معاقبة القطاع قنبلة موقوتة شظاياها ستخترق المنطقة

تشوهات كبيرة اعترت العلاقة الأردنية الفلسطينية الرسمية خلال السنة ونصف السنة الماضية، فمنذ أن فازت حركة “حماس” بأغلبية المقاعد بالمجلس التشريعي الفلسطيني، نحت الحكومة الأردنية نحو رئيس السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”، فيما افتعلت أزمة أمنية وسياسية كبيرة مع حركة “حماس” والحكومتين اللتين شكلتهما.
أما بعد التحوّل الذي طرأ على قطاع غزة في منتصف حزيران (يونيو) الماضي، عندما اندحر التيار الانقلابي المرتبط بالجانبين الأمريكي والصهيوني؛ فإنّ الموقف الأردني لم يسترجع مرونته، وبقي متصلباً كما يلحظ مراقبون كثر.
عن الموقف الأردني من أطراف الساحة الفلسطينية، وعن الملابسات التي تحكم صانعي القرار الرسمي في عمّان إزاء ما يجري في الضفة والقطاع، وعن مآلات التوجهات الحكومية الأردنية من الملف الفلسطيني؛ يتحدث المحلل السياسي والكاتب الأردني والناشط السابق في المنظمات الفلسطينية عريب الرنتاوي إلى “المركز الفلسطيني للإعلام”، في الحوار التالي، وفي ما يلي نصه ..
الموقف الرسمي الأردني من الساحة الفلسطينية
ـ الموقف الرسمي الأردني بقي طيلة الفترة الماضية ملتزماً بالتعامل مع طرف واحد في الساحة الفلسطينية. برأيك لماذا يستمر ذلك الموقف بعد أحداث غزة في المضي ضمن السياق ذاته؟
عريب الرنتاوي: أحداث غزة عمّقت هذا الموقف، بمعنى أنه إن كانت هناك (من قبل) فرصة لتعامل أرحب من الحكومة مع حركة حماس؛ أعتقد أنّ هذه الفرصة تراجعت، والأردن الرسمي الذي دعم أبا مازن في مواجهة حماس؛ فإنه بعد أحداث غزة عبّر عن موقف أكثر استمساكاً بهذا الخيار.
أبعد من ذلك؛ محمود عباس حليف استراتيجي قائم على مروحة واسعة من القضايا المتفق عليها حيال المستقبل، في المقابل حماس من وجهة نظر الحكومة تشكل مصدر تهديد للأمن الأردني، وليس فقط جهة يختلف معها جزئياً.
ـ .. من أي ناحية يمكن فهم منطق التهديد ذاك؟
الرنتاوي: يُشار الى ملفين رئيسين، الملف الأول هو العلاقة الاخوانية – الحمساوية، بما تحمله من قدرة حماس على تشكيل بنية تنظيمية على الساحة الأردنية. والجانب الثاني متصل بقضية الخلية المسلحة.
عندما تقرأ الصورة بهذا الاتساع؛ تجد أنّ الحالة الفلسطينية تتجه نجو مزيد من التوطد والترسخ مع حركة فتح والسلطة، وإلى مزيد من التفسخ والقطع مع حركة حماس ومع حكومة الوحدة الوطنية.
عواقب الضغوط والعزل
ـ ولكن ألم يكن التحوّل الذي حدث في قطاع غزة مؤشراً لافتاً أو ناقوس خطر ينبئ بإخفاق سياسة القرار الرسمي الأردني طيلة المرحلة التالية للانتخابات التشريعية الفلسطينية؟
الرنتاوي: انظر، الذي حصل في غزة أثار تحفظات أصدقاء حماس، فما بالك خصومهم. لا يمكن القبول بلغة الحل العسكري، هذا أمر مرفوض، بل إنه أثار المخاوف ليس فقط من حماس بل من الحركة الإسلامية العالمية والحركة الاسلامية الأردنية، وبدل أن يكون هذا مدعاة لعلاقات طيبة أصبح مدعاة لعلاقات أكثر توترا.
أما إن شئت أن تقول من وجهة نظر تحليلية كمتابع للمشهد؛ نعم أنا أعتقد أنّ الذي حصل هو نتيجة طبيعية لسياسات الحصار والإغلاقات واستعصاء عملية السلام، وكنا نقول دائماً إنّ الضغط على فتح وعرفات سيأتي بحماس، وإنّ الضغط على حماس لا يعيد فتح إلى قيد الحياة، من يرفض حماس الآن سيضطر للتعامل مع القاعدة ذات يوم. هذا في الحقيقة ما نقوله ليس من باب التهويل ولسنا في الأصل محسوبين على أي من هذه الأطراف، لكن هذا سياق الأحداث، انظر إلى التجارب السابقة؛ حيثما يوضع الناس في زوايا ضيقة ماذا تتوقع منهم؟!.
ولهذا السبب نقول: حذار حذار من استسهال فكرة معاقبة القطاع وعزله وإلقائه في البحر كما لو كان نسياً منسياً، هذا سيكون قنبلة موقوتة شظاياها لن تطال القضية الفلسطينية وحدها، ولن يكون ذلك خدمة لا لأبي مازن ولا لفتح، سيكون ذلك خدمة للتيارات الأكثر تشدداً، وسينتقل هذا التشدد إن شئت إلى الضفة الغربية. يريدون أن يقنعوا الناس أنّ خيار حماس مأزوم، وأنّ هذه الخطوات ستدفع حماس إلى خط الاعتدال، وما سيحصل أنّ الذي سيتعزّز هو خط التطرّف.
ـ هذه التحذيرات أطلقتها أصوات عدة، وأطلقها أوروبيون وحتى مراقبون صهاينة طوال المرحلة الماضية، ومع ذلك يبقى التساؤل: لماذا تستمر سياسة صانع القرار الأردني ضمن هذه القراءة السطحية التي أشرت إليها؟
الرنتاوي: أنا في تقديري أنّ هناك ثلاثة أسباب، السبب الأول هو تشابك السياسة الخارجية لما يسمى بقوى الاعتدال العربي بالاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وبالتالي هذه الأطراف لا تجد نفسها خارج إطار هذه الاستراتيجية.
السبب الثاني في اعتقادي هو خشية هذه الأطراف من نفوذ القوى الإسلامية، وهي عندما تعاقب حماس هي تريد أن تقنع شعوبها أنّ طريق الإسلاميين مأزوم.
والسبب الثالث له علاقة بآليات صنع السياسة الخارجية في تلك الدول، فالكثير من صانعي القرار هم في الحقيقة شخصيات غير مؤهلة.
ـ في الأردن أشيع قبل فترة أنّ سياسة صانع القرار قائمة على قاعدة أنّ وعاء الأمن يستوعب السياسة، هل تتفق مع هذا؟
الرنتاوي: القضية ليست متعلقة فقط بالقرار الأمني، هناك تكنوقراط غير قادرين على صنع السياسة الخارجية لتلك الدول، وكل هذه السياسات تنعكس وبالاً على الأمن العربي والاستقرار وعملية التحول الديمقراطي، وتأتي بنتائج معاكسة بالمناسبة تماماً لما لايريدونه. بقينا نتكلّم عن دعم أبي مازن حتى اكتشفنا أنّ الأمر لا يحتاج إلا بضع ساعات حتى ينتهي، وانا أسميت ذلك (ما جرى في القطاع من تحوّل خاطف) حرب الأيام الستة بالمناسبة.
ـ لكنه لم يستغرق أكثر من ثلاثين ساعة ..
الرنتاوي: في الحقيقة إنّ هذا الأمر مؤسف.
الكونفدرالية والخيارات المطروحة
ـ الموقف الرسمي المعلن في الأردن هو تأكيد مبدأ الدولتين، وفي الكواليس هناك حديث عن خيارات بديلة، أكثرها حضوراً في الوقت الحالي خيار الكونفدرالية، رغم النفي الرسمي المتكرر. الى أين يتجه صانع القرار في الأردن في ظل تقاطعات اللحظة الراهنة؟
الرنتاوي: الأردن كان مفتوحاً على خيار واحد، والآن هو مفتوح على عدة خيارات، وهذا يعود لسببين؛ الأول هو تفشي النزعة الأحادية الإسرائيلية التي تقضي على فرص قيام الدولة الفلسطينية، والسبب الثاني هو حالة الانقسام والفوضى في الساحة الفلسطينية، وهذه أضعفت الرهان على الطرف الفلسطيني. لهذين السببين أنا أعتقد أنّ هناك من يفكِّر بمثل هذه الخيارات.
لحدّ الآن الدولة (الأردنية) لم تُجِب على ما هو قادم، وتلتزم باجابة واحدة، ولذلك أنا أعتقد أنه من المبكر الجزم بالخيار الأردني بعد فشل عملية السلام وحالة الفلتان الأمني على الطرف الآخر (الفلسطيني).
ولكن على كل حال؛ إذا كان هناك تغيير أو تطور على الموقف الأردني الرسمي؛ فيجب أن يكون بناء على حوار وطني داخل الدولة (الأردنية).
ـ بالتحديد إلى أين وصل الموقف الرسمي الأردني من مستقبل القضية الفلسطينية وطبيعة الصلة الأردنية به؟
الرنتاوي: أعتقد أنه (الموقف) في مرحلة انتقالية، فالمشهد الإقليمي كلّه معقد. هل تعتقد أنّ فرص قيام دولة فلسطينية قائمة؟ لقد تراجعت، إذن، إذا كان لا بد من تغيير فلا بد أن يكون أردنياً ـ أردنياً، فلسطينياً ـ فلسطينياً، فلسطينياً ـ أردنياً، وأن يكون حواراً مع قوى رئيسة وليس مع قوى فاشلة، لأنّ الحوار يجب أن يستقر على أقدام صلبة، ويجب أن يلبِّي المصالح العليا لكلا الطرفين. كما يجب أن يكون خياراً ديمقراطياً ليس مفروضاً من أطراف على أطراف، وإنما إجابة على استعصاء عملية السلام، وإجابة على الإصلاح السياسي في الأردن وفلسطين على حد سواء.
إذا نجحنا في اجتراح صيغة آخذة بعين الاعتبار كل هذه المواقف؛ فأنا أعتقد أنه سيمكن التوصل إلى حلول مهمة في هذا الإطار.
ـ لكن هذا مستحيل على أرض الواقع، فصانع القرار الأردني كان يتفرد دائماً بالقرار في كل خطواته الاستراتيجية السابقة، وكذلك بالنسبة للحالة الفلسطينية؟
الرنتاوي: طبعاً، العالم يتغيّر والطريقة القديمة ما عادت مقبولة، الدول تَضعُف، واللاعبون خارج الدوائر الرسمية كثر وأدواتهم كبيرة، وبالتالي لا يظنّ فريق أنه هو كله قدرة وجبروت، هذا “الحكي” كان ينفع في الخمسينات، في الستينات، الآن الأمور تغيّرت.
توحيد خطاب الحكومة والمعارضة
ـ في الاردن يوجد من يطالب بضرورة توحيد الخطاب بين الحكومة والمعارضة، والمقصود هنا تمرير الموقف الرسمي اتجاه ما حدث في غزة؟
الرنتاوي: هذا مرفوض، لأننا مجتمع تعددي، ولنا آراء في هذ الموضوع.
ـ ولكنّ دعوات التوحيد إياها يجري تبريرها بتحاشي نقل الانقسام إلى الساحة الأردنية؟
الرنتاوي: هذه ليست مسؤولية طرف واحد، هذه مسؤولية الأطراف جميعها، وإذا
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...