السبت 10/مايو/2025

التناحر السياسي لا يبيح المحرمات

د. محمد عطية عبد الرحيم

تعيش الساحة الفلسطينية هذه الأيام حالة مأزومة تؤرق المخلصين الوطنين وتسهر ليلهم وتحار فيه عقولهم وأفئدتهم ويتمنون لو أن ينتهي هذا الوضع الشاذ إلي حالة من الوئام والصفاء والوفاق والتناغم والتوحد حتى يستطيع الشعب الفلسطيني أن يحقق أهدافه التي ضحى من أجلها طويلا.

إن ما يثير القلق أن الشقة تزداد تباعدا يوما بعد آخر بين فتح وحماس وكذلك الرئاسة من جهة والحكومة والمجلس التشريعي من جهة أخرى. ويزداد الأمر تعقيدا لأنه لا يبدو أن هناك حلاً في الأفق المنظور في ظل تمترس الأطراف وراء مواقف متطرفة لا شك إن بقي الحال على ما هو عليه فسنصل إلى حالة من العداء الشديد الذي يكرس حالة الانفصال بين جزئي الوطن ويغرس ثقافة الكراهية والاضطهاد والإقصاء بين أبناء الشعب الفلسطيني وهي حالة سيستغلها العدو الإسرائيلي أحسن استغلال لحسم الأمور لمصلحته. وهذا لا ريب سيكون على حساب المصلحة الوطنية العليا التي يدعي كل طرف أنه حريص عليها أكثر من الطرف الأخر الذي يفرط فيها.

ولكن هل حالة الانقسام هذه قدر لا يمكن تجنبه؟ ولذلك فهو واقع لا محالة. الإجابة لدي أن الحتمي الوحيد هو العودة للحوار برغم هذا التشنج الكريه والبغيض وسيصبح هذا الخلاف والاحتراب السياسي جزءاً من الماضي ذلك إن توافرت النوايا الصادقة والحرص الأكيد على مصلحة الوطن والشعب. ذلك لأن ما يفرق بين فتح وحماس إذا ساد المنطق هو أقل بكثير في واقع الأمر مما يجمع أحدهما مع العدو الإسرائيلي الحاقد والمتربص بهذا الوطن الجريح.

ولمزيد من الإيضاح أقول أنه إن أرادنا الخير لهذا الوطن وأن تنتهي الأزمة إلي الحل والوفاق لا بد من الالتزام الأخلاقي والوطني بآداب الخلاف السياسي المتبعة في ديننا الإسلامي الحنيف وثقافتنا العربية الأصيلة والمعمول بها في البلدان الديمقراطية المستقرة والتي لا يجوز لكائن من كان وتحت أي ظرف من الظروف أو مبرر من المبررات أن يتجاوزها لأن تجاوزها من المحرمات التي يجب أن تبقى محرمات ولا يجوز انتهاكها وإن فعل ذلك احد وجب الإنكار عليه واستنكار فعله وفضحه حتى لا يتمادى في غيه ويصاب الوطن جراء ذلك في مقتل بسبب ما فعل.

ولكن ما هي هذه المحرمات؟

أولها في يقيني هو عدم الاستقواء بأي طرف غير فلسطيني لحسم هذا الصراع ذلك لان العنصر الخارجي خاصة الإسرائيلي والأمريكي لا يمكن أن يظن به خيرا فهم إن تدخلوا فبكل تأكيد سيتدخلون ليس لإحقاق حق مضيع أو رد ظلم بائن بل لحماية إسرائيل وتدمير ما تبقي من قدرات للشعب الفلسطيني. لذلك حرم الإسلام الاستقواء بالكافر على المسلم مهما كانت الظروف والأحوال.

ثانيها عدم استعداء أعداء الشعب الفلسطيني التاريخيين على الخصم ويندرج في هذا السياق إطلاق التهم على الخصم السياسي الفلسطيني مما يستعدي أمريكا وإسرائيل ويعطي لها الذرائع في محاصرة الشعب الفلسطيني وتقتيله وأوضح مثال هو القول بأن قطاع غزة مليء بالقاعدة وأن حماس استجلبت القاعدة إلى قطاع غزة وتحتضنها وتدعمها. هل حماس استجلبت القاعدة في ظل وجود سلطة الرئيس؟ ولماذا البوح به الآن؟ ولماذا سكت الرئيس كل هذه المدة وهو يملك السيطرة على عشرات الآلاف من الجنود وكان يمكنه منع استجلاب القاعدة؟ إن استعداء أمريكا حليف إسرائيل العلني وعدو الشعب الفلسطيني على ضرب حماس ومواقعها وقيادتها أمر غير جائز.  كما يندرج في هذا الإطار المطالبة بنشر قوات طوارئ دولية تحت الباب السابع في قطاع غزة فقط وترك الضفة المحتلة لإسرائيل للعبث بها وكأن قطاع غزة مليء بالجرائم والقتل والتقتيل والفوضى وأن الضفة تحت الاحتلال تعيش في بحبوحة من العيش لا تستدعي وجود قوات طوارئ دولية.

ثالثها عدم الكشف عن عورات الخصم وأسراره الأمنية للعدو الاستراتيجي والتاريخي إسرائيل ويندرج في هذا الإطار ما أوردته صحيفة الحياة الجديدة أمس من أن من بين العالقين الفلسطينيين على معبر رفح الحدودي بين مصر وفلسطين يوجد تسعة وسبعين إرهابيا تدربوا في إيران وسورية وقطر. وهل يتدرب الإرهابيون في قطر والتي بها أكبر قاعدة أمريكية؟ هذا ولا شك اصطفاف مع الموقف الإسرائيلي لإغلاق معبر رفح الذي يمثل المنفذ الوحيد للفلسطينيين إلى الخارج واستخدام معبر كرم أبو سالم بديلا له بتأييد فلسطيني علني وهذا يستهدف ولا شك منع قيادة حماس وأفرادها من السفر إلى الخارج. ولنسلم جدلا أن من بين العالقين أناساً فلسطينيين تدربوا في إيران وسوريا هل يجوز كشف هذه المعلومات لإسرائيل؟ أليست هذه معلومات أمنية فلسطينية لا يجوز البوح بها للعدو حتى في ظل الخلاف السياسي.

رابعها عدم القفز عن الثوابت الوطنية التي أجمع عليها الشعب الفلسطيني وفصائله الحية وأقصد هنا المحافظة على المقاومة وحمايتها.

إن تجريم المقاومة يصب في مصلحة إسرائيل وعدوانها فإن كان الفلسطيني يجرم المقاومة فمن باب أولى أن تقتل إسرائيل المقاومين بدعوى أنهم إرهابيون وخارجون عن القانون وهذا ما أعلنه رئيسهم المنتخب والشرعي! هل يجوز أن يعطي الفلسطيني تصريحا للإسرائيلي بقتل المقاومين؟

خامسها عدم تجاوز القانون والشرعية في حالة الخلاف السياسي. فيجب على الجميع أن يحتكموا للدستور الفلسطيني ولشرعية الانتخابات وألا يتم تجاوز الدستور بأي حال من الأحوال لأنه هو الضامن لحقوق جميع الأطراف المتصارعة ويشكل حبل نجاة للخروج من هذه الأزمة ولأن تجاوز الدستور والشرعية لن يأتيا بخير وهذا الأمر سيكرس الشقة والعداوة.

هذه المحرمات التي يجب احترامها هي ذاتها يمكن أن يشكل الالتزام بها أسساً للحل وتصبح معايير وطنية يجب الالتزام بها في حالة الخلاف ولو عدنا لها بنية حسنة سنحقق المراد وسنصون الوطن ووحدته ونحافظ على قدسية قضيتنا ودمنا الذي يجب ألا يراق إلا في مواجهة الإسرائيلي الذي اغتصب الوطن وقتل وسفك الدم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...