتاريخ 12-7 حيث تناولته الصحف الثلاثة بصورة باهتة وبنوع من التواطؤ، وكأن الحادث وقع في المريخ .

ما تحدثت عنه هو مجرد نموذج أما الأمثلة فهي كثيرة و متواصلة يوميا في إظهار مواقف الرئيس وزعماء فتح وتصدرها الصفحة الأولى مقابل إغفال مواقف حماس ونشر جزء قليل منها بالصفحات الداخلية لإيهام القارئ أن الصحف مستقلة ومتوازنة وتنشر للجميع ، والأمر واضح بنشر كل القصص المسيئة لحماس بينما لم ينشر خبر واحد عما ترتكبه الميليشيات الأمنية والفتحاوية في الضفة من جرائم فاضحة، ناهيك عن المصطلحات المستخدم من وصف كتائب القسام والقوة التنفيذية بميليشيات حماس وغيرها من المصطلحات التي لها دلالاتها الخطيرة.

لم يكن مطلوبا منها أن تقف مع جهة دون أخرى بل إظهار الحقائق على الأرض و توضيح ايجابيات وسلبيات كل طرف والانحياز إلى الجماهير وثوابت الشعب وحقوقه ، أعتقد ان ما نقرأه في صحافتنا المكتوبة هو عبارة عن نشرة لحركة فتح ، ولا يمكن بحال أن نسميها صحافة موضوعية، فقد فقدت هذه الصحف احترام القارئ الفلسطيني وتتراجع يوما بعد يوم.

إن سماح الصحف الفلسطينية لنفسها بالتسييس والوقوف مع طرف ضد طرف آخر لن يكون في مصلحتها أو في مصلحة الإعلام الفلسطيني بل يضع تساؤلات حقيقية وكثيرة حول مدى مصداقيتها والأمانة الصحفية التي تحملها!!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات